الصعايدة: «عايزين نرجع بلدنا»

الصعايدة: «عايزين نرجع بلدنا»

منذ 6 سنوات

الصعايدة: «عايزين نرجع بلدنا»

أيوة.. عاوزين نرجع بلدنا.. نشعر بالدفء فى بيوتنا، نضم أبناءنا فى أحضاننا.. نزرع الأمن فى ربوع القرى والنجوع.. لم نختر الغربة، بل هى كتبت علينا «طحنتنا» وسرقت أجمل سنين العمر.\nجلس وقت الغروب يتأمل الشمس وهى ترحل، كان على يقين أنها على موعد مع فضاء يحتويها.. تذكر أمه.. وزوجته أم العيال.. والقعدة على المصطبة أمام الدار.. وكوب الشاى «الصعيدى» مع صديق عمره الذى سافر إلى إحدى الدول العربية.. ولم يعد منذ سنوات.\nحبس أنفاسه ثم أطلق سراحها فيما احتبست دموع الرجال، وما أشدها فى عيونه.. وقال بصوت خفيض «أيوه عاوزين نرجع بلدنا»!!\nهذا هو لسان حال آلاف من العمال والأرزقية الذين تركوا بلادهم مكرهين بحثاً عن فرصة عمل فى القاهرة.. ولسان حالهم يقول: «مجبر أخوك لا بطل» فلا فرص عمل ولا تنمية حقيقية ولا خدمات متكاملة.. هذا هو لسان حال أبناء الصعيد الذين أتوا إلى قاهرة المعز من أجل البحث عن الرزق وسط الظروف والحياة الصعبة بعيداً عن البيت والأهل، والأرقام لا تخطئ، فمحافظات الصعيد هى الأعلى فقرًا، وكانت أول 5 محافظات فى تصنيف الأفقر فى مصر من نصيب الصعيد بشماله وجنوبه طبقًا للجهاز المركزى للإحصاء عام 2016، وجاءت أسيوط فى المركز الأول بنسبة وصلت إلى 66%، وحلت سوهاج ثانيًا، وقنا ثالثًا، ثم المنيا وأسوان، ويلجأ أغلب سكان الصعيد للهجرة نحو المركز فى إقليم القاهرة الكبرى بحثًا عن فرص عمل وفرص أفضل فى الحياة ووصلت مستويات الفقر فى محافظات الصعيد إلى 50%، وفى أسيوط تحديداً فى الوقت الذى تصل معدلات الفقر 27.8% على مستوى الجمهورية، ونستعرض فى هذا التحقيق معاناة أبناء الصعيد فى المهن الشاقة من أجل كسب لقمة العيش، ورأى الخبراء لمعالجة الأزمة والهجرة الداخلية وسبل التنمية فى الصعيد.\nفواعلية.. وفى أفران الطوب.. وأرزقية\nوراء كل مهنة شاقة «صعيدى»!\n«وعيت على الدنيا مالناش شغلانة غير الشيل والحط» هكذا بدأ «نصار» 27 عامًا، حديثه قائلاً: «جئت من الصعيد محملاً بالأعباء وحينما وصلت القاهرة تقابلت مع سمسار أنفار طلبت منه العمل قال له إننى سوف أعمل اليوم فى منطقة فيصل وكل يوم فى منطقة مختلفة حسب المقاول الذى يتفق معه على جلب الأنفار، وذلك مقابل يومية 80 جنيهًا فوافقت على الفور، وأصبحت حياتى عبارة عن الخروج منذ الفجر والعودة إلى السكن وهو حجرة كبيرة مثل العنبر يتكدس فيها العمال وينامون على ورق الجرائد على الأرض عندما تغرب الشمس».\nوطالب «نصار» الجهات المعنية بالدولة بالنظر بعين الرأفة والمسئولية تجاه عمال التراحيل، وتوفير أبسط الحقوق لهم من تأمين صحى، ورواتب تؤمن لهم عيشة كريمة.