المغاربة منقسمون حيال نقاش ديني بشأن المساواة في الإرث

المغاربة منقسمون حيال نقاش ديني بشأن المساواة في الإرث

منذ 6 سنوات

المغاربة منقسمون حيال نقاش ديني بشأن المساواة في الإرث

وزير الداخلية المغربي يتهم 3 جهات بتأجيج احتجاجات جرادة\n«إيلاف» من الرباط : انقسم المغاربة الذين شاركوا في استطلاع "إيلاف المغرب" الأخير، بخصوص سؤالهم عما إذا كانوا يرون مناسبا في الظرف الراهن فتح نقاش في مسالة المساواة في الإرث بين الجنسين.\nساند الفكرة أكثر من خمسين في المائة بقليل وعارضها عدد اقل من النصف ، بينما لم يقف على الحياد أحد من المستجوبين ؛ ما يدل على درجة الاستقطاب بين المعسكرين، إزاء قضية مثيرة، أثارت اختلافا في الرأي منذ القديم.\nواعتبارا لما للسؤال وللإجابة من تداعيات، آثرت "إيلاف المغرب" أن يأخذ بقاء سؤال الاستطلاع، في الموقع الوقت اللازم، ما يتيح للمستجوبين إعمال النظر فيه بروية والتفكير بهدوء في الإجابة التي اقتنعوا بها؛ بالنظر إلى طبيعة السؤال وخلفياته وكذا مرجعياته .\nوفي هذا السياق، لاحظنا نموا بطيئا في مؤشر الإجابات على مدى الأيام . بدت المشاركات الأولى متحفظة في الموافقة على تأييد فكرة إطلاق نقاش صريح وعمومي في موضوع الإرث ولاسيما في الجانب المتعلق بالمساواة في الحقوق بين الجنسين وما يمكن أن يترتب عن أي موقف متطرف في هذا الاتجاه أو ذلك، كون الحصول على إجماع، صعب حيال قضية مثل هذه.\nويبدو من خلال قراءة عجلي لنتائج الاستطلاع أن صف" الحداثيين" إن جاز التعبير ، يسعون إلى رفع القداسة عن بعض الجوانب الدينية المتصلة بتنظيم عيش الناس ، عبر أساليب تتفاوت بين استفزاز رجال الدين المحافظين ،وربما حفزهم على إعمال الاجتهاد ، سيرا على سنن السلف الصالح من المجددين والمصلحين ، وذلك مراعاة للتطور العميق الذي تمر به المجتمعات الإسلامية،على غرار باقي نظيراتها في العالم.\nومن الطبيعي أن يطبع التردد التعاطي مع السؤال إن لم تكن الخشية من اتخاذ موقف جريء ،رغم قناعة منتشرة من أن تأييد طرح مسألة الإرث للنقاش، لا يتعارض، من وجهة نظر التقدميين، مع مرتكزات المنظومة الدينية ؛ غير أن المضي في النقاش، من دونضوابط ، يثير في نفس الوقت المخاوف حتى لدى طائفة المعتدلين من رجال الدين ؛فهم يرون أن " التنازل" أو التشكيك في المسلمات القطعية المحكومة بالنصوص الدينية الثابتة ، يمكن أن يعزز التيار العدمي الداعي إلى الاستغناء عن المبادئ الشرعية ، ومن شأن ذلك التأثير سلبا على عقيدة المؤمنين وقوة إيمانهم وتأجيج غلو المحافظين .\nوهذا ما يفرض الحذر في قراءة وتأويل نتيجة استطلاع "إيلاف المغرب " فهو لا يعني أن نسبة عالية من المغاربة مستعدة للانخراط في نقاش فكري مفتوح على مصراعيه ، محفوف بمخاطر الإشكالات التي يمكن أن يجر إليها ،ما لم يؤسس على دعامات فقهية وفكرية ثابتة ،تشجع على الاجتهاد وتقف سدا منيعا ضد الغلو والتطرف واللعب بما استقر عليه الناس قرونا .