ماذا نتعلم من القردة عند اتخاذ قرارات مالية؟

ماذا نتعلم من القردة عند اتخاذ قرارات مالية؟

منذ 6 سنوات

ماذا نتعلم من القردة عند اتخاذ قرارات مالية؟

هذه روابط خارجية وستفتح في نافذة جديدة\nكشفت تجارب عن أن القردة تتخذ بعض القرارات "المالية"، التي تشبه على نحو لافت للنظر تلك التي يتخذها البشر.\nوأُجريت تجربة رائعة من بين هذه التجارب في جزيرة تقع قبالة ساحل بورتوريكو. وقد تمنحنا نتائجها الفرصة لكي نفهم على نحو أعمق ما يُعرف بـ"الاقتصاد السلوكي"، والأسباب النفسية التي تحدو بالبشر للإقدام على المخاطر والمجازفات.\nكما يمكن أن تفسر لنا هذه النتائج أسباب مرور الحالة الاقتصادية لكل منّا بأزمات مالية من حين لآخر.\nوشملت التجربة ستة من القردة التي تنتمي لأسرة إحيائية تُعرف باسم "كبوشاوات". وقد أُطْلِقَ على كل منها اسما لشخصية من شخصيات سلسلة أفلام جيمس بوند.\nوفي إطار هذه التجربة، درّب الباحثون القردة على أن "تدفع" لهم عملاتٍ معدنية رمزية صغيرة الحجم، مقابل حصولها على كمياتٍ من الطعام.\nوقد وُضعت هذه الحيوانات في سوقٍ صغيرٍ مؤقتٍ، كان القائمون بالتجربة "يبيعون" لها فيه كمياتٍ مختلفةٍ من الطعام بأسعارٍ متباينة أيضاً.\nومن بين الباحثين الذين شاركوا في هذه التجربة مع القردة، لوري سانتوس، أستاذة علوم الإدراك وعلم النفس في جامعة ييل الأمريكية.\nوتقول سانتوس إنه بوسع المرء الاستفادة من هذه التجربة وتفاصيلها "لكي نتساءل حقاً عما إذا كانت القردة تُبدي اهتماماً بأمورٍ مثل أسعار الأشياء؟"، أو بعبارةٍ أخرى؛ هل تحاول هذه الحيوانات زيادة كمية العملات المعدنية الرمزية التي تستحوذ عليها؟\nومضت سانتوس بالقول: "ما كان مفاجئاً هو أن القردة - وبعد تلقيها تدريبا محدودا للغاية - (ركزت) في التبادل التجاري على الباحثين الذين أعطوها الطعام بأسعار أقل.\nولذا، فإذا كانت تلك القردة قد حصلت على كميات مضاعفة من الطعام، مقابل إعطاءها عملةً رمزيةً واحدةً لباحثٍ ما (مقارنةً بما منحه لها باحثٌ آخر)، فإنها كانت تتعامل مع الباحث الأول لمرات أكثر".\nكما أظهرت القردة - التي وُضِعتْ موضع التجربة - خصالاً أخرى شبيهة بخصال البشر مثل النزوع إلى الانتهازية. فقد حاولت الاستيلاء على أي من العملاتٍ المعدنية الرمزية إذا ما كانت ملقاة جانباً ولا يوجد من الباحثين من يوليها انتباهه.\nوأظهرت تجارب تضمنت عنصريْ المخاطرة والمكافأة، أن غالبية البشر ينزعون للمقامرة، وتبني خيارات تنطوي على مجازفات، ومن المثير للدهشة أن بعض القردة تمضي على هذا الدرب أيضاً.\nومع ذلك، فربما مَثَّلَ التوجه الذي أبدته القردة نحو الإقدام على أمورٍ تنطوي على مجازفة ومخاطرة، الدرس الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لنا كبشر، من الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الدراسة.\nفقد أدخل الباحثون عنصر الاختيار على التجربة، إذ جعلوا بوسع القردة الخاضعة لها، أن تختار بين شخصين لتتبادل معهما عملاتها الرمزية بكمياتٍ من الطعام؛ واحدٌ منهما سيقدم لها نصيبيْن من الغذاء، وهو عنبٌ في هذه الحالة مقابل العملة الواحدة، وذلك في كل مرة تجري فيها هذه المبادلة، وهو خيارٌ لا ينطوي على أي خطر أو خسارة على الإطلاق.