حكايات السبت | المصري اليوم

حكايات السبت | المصري اليوم

منذ 6 سنوات

حكايات السبت | المصري اليوم

ثلاث حكايات من بين الأربع التى أكتبها اليوم، عن التعليم والبحث العلمى. أراه المستقبل. الرئيس ومعه حكومة المهندس شريف إسماعيل لديهم برنامج وخطط لتطوير المنظومة التى أصابها الكثير من الإهمال لعقود طويلة. أركز هنا على ما يقوم به وزير التربية والتعليم.. وما هى فرص خطته للتطوير.. كواليس اجتماع الحكومة الأحد الماضى كتبته هنا. أحترم وزير التعليم العالى، لكن لى رأى أقوله هنا حول حلم الرئيس لاستقدام فروع للجامعات الكبرى بالعاصمة الإدارية. وتطرقت لمنتدى مهم حول النانو تكنولوجى شارك فيه وزيران، بما يعكس اهتمام الدولة بهذا الموضوع.\nوأنهيت هنا بموضوع مستقل عن الصين.. وهل هناك تشابه فى تجربتها السياسية مع تجربتنا؟\nعلى مسؤولية إعلامى شهير فإنه قدم نصيحة لوزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى بأنه لابد أن يخرج من مكتبه ويزور المدارس فى أنحاء الجمهورية. ستتغير الصورة فى ذهنه، سيستمع إلى أفكار طازجة ومباشرة تساهم فى حل جزء من أزمات التعليم. زميلنا الإعلامى فوجئ بالرد التالى: قمت بزيارات لمدارس ولكن خارج مصر. كان وزراء التعليم السابقون لديهم حرص فى مناسبات بعينها على زيارة المدارس، وأحيانًا تكون هذه الزيارات مفاجئة. لا أتذكر زيارة قريبة لشوقى للمدارس التى هو مسؤول عنها. هو يؤجل كل جهده وأفكاره لـ«خطة التطوير».\nمر ما يزيد على العام ولم يتحقق شىء، بالعكس الأمور إلى أسوأ. المدارس فارغة تمامًا- حتى فى سنوات النقل. «سناتر الدروس» مكتظة بالطلاب وتستنزف المليارات من ميزانيات الأسر. الرئيس- كما علمت- فاجأ الوزير بسؤال خاطف خلال الاجتماع الذى حضره أيضًا رئيس الوزراء إضافة إلى عدد محدود من الوزراء يوم الخميس قبل الماضى: أين خطة التطوير يا معالى الوزير.. كنت متحمسًا لها وأنت فى «المجلس الاستشارى الرئاسى»، أما الآن وأنت على رأس العمل التنفيذى المسؤول عن التعليم تختفى «الخطة».. لماذا؟\nوجاءت الإجابة السريعة من رئيس الوزراء ومن الوزير، بأنها ستُعرض على سيادتكم قريبًا جداً. دعا رئيس الوزراء لاجتماع حكومى عاجل عُقد يوم الأحد- بكامل هيئة مجلس الوزراء- كان الموضوع الوحيد على جدول الأعمال هو خطة تطوير التعليم.. ومصادر تمويلها.. وهل هى قابلة للتنفيذ على مراحل أم أنها مشروع متكامل لابد من تنفيذه فى وقت واحد. وهل تتناسب مع أوضاع جميع البيئات الاجتماعية والاقتصادية المصرية؟\nالاجتماع، الذى استمر لساعات فى مقر مجلس الوزراء، تحدث فيه «شوقى» طويلاً، وقدم عرضًا متكاملاً ومفعمًا بالحيوية، لكن بعض الوزراء والمتواجدين فى القاعة فقدوا تركيزهم وهم يلهثون وراء التفاصيل الدقيقة للمشروع بجداوله وأرقامه وتكاليفه. وكان السؤال الرئيسى عن الميزانية المطلوبة. قدرها الوزير بنحو عشرين مليار جنيه، فقيل له ولوزيرة الاستثمار والتعاون الدولى أيضًا: ابحثا عن مصادر تمويل لا تمثل عبئًا إضافيا على ميزانية الدولة. نريد منحًا لا قروضا لهذه الخطة. تدخل وزراء آخرون وتحدثوا بشكل عملى عن غياب البنية التحتية للاتصالات فى بعض القرى والنجوع بما يصعب فيه استخدام «التابلت» ووصله بشبكات موحدة.