\nوقال على الدهشورى، أحد عمال التراحيل، 34 عامًا، إنه يسكن مع 7 من رفقائه من نفس المهنة فى شقة سكنية بمنطقة بولاق ويدفع 110 جنيهات، قائلاً «جيت من المنيا عشان أشتغل فى التراحيل وماعرفش أشتغل غيرها وبنيجى كل يوم للميدان فى أرض اللواء وعلى حسب ما ربنا بيكرمنا، وبنقعد من 8 صباحًا حتى 5 مساءً من أجل زبون أو مقاول نطلع معاه».\nمضيفًا أن أبرز ما يخشونه من تلك المهنة أنها على كف عفريت لأنه يوم يعمل ويوم لا لكونه إذا مرض أو تعرض لحادث ليس له راتب فهو فقط يتقاضى المال نظير عمله فى بناء العقارات وأن عمله يعتمد بشكل رئيسى على صحته الجسدية وقوة بنيته، مؤكداً أنهم دون الصحة والعافية يموتون من الجوع وتشرد أسرهم من الفقر والحرمان فإنهم يعيشون رحالة بحثاً عن لقمة العيش.\nوأكد شديد منير، من محافظة قنا: مشاكلنا كثيرة جداً فقد حضرنا إلى القاهرة بعد أن فشلنا فى الحصول على عمل فى محافظاتنا وأنا أعمل «حداد مسلح» ولكن العمل موسمى فآتى إلى هنا بمنطقة أرض اللواء لأن معظمنا نسكن بالقرب منها وآتى بأدواتى وأعمل مع أصدقائى فى التراحيل. وعن المعيشة يقول: «نحن أكثر من 8 فى شقة وكل منا يدفع 90 جنيهًا فى الشهر مقابل السكن بخلاف المأكل والمشرب ونظل فى انتظار أى مقاول أنفار للعمل».\nوهناك صناعة أخرى فى القاهرة قامت على أكتاف أبناء الصعيد وهى صناعة «الطوب» فى عرب أبوساعد، وهى من المناطق التى تضم أكبر تجمع لصناعة الطوب الطفلى فى العالم، حيث يصل عدد المصانع بها إلى ما يزيد على 350 مصنعاً، وتخدم الإسكان فى مصر بنسبة 75٪ من احتياجات الطوب الطفلى\nوقال يوسف حسنى، فنى فرن طوب رملى: أعمل هنا منذ 7 سنوات عندما أتيت من المنيا مع والدى وعمى وأولاد عمى وجميعنا من مركز أبوقرقاص وبعدها جاء أخى معى وأصبحنا 4 أفراد من عائلة واحدة، والعمل هنا صعب وشاق ولكن معظمنا لا يملك شهادات وهو المتاح بسبب عدم وجود فرص عمل فى المنيا ولو وجدت تكون بمبلغ بسيط جدًا لا يستطيع تغطية احتياجاتى، ونحن مدينة صناعية وننتج ومعظم مبانى الإسكان من عندنا وفى حالة احتياجنا للأكل أو الشرب ننزل البلد فى الصف أو التبين وهى مسافة كبيرة جدًا عن منطقة المصانع لأن الأكشاك داخل المدينة معظمها ينتهى لكثرة الطلب عليها.\nوأضاف حسنى ببعض كلمات الألم والحزن بداخله: بالنسبة لأصحاب المصانع فهناك استغلال لحقوق العمال فمعظمنا يعمل باليومية ورغم أنى أعمل منذ 7 سنوات ولا يوجد تأمين على العمال، وفى حالة تعرضنا لإصابة من العمل فنحن نعمل فى مهنة خطرة لا يتم تعويضنا وطالبنا كثيرًا بالتأمين حتى أضمن حقى أنا وأولادى، ولكن ليس هناك استجابة من أحد فهناك من يعِد وهناك من يقول لن يكون هناك تأمين والبعض يؤمن على أقاربه من العمال وتكون بنسبة لا تتعدى 5% ونطالب بالتأمين فهذا أقل حقوقنا كعمال فيومية الفنى مثلى لا تتعدى 120 جنيهًا، واختتم حديثه قائلاً: «معظمنا هنا من الصعيد؛ المنيا وأسيوط وقنا وسوهاج وجايين مصانع الطوب نسترزق رغم صعوبته وتعبه وكل مصانع الطوب فى عرب أبوساعد معظمها صعايدة».