سباق الدب الذهبي (1): ويس أندرسون وكرستيان بيتزولد في صدارة المنافسة.. ومفاجأة التمثيل من باراجواي

سباق الدب الذهبي (1): ويس أندرسون وكرستيان بيتزولد في صدارة المنافسة.. ومفاجأة التمثيل من باراجواي

منذ 6 سنوات

سباق الدب الذهبي (1): ويس أندرسون وكرستيان بيتزولد في صدارة المنافسة.. ومفاجأة التمثيل من باراجواي

انطلقت منذ ثلاثة أيام فاعليات الدورة الثامنة والستين من مهرجان برلين السينمائي الدولي (برليناله)، والذي يتنافس في مسابقته الرسمية هذا العام 19 فيلمًا سيفوز أحدها في النهاية بجائزة الدب الذهبي أرفع جوائز المهرجان. كالعادة نقدم قراءة نقدية في كل أفلام المسابقة، ونحاول أن نتوقع ما قد تختاره لجنة التحكيم التي يرأسها المخرج الألماني توم تيكوير للتتويج في نهاية المهرجان. البداية مع أول ستة أفلام تم عرضها حتى الآن.\nجزيرة الكلاب Isle of Dogs (الولايات المتحدة)\nمرة أخرى ينجح ويس أندرسون في تحقيق ما يسعى له في كل فيلم: أن يخلق عالمًا كاملًا. هذه المرة بالتحريك (في تجربته الثانية معه بعد "السيد فوكس الرائع")، وفي اليابان (لأسباب تتعلق بالهوية البصرية للفيلم ربما)، يصيغ أندرسون عالمًا مخيفًا، أبوكاليبتيًا، لعمدة بلدة يستخدم مؤامرة شعبوية يقنع بها سكان المدينة أن الكلاب صارت أعداءً بسبب مرض أصابها، ليتم جمع الكلاب وإلقائها في جزيرة النفايات وسط موافقة وتأييد الإعلام والعوام، بينما في حقيقة الأمر كل ما يحدث سببه انتماء العمدة لمحبي القطط الراغبين في سيادتها.\nلا فكاك من السياسة هنا، لابد وأن يقفز إلى الأذهان فورًا سؤال حول ما يقصده ويس أندرسون بحكايته؛ فهي قصة أليجورية بامتياز، تمثل الحيوانات فيها استعارات واضحة للأفكار والأديان والإثنيات التي يتم شيطنتها بسلاح الإعلام لخدمة مصالح طوائف أخرى. قصة أولية من نوعية "كان ياما كان" يمكن لأي إنسان أن يترجم المقصود بها وفق قناعاته وانتمائه، أولية لدرجة انتهاجها لفكرة معسكر الأخيار ومعسكر الأشرار، التي قد يرفضها الصوابيون الباحثون عن المصالحات بأنواعها.\nغير أن ما يهمنا هنا هي موهبة ويس أندرسون المدهشة في سرد الحكاية بشكل مدهش في كل تفاصيله، شكل يتعامل مع وسيط التحريك باعتباره مساحة يمكن من خلالها تجريب عناصر بصرية تختلف عن الأفلام الروائية. الطريف هنا أن أندرسون الذي يعامل أفلامه الروائية بطريقة الكارتون في الأشكال والألوان والحركة والتكوين، ينتهج مع التحريك شكلًا أكثر تحررًا، فلا يلتزم مثلًا بالتكوينات التماثلية (السيمترية) التي تميز مشاهده الروائية، وكأن الحدود الفاصلة بين البشر والحيوانات الخيالية واهية، فبشر الأفلام يصورهم كالكارتون، وحيوانات الكارتون يحركهم كالبشر.