\nوكانت مناداة بعض التيارات السياسية ، منذ أكثر من سنة، بالمساواة في حق الإرث بين الذكر والأنثى ، أثارت في حينها ردود فعل وتخوف عدد من علماء الدين ،ضمنهم المتنورين ؛ اعترضوا على التسرع والعجلة في طرح مشكل الإرث في ساحة النقاش العمومي، بمبادرات من طرف ناشطين حقوقيين وسياسيين حزبيين، ليست لهم الدراية العملية الكافية بأمور الدين تؤهلهم الخوض في القضايا الخلافية العسيرة كونهم ينتقدون "الجمود " الديني انطلاقا من مرجعية غربية وضعية متعارضة بطبيعتها أصلا مع أركان الدين الإسلامي .\nوأدى ذلك الجدل المحتدم الذي خفتت جذوته بسرعة، على بروز مواقف بين علماء الدين المغاربة ، حاول بعضهم إمساك العصا من الوسط ، فلم يعترضوا على مبدأ فتح نقاش يهدف في النهاية إلى تطوير المنظومة الدينية على إيقاع التحولات المجتمعية المتلاحقة التي أفرزت نقاشات وأسئلة ، يتجنبها فقهاء اعتادوا التسليم الأعمى بمقتضيات الشريعة الإسلامية ، كما توارثها الخلف عن السلف كما يزعمون.\nوبموازاة نقاش مجتمعي تلقائي ، اجتهدت فئة متنورة من علماء الدين وغاصوا في النصوص مستحضرين السياقات التاريخية وأسباب النزول ، فخلصوا إلى اجتهادات مفادها أن المرجعية الحاكمة في الإسلام تتسم في بنيتها العقدية بالمرونة وقائمة على أساس العدل والمساواة كقيمة مطلقة ، يفترض أن تراعيها جميع التشريعات والقوانين الفرعية .\nواستنادا إلى تسلسل منهجي ،انتهى الفقهاء المتنورون، إلى أنه لا يوجد مانع قطعي ، يحرم الأنثى من الاستفادة من نفس نصيب الذكر في تركة الهالك ؛ لكنها حقوق أو إمكانات واجتهادات محكومة بقيود وأحكام، حتى لا تصير الأمور إلى فوضى ،خاصة وأن الإرث مرتبط بالثروة المادية والمال الذي يحرك رغبات الجشع والطمع في النفوس البشرية .\nوبالتالي دعا الفقهاء المجددون ، إلى استثمار إمكانات التأويل السليم للنص التي تتيحها القراءات الدينية المتبصرة ،وهي إمكانيات لا ينتبه إليها المتحجرون ؛ كما أن توجد إجراءات للتخفيف من الحيف عن الأنثى في الإرث من قبيل الهبة التي يمكن تطويرها وإغناؤها بالمزيد من التحصينات القانونية والتأويلات الفقهية الإيجابية ، تصب كلها في خانة تحقيق الإنصاف والعدل والمساواة بين الجنسين من منطلق أن الدين يسر وليس عسرا.\nتجدر الإشارة في ذات الصدد إلى أن من لهم ورثة كثر من الذكور والإناث ، من زوجات متعددات ، يوزعون ثروتهم، وهم أحياء، بين الأبناء تلافيا لمشاكل ونزاعات عانت منها أسر، تنتهي في الغالب إلى ردهات المحاكم جراء إحساس فئة من الورثة أنها مغبونة في حقوقها.\nوإجمالا، يبدو أن تلك الفئة من علماء الدين المغاربة ، أرادت تجنب الفتنة وبعث رسالة اطمئنان إلى المجتمع ،مؤداها أن باب الاجتهاد في الدين سيظل مفتوحا ابد الدهر لضرورة إحيائه وتجديده باستمرار، لتزداد قناعة المؤمنين بقيم بالعدل والمساواة المضمنة في الدين .\nوهذه الدعوة المتفائلة لا تقلل من معارضة أبدتها المؤسسة الدينية الرسمية ، استشعر البعض فيها خوفا من تكرار انقسام المجتمع المغربي إلى معسكرين بخصوص مسالة الإرث وسواها من التشريعات المستندة إلى نصوص صريحة لا يجوز الطعن والخوض فيها ،فبالأحرى مناقشتها ممن ليسوا أهلا لذلك . احتمال وارد يزكيه دور المؤسسة الدينية الرسمية في ضمان الاعتدال والاطمئنان الروحي .