\nأما الآخر فيعطيهم إما حبة عنب أو ثلاث حبات، مقابل قطعة العملة الواحدة هذه. وبطبيعة الحال، يوجد في هذه الحالة خطرٌ أكبر، إذ أن الباحث كان يعطي القرد في نصف عدد مرات التبادل حبة عنب واحدة، ويمنحه في النصف الآخر منها ثلاثاً من هذه الحبات.\nوإذا شرحنا هذا الأمر بعباراتٍ أقرب إلى ذهننا البشري، فسنجد أن الأمر يُشبه أن تُخيّر بين الحصول على 2000 دولار مضمونة من شخصٍ ما في كل مرة تقايضه فيها بشيءٍ بعينه، أو أن تغدو هناك فرصةٌ بنسبة 50 في المئة لأن تحصل منه على ألف دولار، واحتمالٌ بنسبة مماثلة لأن تنال 3000 دولار كاملة. وهنا يصبح الخيار بين أن تقامر أم لا. فإلى أي الخياريْن ستميل؟\nغالبية البشر سينزعون إلى الخيار الأكثر أمناً، ألا وهو الحصول على ألفيْ دولار، وهو ما تفعله القردة كذلك.\nهكذا يبدو الأمر على ما يرام حتى الآن، فلعلنا لا ننسى أن القردة والسعادين هي الكائنات الحية الأقرب لنا، ونتشاطر معها تاريخاً تطورياً مشتركاً. رغم ذلك، كان من اللافت أن شيئاً حدث بمجرد تعديل تصميم التجربة، لكي يُمنح للقردة الخياران ذاتهما، ولكن على أسسٍ مختلفة.\nوتشرح لوري سانتوس شكل التجربة بعد إدخال هذا التعديل بالقول، إنه بدا لكل قرد في هذه الحالة أن كلاً من الباحثيْن اللذين يعرضان عليه العنب يحمل ثلاث حبات، وهو ما جعله يفكر على الأرجح، في أن لديه فرصةً للحصول على الحبات الثلاث.\nوتمضي سانتوس قائلةً إن أحد الباحثيْن كان يتصرف بشكل متوقع ومضمون بشكلٍ ما، ففي كل مرة كان يفعل الشيء نفسه، ألا وهو إعطاء القرد حبتيْن من الحبات الثلاث التي يحملها، وحجب واحدة عنه.\nوكان ذلك يعني أن القرد سيتكبد - عند "المتاجرة" مع هذا الباحث - بنوعٍ من الخسارة المؤكدة الـ"محدودةٌ لكنها مُحققة"، بحسب قول الباحثة التي أشارت في الوقت ذاته، إلى أن التعامل مع الباحث الآخر، كان يتضمن عنصر المجازفة "ففي بعض الأحيان يعطي القرد كل الحبات الثلاث، بينما يحجب عنه في أحيانٍ أخرى اثنتين ويمنحه واحدةً فحسب".\nمرة أخرى، دعونا ننظر إلى الأمر بطريقة مختلفة، فإن افترضنا أنك تطمح إلى الحصول على ثلاثة آلاف دولار، لنتخيل هنا أن لديك الفرصة للاختيار، أو تكبد خسارة ألف دولار بشكلٍ محقق في كل مرة، والحصول على ألفي دولار، أو أن تقامر.\nوفي حالة المجازفة، ستكون إزاء احتمالٍ نسبته 50 في المئة أن تخسر ألفيْ دولار وتحصل على ألفٍ فقط، وإزاء فرصةٍ بنسبة مماثلة بأن تنال كل شيء دون تحمل أي خسارة، فما الذي ستفعله في هذه الحالة؟\nغالبية البشر سيؤْثِرون المجازفة وسيفضلون الخيار الذي ينطوي على مخاطرة أكبر. المدهش أن ذلك شَكّل اختيار القردة أيضاً.\nففكرة خسارة مكافأة متوقعة، كانت مؤلمةً للغاية بقدر جعل هذه الحيوانات، تجازف بأن تخسر أكثر لمجرد أن هذه المجازفة توفر لها فرصةً بألا تخسر شيئاً على الإطلاق.\nويتجسد هذا في سوق الأسهم أو العقارات، فقد يحسب المرء أن الناس سيصبحون أكثر حيطة وحذراً في التعامل معهما، عندما تنهار الأسعار فيهما.