\nليس غريبًا إذن أن تكون إحدى النكات التأسيسية في شكل سرد "جزيرة الكلاب" هو أن الكلاب تتحدث طيلة الوقت بلغة مفهومة، بينما نفهم ما يقوله البشر حينًا ولا نفهمه أحيانًا، ليس فقط لأن الفيلم يروى من وجهة نظر الكلاب، ولكن لنظرة أعمق مفادها أن حيوانات وفية وذكية كالكلاب ربما تكون أجدر بالتخاطب السليم ممن يدفعهم حديث رجل سياسة موتور للتخلص من صديقهم الأوفى.\n"جزيرة الكلاب" بداية شديدة التوفيق للمسابقة وللمهرجان الذي اختاره فيلمًا للافتتاح. فيلم يواصل فيه ويس أندرسون تجاربه التي تجمع بين كل ما يمكن أن نحبه في السينما: ذكية حاذقة، ممتعة تفجر الضحكات، لا يتوقف صانعها على التجريب في شكل حكاياته. منافس مثالي على الجوائز الكبرى لبرليناله لا سيما جائزة لجنة التحكيم الخاصة.\nالتقييم: أربعة من خمس درجات\nمفاجأة سارة من دولة لا تنتج السينما بانتظام يأتي بها المخرج مارسيلو مارتنيسي في فيلمه الطويل الأول، والذي يمكن من الآن وضع بطلته آنا برون على رأس قائمة المرشحات لجائزة أحسن ممثلة، عن أدائها لدور تشيلا، المرأة الخمسينية المثلية المسالمة، التي عاشت حياتها تعتمد على شريكتها شيكيتا، وعلى معيشتهما في مستوى اجتماعي مرموق يضمن لهما حياة مثالية، قبل أن ينقلب كل شيء في أيام قليلة.\nتتراكم على السيدتين الديون فتبدأن في بيع أثاث البيت الفاخر قطعة بقطعة، ثم يتسبب الأمر في دخول شيكيتا الحاسمة التي تدير المنزل لقضاء فترة وراء القضبان، ليصير على تشيلا فجأة أن تواجه العالم بجسد عجوز وتجربة مراهقة. على هذا الصعيد "الوريثة" فيلم نضج coming of age بامتياز، رغم المفارقة في الوصف الذي يُطلق عادة على أفلام أبطالها مراهقين، لكن ما فيلم النضج سوى حكاية لشخصية تخوض التجربة للمرة الأولى فتدرك طبيعة العالم الحقيقي.\nمن حياة مخملية للعمل سائقة بالأجرة، من شريكة حياة لخوض علاقة غير محددة الهوية مع امرأة في عمر ابنتها، ومن امرأة تخشى حتى أن تقود سيارتها بنفسها إلى شخصية مختلفة تمامًا تصقلها التجربة حتى نتعرف على وجهها الجديد في نهاية الفيلم. دراما إنسانية رفيعة المستوى، عيبها الوحيد هي أنها قد تكون عسيرة الهضم بالنسبة للجمهور العريض.\nالتقييم: ثلاثة ونصف من خمس درجات\nيعد إدراج فيلم الشقيقين دافيد وناثان زيلنر في المسابقة الدولية لمهرجان برلين لغزًا كبيرًا بالنسبة لكثيرين. ليس فقط بسبب مستواه المتواضع الذي دفع الصحفيين للصياح استهجانًا مع نزول تترات النهاية (فكثير ما نشاهد أفلامًا سيئة)، ولكن لأنه أحد فيلمين في المسابقة قرر المهرجان إدراجهما دون أن يمتلك حق العرض العالمي الأول (كلاهما عُرض مطلع العام في مهرجان صن دانس).\nالتفسير الوحيد المقبول هو أن المهرجان يفتقد للنجوم الأمريكيين على سجادته الحمراء، وأن وجود روبرت باتينسون وميا واسيكوسكا قد يضفي بعض الوهج على برليناله، وإن كان كلاهما لا يعد النجم العالي الذي يستحق وجوده تجاوز شرطي الجودة والعرض الأول، لكن هذا ليس موضوعنا.