\nوأنا أعلم أن «المشروع» فى مرحلته الأولى يحتاج مليون تابلت، وأن مصانع وزارة الإنتاج الحربى بدأت فعليًا فى تصنيعها. وعاد الحوار، خلال الاجتماع، حول «التمويل»، وتم الاتفاق على عقد اجتماع جديد حول المشروع نفسه. وذلك قبل رفعه للسيد الرئيس.\nوقبل يومين فقط، علمت أن النية تتجه لاقتراض ما يوازى مليار دولار من إحدى الجهات المانحة الدولية بشروط ميسرة لـ«تطوير التعليم». وبعيداً عن هذه الكواليس، فإننى لست من المتحمسين لأداء الوزير. هو مفكر وأكاديمى محترم. لديه ما يقوله ولكن يبقى كذلك. الإدارة لها مواصفات معينة. مقدرة على التعامل مع المرؤوسين العباقرة وحتى المرؤوسين محدودى الكفاءة والذكاء على السواء.\nوزارة التربية والتعليم بها كل الأنماط البشرية، وبها يعيش ويتعلم أولادنا. ما ذنبنا أن الوزير عطل قيادته للمنظومة التعليمية حتى تتحقق خطته؟ هل المرور على المدارس وإعداد لوائح وقرارات جديدة متعلقة بالغياب والحضور يحتاج «خطة»؟ هل طلب محاصرة مراكز الدروس الخصوصية وذلك بجهد مشترك من التعليم والمحليات والشرطة وبمساندة الإعلام يحتاج هذه «الخطة»؟ من السهل وأنت مفكر وفاهم أن تجهز لمشروع متكامل لتطوير التعليم. ولكن من الصعب جداً أن تضمن نجاح هذه الخطة وأنت بعيد عن المعلمين والرأى العام.. والمدارس.\nوزير التعليم العالى والبحث العلمى، الدكتور خالد عبدالغفار، حقق مكاسب عديدة خلال الشهور الماضية. له بصمات واضحة. أزماته فى التنسيق محدودة للغاية. يتفاعل مع طلبات الرأى العام ويتطوع لحل أزمات ومشاكل لم تُعرض عليه. لكن رغمًا عن هذا أشفق عليه من قضيته «فروع الجامعات الدولية الكبرى» فى العاصمة الإدارية. استمعت مرتين، وخلال مدى زمنى بسيط، من الرئيس وهو يتحدث عن حلمه الذى لن يتنازل عنه بحتمية أن تكون الجامعات التى ستفتح أبوابها فى العاصمة الإدارية ضمن «الخمسين الكبرى» فى العالم. لم أسمع من الوزير تعليقًا علميًا حول هذه المسألة.\nمعلوماتى «المحدودة» أن هذا «الحلم الرئاسى» صعب المنال فى الوقت الحالى، وفى ظروفنا السياسية والاقتصادية التى نحياها الآن. استمعت من متخصصين عن الطلبات الصعبة جدا التى نفذتها قطر والإمارات لاثنتين من الجامعات الكبرى لتفتح فروعًا هناك. كنت شاهداً على بداية الترويج لاستقدام فروع الجامعات الكبرى، وذلك فى مقر سفارة مصر فى إحدى الدول الغربية الكبرى. جاء بعضهم إلى «العاصمة» وأجرى دراساته ثم ذهب ولم يعد. ربما يأخذون وقتهم ثم يعودون، لكننى مع الحديث بواقعية مع الرئيس ومع الرأى العام فى هذا الأمر وبشكل سريع.\nفى المقابل، أعرف أن هناك مستثمرين وأصحاب جامعات خاصة بدأوا فى البناء هناك. وبعضهم أنفق مئات الملايين، ولديهم حالة من الارتباك بعد تعليمات السيد الرئيس حول الشروط الواجبة فى الجامعات هناك. أنا أدعو الوزير للتدخل. أدعوه أيضًا لدعوة رموزنا العلمية فى الخارج لمؤتمر علمى حول التخصصات العلمية الحديثة المطلوبة فى «العاصمة الإدارية». هل المطلوب التركيز على علوم «التطبيقات النووية»؟ ليتنا نركز على عدد محدود من علمائنا فى البداية وندعوهم ويستمع الوزير لأفكارهم فى جلسات مغلقة، أو مؤتمرات مفتوحة. الرئاسة تدعوهم. بعضهم ساعدوا فى إنجاح وتنفيذ المشروعات القومية بعلاقاتهم من داخل عواصمهم. أدعو أيضًا إلى افتتاح فروع للجامعات والمراكز الطبية المصرية الكبرى فى العاصمة الإدارية.\nسألت العالم المصرى الكبير الدكتور مصطفى السيد، عضو مجلس أمناء الجامعة البريطانية بالقاهرة، أستاذ النانو تكنولوجى بمعهد جورجيا للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، صاحب براءة الاختراع لعلاج السرطان بجزيئات الذهب، ونحن على مائدة الغداء بالمنتدى الدولى لعلماء النانو تكنولوجى، سألت: لماذا غابت أخبار مشروعكم العملاق عن الساحة الإعلامية والطبية؟ فسارع بالرد: ستسمعون عما قريب جدا. نحن بانتظار موافقة المعهد القومى للأورام، التابع لجامعة القاهرة، على اختبار العلاج على المرضى من البشر وستسمعون خيراً إن شاء الله.\nالعالم المصرى الكبير هو المصرى الوحيد الذى حصل على قلادة العلوم الوطنية الأمريكية، وهو واحد ضمن أفضل ستة علماء اختارتهم الجامعة البريطانية بالقاهرة ليكونوا نواة لأول مركز مصرى متخصص لهذا الشأن.\nرئيس مجلس أمناء الجامعة البريطانية محمد فريد خميس متحمس لهذا المركز، ويؤكد استعداده لإنفاق نحو مائة مليون جنيه عليه. ولفت نظرى اهتمام الدولة بهذا المنتدى، حيث جرى انعقاده تحت رعاية وزير التعليم العالى والبحث العلمى، وحضر جلسته الرئيسية كل من وزيرى الزراعة والرى ورئيس أكاديمية البحث العلمى، إضافة إلى عدد من العلماء المتخصصين، وركزت الكلمات على أهمية النانو فى جميع المجالات، وعلى أهميته أكثر فى مجال الزراعة وتحلية المياه. وعالميا يتسارع الاهتمام بتطبيقات النانو تكنولوجى.\nانطلقت البداية الفعلية لبحوث النانو تكنولوجى فى أوائل ثمانينيات القرن الماضى وأصبحت فى نمو مطرد ليس له نظير، حتى بلغت الاستثمارات العالمية فى هذا المجال أكثر من تريليون دولار، وقد شملت تطبيقاتها كل مجالات الحياة اليومية، وأصبح المواطن العادى ينتظر من النانو تكنولوجى حل جميع المشاكل، التى أصبحت مستعصية على باقى التقنيات، خصوصا فى مجال الطب والهندسة والصناعة والزراعة والمياه.\nأتمنى أن نقلد الصين ولكن فى المجال الاقتصادى وليس فيما يتعلق بالحياة السياسية. أحد المراكز المصرية القريبة من الإعلام الصينى ومجلاته الناطقة باللغة العربية، جهزت لمؤتمر سياسى فى أحد فنادق القاهرة قبل أسبوع تقريبًا، يتضمن ورش عمل وجلسات حول «التشابه بين المقومات السياسية فى البلدين». وتم توجيه الدعوات بشكل موسع ودقيق، وقيل إنه تمت دعوة مجموعة من السياسيين، وعلى رأسهم أحد وكيلى مجلس النواب، وفى نفس يوم انعقاد المؤتمر جاءتهم تعليمات بإلغائه، فتم تكريم المدعوين وإلغاء الجلسات.