\nوقال سعيد نصير، عامل رصيص بمصنع طوب طفلى: العمل فى مصانع الطوب مهنة «الغلابة» وكل من لم يتعلم مهنة ولا يستطيع إيجاد فرص عمل بمحافظته يأتى إلى هنا، فالمصانع بها أشكال كثيرة من الأعمال لا تحتاج إلى خبرة أو حرفة، أعمل 10 ساعات يوميًا والمصنع هنا يعمل بالإنتاج وليس عدد الساعات وأحصل على ما بين 70 و100 جنيه يوميًا ونقيم أحيانًا بمناطق قريبة من المصنع أو ننشئ مبيتاً لنا ونتقاسمه، خاصة أن معظمنا من الصعيد وخارج القاهرة قائلاً: «أنا نفسى ألاقى شغل فى سوهاج وماجيش هنا لكن مفيش هناك وظائف والعيشة غالية فباشتغل هنا 25 يوم وآخد 5 أيام إجازة لبلدى وولادى».\nوكيل لجنة القوى العاملة بالبرلمان:\nمراكز تدريب وقاعدة بيانات ورقم كودى لكل عامل «متغرب»\n73٪ من الصناعات المصرية فى القاهرة والإسكندرية والشرقية\nأكد محمد وهب الله، وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، أن مشروع قانون العمل الجديد يتضمن مواد لضمان حقوق الفواعلية وعمال اليومية، حيث يتضمن مواد تنص على إنشاء قاعدة بيانات لهم بوزارة القوى العاملة، بالإضافة إلى إنشاء مراكز لتدريبهم على مستوى الجمهورية، هذه المراكز سوف يخضع فيها عمال الفواعلية للتدريب، وستمنحهم كارنيهاً يتضمن اسم العامل والرقم الكودى والمهنة ومستوى الكفاءة «ماهر أو جيد جداً أو جيد»، بحيث يضمن القانون حقوق التأمين الصحى والمعاشات لهم.\nمضيفًا أن لجنة القوى العاملة قابلت عدداً كبيراً من عمال التراحيل والفواعلية والموسميين وعمال مصانع الطوب من أجل إدراجهم بشكل قانونى والتواصل مع الوزارة وتوضيح شكل وإجراءات القانون الجديد ومعرفة حقوقهم وواجباتهم، وهناك خطة للاهتمام بالصعيد وفق توجيهات القيادة السياسية من خلال العمل على جذب المستثمرين.\nوأكد محمد بدوى دسوقى، عضو لجنة التضامن بمجلس النواب، أن أبناء الصعيد يضطرون للسفر إلى القاهرة والإسكندرية لعدم توفير فرص عمل بهذه المحافظات كونها نائية ولا يوجد اهتمام من المسئولين بهذه المدن، فمنذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر انطلقت الوعود بتطوير هذه المناطق والمحافظات ولكن دون تنفيذ على أرض الواقع، ويعتبر من أكثر الأقاليم ظلمًا طوال عقود، فالاهتمام الحكومى كان معظمه متجهاً إلى محافظات الوجه البحرى وبذلك نطالب بتطبيق اللامركزية وتوزيع الاستثمار بعدالة على جميع المحافظات، حيث تتمركز 73% من الصناعات المصرية فى محافظات القاهرة والإسكندرية والشرقية، وبالتالى أصبحت هذه المحافظات الثلاث الأكثر جذباً للسكان، وتستوعب أكثر من طاقتها السكانية المخصصة لها، فأدت إلى ظهور أزمات التكدس الاجتماعى والاقتصادى، وكان من الأفضل تنمية الصعيد للحد من الهجرة للداخل.\nوتفتقر أغلب محافظات مصر البعيدة عن المركز، خاصة فى الصعيد والمحافظات الحدودية، إلى المميزات التى تتمتع بها محافظة القاهرة والمحافظات القريبة منها.

الخبر من المصدر