\n"دامسيل" فيلم ويسترن حداثي، يستخدم الغرب الأمريكي بموتيفاته المعتادة ليروي حكاية بطل يبحث عن حبيبته ليخلصها من مختطفها، لنكتشف مع نجاحه في مهمته عند منتصف الفيلم إنها ليست حبيبته وأن هذا المختطف هو زوجها الحبيب، وسرعان ما تنقلب الآية ليموت البطل وتصير المرأة هي بطلة النصف الثاني من الفيلم.\nالحقيقة أن الملخص السابق يبدو عند قراءته أكثر جاذبية من حقيقة الفيلم، القائم على محاولة لخلق مواقف ومواجهات غرائبية تتسبب فيها تصرفات الشخصيات، والعمل على استخدام الحوار الفكاهي وبعض الكوميديا الحركية في المشاهد، غير أن كل هذا لا يذهب إلى أي اتجاه ملموس، ولا يشكل الانتقال بمركز اهتمام الفيلم وشخصيته الرئيسية أمرًا يستحق الإشادة طالما كان منفصلًا عن أي قيمة موضوعية لهذا الخيار الشكلي. فيلم للنسيان.\nالتقييم: اثنان من خمس درجات\nيمتلك فيلم المخرج أليكسي جيرمان جونيور كل الأسباب الكافية لصناعة فيلم جيد. حكاية حقيقية مؤثرة عن الكاتب الروسي اليهودي ذي الأصول الأرمينية سيرجي دوفلاتوف، الذي عاش سنين شبابه كلها ممنوعًا من النشر في الاتحاد السوفيتي بسبب عدم عضويته لاتحاد الكتاب أو رغبته في كتابة مقالات وقصائد دعائية لصالح الحزب الشيوعي، جهات إنتاج عديدة موّلت الفيلم بسخاء تم استخدامه بنجاح في استعادة أجواء لينينجراد بداية السبعينيات، ومخرج فازت ثلاثة من أفلامه سابقًا بجوائز رسمية في فينيسا وبرلين.\nإلا أن النتيجة النهائية تأتي أقل بكثير من التوقعات. فيلم جيرمان جونيور يمتلك كل عيوب الكلاسيكية دون مميزاتها؛ فهو طويل يمتد لأكثر من ساعتين، يستخدم التعليق الصوتي لرواية أحداث لا يعرضها، يسير بالترتيب الزمني ويعرض أزمة نراها واضحة جليّة من اللحظة الأولى والأخيرة. لكنه في المقابل يعجز عن أبسط ضروريات الفيلم الكلاسيكي: أن يجعلنا نتعاطف مع البطل ونفهم رحلته النفسية.\nموقف تلو الآخر لا يحدث فيه أكثر مما نعرفه من البداية، أن دوفلاتوف شريف لا يرغب في بيع نفسه وهذا ما يتسبب في منع كتاباته من النشر، أزمة لا يواجهها وحده بل يواجهها كل جيله من الموهوبين ومنهم جوزيف برودسكي الشاعر الكبير الذي لم ينل نوبل في الآداب إلا بعد هروبه من وطنه إلى الولايات المتحدة. دون أن يحدث هذا التراكم (أو التكرار للدقة) فارقًا يذكر في علاقة الجمهور الباردة بالشخصية الرئيسية، وهي أزمة كبيرة في فيلم يتبنى شكلًا سرديًا كلاسيكيًا كهذا.\nالمحصلة النهائية هي فيلم يمكن الاستعاضة عن مشاهدته بقراءة حكايته مكتوبة، وليس هذا بالتأكيد ما نشاهد الأفلام من أجله.