\nلكن الواقع يفيد بأن العكس هو ما يحدث، إذ يقدم المتعاملون على مجازفاتٍ أكبر. فالناس في هذه الحالة، يحتفظون بالأسهم التي تتراجع قيمتهما، متوقعين أن يزداد سعرها مرة أخرى، لأننا لا نستطيع تحمل فكرة أن يصبح لدينا ما هو أقل قيمة مما نحوزه الآن بالفعل، وهو ما يُعرف بظاهرة "النفور من الخسارة".\nوهكذا، فإذا كان هذا النفور مترسخاً بداخلنا، فما الذي يمكننا فعله حياله؟ ترى سانتوس أنه من المنطقي أحياناً أن يسعى المرء لإيجاد طرق ماكرة تتسم بالدهاء، لحفز الناس على اتباع سلوكياتٍ تتناقض مع غرائزهم. ويشكل حث الآخرين على الادخار، أحد الأمثلة على ذلك.\nوتقول سانتوس في هذا الصدد: "يود الكثيرون أن يدخروا، لكن إقدامك على اقتطاع مبلغٍ من المال من راتبك، ووضعه في حساب ادخار، يمكن أن يُشْعِرُكَ بأنك مُنيت بخسارة".\nولموازنة ذلك، استنبط الباحثون والأكاديميون برامج تضع هذا الأمر في الحسبان، وتُصمم بحيث تقتطع المدخرات من زياداتٍ في الدخل ستطرأ على رواتب المشتركين فيها، في وقتٍ لاحق لموافقتهم على الانضواء تحت لواء مثل هذه البرامج، وهو ما لا يُشعرهم في واقع الأمر بأنهم يتكبدون خسائر في أي وقتٍ.\nوفي هذا السياق، خرج علينا خبيرا الاقتصاد ريتشارد ثيلر وشلومو بنارتزي، بخطةٍ تحمل اسم "ادخر أكثر غداً".\nوتمثل الخطة طريقةً بسيطة وبارعة في الوقت نفسه، لتحفيز الموظفين على الادخار من راتبهم لحين وصولهم إلى سن التقاعد. وتعتمد هذه الآلية على أربع ركائز أساسية.\nففي بادئ الأمر، يُشجع الموظفون على الانضمام إلى هذا البرنامج، في وقتٍ يسبق كثيراً بدء تطبيقه على كلٍ منهم، وهو ما يجعل قبولهم المشاركة فيه، لا يرتبط بتعرضهم لأي تَبِعات مالية فورية.\nبعد ذلك، لا يبدأ اقتطاع الإسهام المالي الخاص بمستحقات التعاقد من هؤلاء المشتركين، سوى عندما يحصلون على أول زيادة تالية في رواتبهم، وهو ما يجعلهم لا يشعرون - حينما يوافقون على الانضمام لذلك البرنامج - أنهم يخسرون جزءاً من الراتب.\nوتزيد نسبة الإسهام هذه بمرور الوقت مع كل زيادة في الراتب، حتى يصل المبلغ المُقتطع إلى حدٍ أقصى مُحددٍ مسبقاً.\nوأخيراً، تمنح الخطة المشتركين فيها خيار الخروج منها في أي وقت. وتستند إضافة هذا الخيار إلى أساس حقيقة أن البشر ينزعون إلى تفضيل ما يُعرف بـ"الانحياز إلى الوضع القائم"، أو بعبارةٍ أخرى؛ من الأيسر عليهم الإحجام عن القيام بشيء، مقارنة بأن يُقْدِموا على أي شيء.\nفي نهاية المطاف، يمكن القول إن القرارات التي يتخذها البشر على الصعيد المالي، غالباً ما تبدو غير منطقية أو غير عقلانية، وقد تقود إلى حدوث ارتفاعٍ مُبالغٍ فيه في الأسعار وانهياراتٍ في الأسواق. ففي بعض الأحيان، نتخذ قراراتٍ خاطئة لا معنى لها على الإطلاق.\nلذا ربما كان ما أبرزته سانتوس وآليات "اقتصاديات القردة" - التي أخضعتها للدراسة في تجربتها - يتمثل في أمرٍ مفاده أنه قد يكون هناك بعض الصفات التطورية الغريبة في طبيعة الكائنات الحية، لا يزال من العسير محوها.\nهذا المقال مبني على حلقة (Monkey Money)، التي بُثت في إطار سلسلة "ذا بيغ آيديا"على أثير الخدمة العالمية لـ"بي بي سي"، وقدمها دافيد إدموندز وأعدها بِن كوبر.\nيمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital

الخبر من المصدر