الفلاح أم الدولة؟.. من وراء «تبوير» حلم الزراعة المصرية؟

الفلاح أم الدولة؟.. من وراء «تبوير» حلم الزراعة المصرية؟

منذ 6 سنوات

الفلاح أم الدولة؟.. من وراء «تبوير» حلم الزراعة المصرية؟

الفلاح يسعى لزيادة الرزق على حساب الأرض.. والروتين قتل الأفكار الإبداعية داخل مراكز البحوث\nإجهاض مشروع "تبريد بذور القمح" كشف صراعات المناصب.. وأستاذ بـ«البحوث الزراعية»: المركز تحول إلى «دكانة» لشرب الشاي\nالوزارة فشلت في تحصين الحيوانات من 5 أمراض وبائية.. وتوقعات بطفرة في فترة السيسي الثانية\nيقف فلاحو مصر على بعد خطوات قليلة من تحقيق حلمهم الذي طال انتظاره، وهو تأسيس نقابة مهنية تجمعهم وتضمن حقوقهم لدى الدولة، وأيضًا إقرار نظام تأمين صحي يشملهم، في ظل تدني ما يتقاضونه نظير بيع المحاصيل الزراعية.\nوبالنسبة لمشروع قانون النقابة يخضع للتعديل في مجلس الدولة، ثم سينتقل إلى البرلمان لمناقشته وإقراره، في حين تنوي الدولة تطبيق التأمين الشامل على مراحل، وهي خطوة سيستفيد منها الفلاحون، خصوصا وأنهم أكثر عرضة للأمراض من غيرهم، لطبيعة عملهم المرتبطة دائمًا بالتربة والبيئة.\nورغم الامتيازات، التي حصل عليها الفلاحون في السنوات الماضية، ورفع أسعار التوريد التي زادت لبعض المحاصيل، فإن الزراعة المصرية تواصل التراجع عالميًا، خصوصا فيما يتعلق بالمراكز البحثية التابعة لوزارة الزراعة، وأيضًا القطاعات الخاصة بالثروة الحيوانية والسمكية.\nولعل تراجع الزراعة في مصر مرتبط أساسا بالفلاح، الذي هو «رمانة الميزان»، فاستخدم الفلاح أنواع معينة من المبيدات الكيماوية الخطرة، التي تؤثر سلبًا على التربة وترهقها، وبالتالي تنتج محاصيل ضعيفة، وهو ما تسبب خلال فترة من الفترات في توقف تصدير تلك المحاصيل، واتهام مصر باستخدام مياه الصرف الصحي في الري.\nما يدفع الفلاح إلى مياه الصرف الصحي هو قلة مياه نهر النيل، وعدم وصولها إلى أطراف الترع، وهو أمر ناتج بدوره عن تراخي وزارة الري في تطهير المجرى النهري من الحشائش، وبالتالي فإن الفلاح يلجأ إلى الري بالصرف الصحي خوفًا من بوار أرضه.. حدث ذلك في محافظات عديدة في مقدمتها دمياط.\nتتحمل الحكومة والفلاح منصافة مسئولية تراجع الزراعة، فالفلاح أصبح يبحث عن زراعة المحصول الذي يجلب له المال أكثر، دون النظر تماما إلى تأثير هذا المحصول على التربة مستقبلا، كما يحدث حاليًا مع محصول الأرز، والذي نواجه أزمة حقيقيه معه، في ظل اتجاه الدولة لتقليص مساحات زراعته حفاظا على المياه، لكن الأرض التي ظلت لسنوات طويلة تزرع بهذا المحصول، سيكون صعبًا جدًا زراعتها بأنواع أخرى.\nهذا الكلام يؤكده أستاذ الزراعة بجامعة القاهرة جمال صيام، الذي يفسر ذلك بأن الأرض المزروعة بالأرز «تملحت»، وبالتالي فإن زراعة أي محصول أخر لن يؤدي إلى نموه، بل سيُنتج محاصيل ضعيفة جدًا لا فائدة لها.\nبجانب ذلك، هناك أنواعًا من المحاصيل تراجعت زراعتها في الآونة الأخيرة، لأن الفلاح قرر استبدال محاصيل أخرى بها، بدعوى أنها لا تُجلب له الرزق المطلوب، مثل ما حدث مع مساحات كبيرة من «البرتقال»، ذلك المحصول الذي ظلت مصر لسنوات طويلة متربعة على عرش تصديره، لكن الآن تقلصت مساحته إلى الحد الذي يكفي الاستهلاك المحلي بالكاد.\nالرغبة الكبيرة من الفلاح في استبدال محاصيل زراعية بأخرى بحثًا عن زيادة الرزق- وإن كانت هدف مشروع لمواجهة متطلبات الحياة-  أثرت بالسلب على الأرض وعلى المنتج أيضًا، لكن الأهم أن تلك الرغبة عمقتها الحكومة، بزيادة الضغوط على الفلاح لسنوات، فارتفعت مستلزمات الإنتاج من أسمدة، ورفضت استلام محاصيل مثل القطن، وتكاسلت عن مواجهة العفن البني في البطاطس، وفتحت باب الاستيراد واسعًا أمام القمح.\nومع تراكم الأزمات وفشل الحكومات في مواجهتها، وتآكل الأرض الزراعية بفعل البناء عليها، وصلت الزراعة إلى مستوى متدني، وكان طبيعيًا أن يُصاحب هذا تراجع في مستوى الخدمات المقدمة للفلاح والمواطن على حدٍ سواء، فنرى المراكز البحثية المصرية، وقد قبعت في مؤخرة التصنيفات العالمية.