\nالتقييم: اثنان ونصف من خمس درجات\nمفاجأة من العيار الثقيل يأتي بها كرستيان بيتزولد أستاذ الموجة الحديثة في السينما الألمانية. في بداية تصوير الفيلم كان الحديث حول قيام بيتزولد الذي تخصص في عمل أفلام عن المحارق النازية ومعاناة اليهود الألمان بتصوير فيلمه الجديد في العالم المعاصر، ثم جاء ملخص الفيلم ليُشعرنا بأن المعلومة كانت خاطئة، فالحكاية عن يهودي ألماني يحاول الهرب من فرنسا بعد اجتياح مواطنيه لها. ثم بمشاهدة الفيلم تأتي مفاجأة كون المعلومتين صحيحتين: بيتزولد يروي تلك الحكاية في سياق معاصر.\nتخيل معي، الرجل الألماني يعلم باجتياح باريس فيهرب منها لمارسيليا وينتحل شخصية كاتب متوفي للهرب بدلًا منه إلى المكسيك عبر باخرة ستتوقف في إسبانيا والولايات المتحدة، لكن هذا يحدث في العالم المعاصر فتشاهد السيارات والمباني الحديثة، بل ويقابل البطل في رحلته لاجئين من العصر الحالي آتين من الدول العربية والقارة الأفريقية.\nقد تبدو الفكرة مبتذلة عند السماع، لكن المخرج المخضرم يصيغها بصورة مدهشة في عدم ارتكانها على هذا القرار بالغ الجرأة، فقط هو قرار شكلي يحمّل الحكاية بمعان مختلفة عن تشابه وضع لاجئي اليوم مع هاربي الأمس، لكن العمود الفقري للفيلم هو سيناريو بالغ الإحكام، ميلودرامي الطابع كعادة أفلام بيتزولد، لكنها ميلودراما شيقة، مليئة بالمفاجآت، قائمة على شخصيات قادرة على الحفاظ على انتباه المشاهد في كل لحظة من الفيلم. فيلم مؤهل بجدارة للجوائز الرئيسية وعلى رأسها جائزة الإخراج إن لم يظهر منافس أقوى.\nالتقييم: أربعة من خمس درجات\nإحباط كبير ينتهي عليه فيلم الفرنسي المخضرم بينواه جاكو، بعد بداية مثالية امتلك الفيلم فيها نصف ساعة تخطف الأنفاس، عن شاب يستغل فرصة وينسب لنفسه مسرحية ممتازة تحقق نجاحاً هائلًا وتجعله كاتبًا فائق الشهرة ينتظر الجميع عمله الثاني، الذي يعجز بالطبع عن كتابته حتى يتقاطع طريقه مع بائعة هوى غامضة تتعامل فقط مع الأثرياء، فينجذب لعالمها ويقرر التقرب منها كي تكون موضوع عمله الجديد.\nالبداية الشيقة تبدأ قوتها في الخفوت تدريجيًا مع تعثر السيناريو المتكرر، وخروجه عن مساره الأول وتفرعه في منعطفات يصعب الوصول لمعنى حقيقي أو حتى تأثير شعوري لقرار المخرج بدخولها، وعلى رأسها قرار تغيير وجهة النظر لنجد نفسنا فجأة نتابع حياة العاهرة ونتعرف على أسرارها التي ستؤثر في خطة البطل دون سبب سردي يستحق هذه التضحية بمسار الفيلم.\nحتى النجمة إيزابيل أوبير والتي بالتأكيد جذبها دور بائعة الهوى التي تعيش في قصر وتختار عملائها بل وتتلاعب بهم، تظهر بشكل باهت لا يناسب موهبتها الكبيرة، ولا يعبر بحال على ضرورة كون هذه المرأة الخمسينية فاتنة قاتلة Femme Fatale يمكنها أن توقع شابًا من عمر ابنائها ليصير مهووسًا بها وبملاحقتها. "إيفا" فيلم كان من الممكن أن يكون عملًا كبيرًا لكنه تعثر قبل حتى أن يبلغ منتصف الطريق.\nالتقييم: اثنان ونصف من خمس درجات\n"غداء العيد".. فيلم لبناني جداً ولكن\n"قضية رقم 23".. المحاكمة داخل الفيلم وخارجه\nكلمات متعلقة مهرجان برلين السينمائي الدولي جزيرة الكلاب

الخبر من المصدر