\nوكان موقف المؤسسة الرسمية ، حمل الدكتورة أسماء المرابط ،على ترك موقعها المؤثر في مؤسسة بحثية تابعة للسلطة الدينية الممثلة في رابطة علماء الدين، المشرفة على تدبير الشأن الديني بالمملكة المغربية ، بتوجيه ورعاية من إمارة المؤمنين الممثلة في العاهل المغربي الملك محمد السادس ، طبقا لدستور البلاد.\nوالدكتورة المرابط ، ذات تكوين علمي وفقهي، فهي طبيبة ، خصصت القسط الوافر من جهودها الفكرية للبحث في قضايا الإسلام، من زاوية نظر متطورة مجتهدة ، مستفيدة من تخصصها الأساس ومن درايتها بالأدبيات الدينية في اللغات الأجنبية ، ما جعل منها خلال السنوات الأخيرة، مرجعا في الاجتهاد الناضج ، الباحث عن حل المشكلات بما يسعد الناس ويقوي إيمانهم ، وهو ما تشهد به لصالحها عدد من المحافل المهتمة بالظاهرة الدينية خارج وداخل المغرب، ترتادها الطبيبة العالمة ،محاضرة ومشاركة في ندوات دولية تجمع كبار المختصين.\nويجوز اعتبار موقف المرابط رفضا لأية مصادرة لحقها في التفكير المتحرر من الجمود، مثلما أنه دعوة لتجديد الخطاب الديني ينبغي أن تتجاوب معه النخب المفكرة دون شعور منها بأي مركب نقص أو خوف حيال سلطة الفقهاء التقليديين .\nومن شأن هذا المنحى الإيجابي، المساهمة في تنوير البنيات الذهنية وتجديد نمط التفكير في المواضيع والمشكلات الدينية المترتبة عن متغيرات حاصلة في المجتمعات، كانعكاس لتعقيد أسباب الحياة والعيش . علما أن النقاش المرغوب فيه ، يمكن أن ينحرف عن المساحة المحددة له ويسقط في الترهات والمتاهات بل المنزلقات.\nفي هذا السياق ، يستحضر المغاربة النقاش الساخن بل الخلافات القوية التي ظهرت بين الصفين الحداثي والمحافظ ، بخصوص مسألة مدونة الأسرة وحقوق المرأة ، فقد حسم فيها الملك محمد السادس ، استنادا إلى ٍرأي فقهي أوصت به لجنة استشارية مختلطة ضمت الأطياف المعنية .أحدثها الملك للنظر والبت في الإشكال الذي أثارته فئات مجتمعية ،وذلك درءا لحدوث أي انقسام حاد في المجتمع.\nوما تزال عبارة الملك المجلجلة حاضرة في الأذهان ، حين قال في خطاب ما معناه ، إنه لا يمكنه أن يحلل ما حرمه الله أو يحرم ما أحله .\nتلك السابقة في نهاية سلمية لخلاف بدا مستعصيا وعسيرا في البداية، يمكن استحضارها واعتمادها قاعدة فكرية تؤسس لأي نقاش هادف بين علماء الدين والنخب الفكرية والحقوقية في المجتمع، بما من شأنه إصلاح المجتمع للحد من أضرار أشدها الظلم أو الحيف تشعر به فئة دون أخرى في المجتمع ذكورا أو إناثا، شبابا وكهولا.\nوعموما ، تعكس نتيجة استطلاع "إيلاف المغرب" أن عينة المشاركين ، مهما يكن عددها، ميالة إلى الابتعاد عن الاحتقان والتطرف في المواقف ،وترك مهمة التفكير في قضايا ومشكلات المجتمع إلى أهل الحل والعقد ، ليس بالمعنى التقليدي أي الاقتصار على علماء الدين بل بإسهام كل من له خبرة وعلم وتجربة مفيدة.

الخبر من المصدر