\nإذا نظرنا إلى ترتيب المراكز البحثية، فإننا سنكتشف أننا في «ورطة حقيقية»؛ على سبيل المثال، مركز "البحوث الزراعية" التابع للزراعة يأتي في المرتبة 1059 عالميًا، أما معهد "بحوث صحة الحيوان" ففي المركز الـ7776 ، وفقًا لتصنيف المراكز البحثية العالمية التابع للمجلس الأعلى العلمي الإسباني.\nفي هذا السياق، يقول الأستاذ بمركز "البحوث الزراعية" خالد عياد، إن هناك جريمة تُرتكب في حق المركز، إذ يتواجد المئات من الباحثين والعاملين به، ورغم ذلك لا يوجد إنتاج حقيقي، لأن "الأفكار الإبداعية ماتت أو قتلت بفعل الروتين القائم منذ عشرات السنين".\nويمكننا أن نفسر كيف وصل المركز إلى هذا الوضع، إذا علمنا حجم التنافس الداخلي بين قياداته على المناصب، وتفضيل المكاتب والتكييفات على النزول إلى أرض الواقع، ودون المرور الدوري على الأقسام والتأكد من كفاءة العاملين في ممارسة عملهم.\nالعشرات، بل المئات من الأبحاث المهملة، لم تأخذ حظها في الظهور، لأن هناك رغبة حقيقية في إضعاف الزراعة المصرية من داخلها، فهناك رغبة في إجهاض أي حلم أو تفكير، وليس هناك أدل على ذلك مما حدث مع مشروع «تبريد بذور القمح».\nالمشروع أو البحث قدّمه مركز "بحوث المياه" التابع لوزارة الري، وهو خاص بإنتاج سلالة من القمح موفرة للمياه، بدلا من التي تزرع حاليا، لكن الفكرة أُجهضت تماما، لمجرد أنها لم تخرج من "البحوث الزراعية" وكانت نتاج فكر ومجهود باحثين في مركز آخر يتبع وزارة أخرى!\nيستكمل الباحث خالد عياد حديثه قائلا: «هنا في المركز يأتي العاملون يوميًا لشرب الشاي، وانتظار الساعة الثانية ظهرا ليهرولوا إلى الخارج. العديد من الباحثين أيضًا لا ينتظمون في الحضور، وهناك من يوقع لهم في الكشوف، ببساطة المركز تحول إلى دكانة».\nرغم ذلك فإن الجانب المظلم له وجه آخر مضيء ينتظر فقط التركيز عليه، فالمركز يعمل به عدد من الباحثين الذين قدّموا أفكارا تنموية فعلا، لكنها في الأدراج، لم تخرج إلى النور، ولم يحاول أيًا من المسئولين عن المركز وآخرهم وزير الزراعة الحالي الدكتور عبد المنعم البنا - والذي ترأس المركز لسنوات- أن ينبش التراب ويخرجها لتستفيد منها الدولة.\nحالة الصراع المستمر داخل المركز على المناصب صنعتها الحكومة، ليس لأن الميزانية المخصصة للمركز ضئيلة فقط، ولكن لأنها اعتادت اختيار وزير الزراعة من داخل هذا المركز تحديدًا، فأصبح هناك طمعًا في «الكرسي» وتجاهل للتفكير والإبداع.\nبعض قيادات المركز تفرغت تمامًا للهجوم على المسئولين داخل الوزارة في وسائل الإعلام المختلفة، وسواء كانت تلك الاتهامات صحيحة أم لا، فهيّ في النهاية انعكاس لحالة داخلية في غاية السوء، لا ترقى أبدا لقيمة ومكانة هذا الصرح الضخم، الذي تم تأسيسه لتحسين الزراعة المصرية بما يعود بالنفع على الفلاح وعلى المصريين جميعًا.\nهناك أيضًا كارثة يُفجرها «عياد»، وهيّ استغلال عدد من الباحثين لصفة أستاذ بـ"البحوث الزراعية" للسفر إلى دول أخرى، فضلا عن أن بعضهم ينسب أنواعًا من الحشرات إلى البيئة المصرية، بما يضر تصدير المحاصيل المصدرة مستقبلا.\nأما معهد بحوث "صحة الحيوان" التابع أيضًا لوزارة الزراعة، فالتصنيفات الدولية تضعه في مرتبة متدنية للغاية، والحقيقة أن المعهد بإمكاناته الحالية، لا يصلح حتى لهذا المركز المتأخر.\nفمع أن مصر دولة مستهلكة للحوم الحمراء، ولا يتعدى إنتاجها 25%، ومع ذلك لا تستطيع تحصين الحيوانات من 5 أمراض وبائية قاتلة، أبرزها الحمى القلاعية والجلد العقدي، والنتيجة هي أننا أصبحنا من أبرز الدول التي تفقد حيوانات سنويًا بسبب تلك الأمراض.\nبعد كل ذلك، فإنه ليس منطقيا أن نعلق المشانق للفلاح بمفرده، و أن أو أن نحمل الحكومة المسئولية بمفردها، فالإخفاق يتحمله الجميع بنسب متفاوته، ولكن الأهم هو أن الدولة خلال الفترة الأخيرة بدأت تنظر بعين مختلفة إلى الفلاح ومشاكله.\nمن ذلك أن الحكومة عالجت أزمات كانت مستعصية في السابق، إذ رأينا المنتجات المصرية تدخل أسواقًا جديدة، ولمسنا كذلك بعض الطفرات لصالح الفلاح وزيادة سعر توريد بعض المحاصيل.. وهو ما يجعلنا نتسائل: هل سيكون الفلاحون هم المبشرون بالنعيم في الولاية الثانية للرئيس عبد الفتاح السيسي؟

الخبر من المصدر