\nوأنا أرى أن متخذ قرار الإلغاء فعل خيراً. لا يوجد أى تشابه بين نظامنا السياسى والنظام الصينى. فقط مجموعة من المزايدين يرون هذا التشابه. وللأسف بعضهم بدأ فى المقاربة بين ما حدث فى بكين من تصديق البرلمان على تمكين الرئيس الصينى «شى جين بينج» من الاستمرار فى منصبه وإلغاء شرط التقيد بدورتين. هم يريدون أن نُعدل دستورنا للهدف نفسه. بدأ الكلام فى هذه النقطة قبل ستة أشهر، ثم توارى للخلف مع تصريحات نافية وحازمة من الرئيس لهذا الأمر، وها هى تطل من جديد من «منفذ صينى».\nلا توجد أحزاب فى الصين. لا رصيد ليبراليا لديهم. عرفت بلادهم احتلالاً دمويًا أباد الملايين. سواء من بريطانيا- التى غزتهم وقتلت مئات الآلاف بالأسلحة الحديثة أو بالأفيون - أو من اليابان التى أذلت وقتلت الملايين. عرفوا حروبًا أهلية على مدار سنوات طويلة. كان عنوان التنمية بعد كل هذه المآسى «شيوعيًا».. ثم عدّل «النظام» هناك بوصلته الاقتصادية معتمداً «السوق الحرة»، لكن بقيت قبضته السياسية «شيوعية»، لا يعرفون التعددية السياسية، ولا يعترفون بالإعلام الحر أو منظمات المجتمع المدنى. سجل الصين فى مجال حقوق الإنسان سيئ للغاية. لديهم واحدة من أعلى معدلات التنمية، وأكثر عدد من المليارديرات. شركاتهم تلتهم المنافسين فى جميع المجالات، وفى كل الدول حتى فى أوروبا وأمريكا، لكنى لا أراها حياة صحية ودافئة، تلك التى يحياها الإنسان هناك.\nفى مصر نعيش على هامش المجتمعات الحرة. نقلدها إلى حد ما، ولكننا نستفيد من هذه الأجواء. فى بلدنا «شبه الديمقراطى» من الممكن أن تتعايش مع هذا الوضع، بل نُبدع فيه. عودوا بذاكرتكم إلى ما قدمه جدودنا فى العمل السياسى مع إقرار التعددية الحزبية مطلع القرن العشرين. ارجعوا إلى الجدل الصحى حول القضية القومية. الموقف من الاستعمار البريطانى ومن الدولة العثمانية. من اللغة العربية والأزهر. ثورات للاستقلال سبقت كل دول آسيا وأفريقيا، بل كانت نبراسًا لثوراتهم. عُدنا للخلف تحت حكم الفرد لنحو خمسة عقود بعد ثورة يوليو، لكننا لم نيأس، وأيضًا لم نصل إلى حكم الحزب الواحد كما هو الآن فى الصين. لم تعرف مصر حربًا أهلية واحدة. ربما حكم الفرد وعدم التعلم من دروس التاريخ وما يحدث حولنا هو الذى يقود إلى هذا المصير.\nوالأهم فى هذه المقاربة فى نظرى، أن الصين دولة عظمى، هى عضو دائم فى مجلس الأمن. لن تستطيع أى دولة غربية- وعلى رأسها الولايات المتحدة- حصارها أو إقرار عقوبات شاملة عليها. لديهم أدوات للرد والمواجهة ومعادلة المواقف. نحن نتوتر مع صدور بيان أو تصريح أو مقال حول أوضاع الحريات وحقوق الإنسان لدينا.. فماذا لو أقدمنا على تقليد «النموذج الصينى»، أو أقدمنا على تعديل الدستور؟\nالمصريون قدموا الكثير من التضحيات خلال الفترة الماضية. من آمن منهم بثورتى يناير ويونيو يستحق مستقبلاً أفضل له ولأولاده من بعده.. يستحق حياة حرة وآمنة. أنا متفائل بأن الأمور ستتحسن كثيراً بعد الانتخابات الرئاسية.

الخبر من المصدر