ضحايا توماس إديسون (3-3)

ضحايا توماس إديسون (3-3)

منذ 6 سنوات

ضحايا توماس إديسون (3-3)

هل تورط إديسون في قتل مخترع السينما وابنه؟!\nينسب الأمريكيون اختراع السينما- أو الصور المتحركة- للأمريكي توماس إديسون، وينسبه الفرنسيون للأخوين "لوميير"، بينما المخترع الحقيقي هو الفرنسي "لويس لوبرنس"، الذي سبق إديسون بست سنوات والأخوين لوميير بسبع سنوات.\nنجح لوبرنس في التقاط الصور وصمم أول نظام لإسقاطها على شاشة عرض، وذلك في مدينة ليدز بإنجلترا عام 1888م، ولا تزال الكاميرا التي استخدمها، والفيلم الذي صوره، ضمن معروضات متحف ليدز الصناعي والمتحف الوطني للتصوير الفوتوغرافي والسينما والتليفزيون بمدينة "برادفورد"، شاهدا على قصة اختراع عظيم غير وجه الحياة على الأرض، وشاهدًا على جريمتين غامضتين لم تعرف أسرارهما حتى اليوم.\nولد "لويس أوغستين لوبرنس" في 28 أغسطس 1848م لأب كان ضابطًا في الجيش الفرنسي وصديقا مقربا للويس داجير رائد التصوير الفوتوغرافي الذي ألهمه حب الكيمياء والتصوير الفوتوغرافي، ودرس في جامعتي باريس ولايبزج الألمانية، ثم انتقل إلى يوركشاير بانجلترا عام 1866م بناءً على دعوة من صديق كان يدرس معه، حيث عمل في مسابك وايتلى للنحاس، وأقام في مدينة ليدز التي كانت في تلك الفترة مركزا بارزا للعلوم والفنون والتكنولوجيا الحديثة.\nبعد ثلاث سنوات تزوج من "ليتزى" أخت صديقه والابنة الكبرى للسيدة "سارة وايتلى"، كانت ليتزى فنانة موهوبة، شاركا معا في أنشطة الجماعات العلمية والفلسفية والأدبية، وأسسا معا مدرسة للفنون التطبيقية، واكتسبا شهرة واسعة بسبب أعمالهما الفنية الجميلة على المعادن والخزف، وبعد فترة انتقلت الأسرة إلى الولايات المتحدة ليدير مجموعة صغيرة من الفنانين الفرنسيين الذين يحترفون الرسم وطلاء الخزفيات.\nوهناك بدأ العمل في استكشاف إمكانية إنتاج صور متحركة، فصمم في البداية كاميرا زودها بـ16 عدسة، وفى نوفمبر عام 1886م سجل رسميا أول استمارة بيانات لبراءة اختراع الصور المتحركة، تضمنت الاستمارة طريقة التصوير والأدوات المستخدمة ونظاما لإسقاط الصور، وكتب فيها أنها بغرض "إنتاج صور متحركة لمشاهد طبيعية"، وبعد شهور قدم نموذجا منها في باريس.\nحصل لوبرنس على صك براءة الاختراع في 10 يناير 1888م، وفى نفس اليوم قدم طلبا (برقم 423 ) للحصول على براءة اختراع في بريطانيا، بعدها عمل على نظام أكثر بساطة يتكون من كاميرا بعدسة وحيدة، وفى 14 أكتوبر 1888م نجح في استخدام تلك الكاميرا- المعدلة- في تصوير حفل في حديقة منزل السيدة وايتلي، كان فيلما قصيرا يتألف من 12 لقطة في الثانية يظهر فيه ابنه أدولف والسيدة سارة وزوجها وهارييت هارتلى.\nوفى يوليو 1889م تمكن من إسقاط صور عربات تجرها الخيول تعبر جسر ليدز على شاشة زجاجية، لكنها لم تكن جيدة بما يكفى، كان بحاجة إلى وسيط شفاف، خفيف الوزن، وأكثر مقاومة للحرارة حتى يتمكن من الإسقاط السريع للصور وهو ما توصل إليه بعد شهرين، السليولويد كان هو المادة المناسبة، وكانت أول مشاهد نجح في إسقاطها بسرعة وجودة وعرضها على شاشة زجاجية مطلية بمادة وميضية، كان الفيلم الثاني أكثر جودة من فيلمه الأول، وبدأت فكرة تقطيع أو تقسيم الصور الفوتوغرافية إلى شرائح سينمائية.\nلسنوات كان لوبرنس يعمل سرًا، لكنه تحمس لهذا الاختراق الذي حققه، ما دفعه أن يرسل ابنه ألفونس ليشارك مع ليتزى- في تأمين مكان مناسب في الولايات المتحدة للإعلان عن اختراعه للصور المتحركة، ووقع اختيارهم على قصر جوميل على مرتفعات واشنطون...لكنه لم يفعل!!\nفي 16 سبتمبر 1890م، استقل لوبرنس القطار من مدينة ديجون الفرنسية متوجها إلى باريس للقاء بعض أصدقائه هناك قبل السفر للولايات المتحدة، لكنه لم يصل إلى باريس حتى يومنا هذا، ولم يره أحد بعدها قط، ولم تظهر جثته ولا أي من متعلقاته الشخصية، وحققت الشرطة الفرنسية والشرطة البريطانية- سكوتلاند يارد- في القضية إلا أنهما لم يقدما تفسيرا لهذه الجريمة حتى الآن.\nبعد اختفاء لوبرنس بشهور، وعلى أساس نموذج قدمه وليم ديكسون أحد موظفيه، أعلن إديسون عن فيلمه المزعوم، أي بعد عامين كاملين من فيلم لوبرنس الأول، وفى 1891م قدم طلبا للحصول على براءة اختراع ثم قدم عرضا في نيويورك عام 1894م، ثم قام الأخوان لوميير بعرض أول فيلم تجارى في باريس في العام التالي.\nظلت أرملة لوبرنس حتى وفاتها تعتقد أن إديسون هو المستفيد والمتهم الأول من خطف وقتل زوجها لكنها لم تقدم على ملاحقته قضائيا، لأنه وفقا للقانون الأمريكي لا يجوز النظر في اعتبار لوبرنس ميتا قبل سبع سنوات من اختفائه، لذلك اعتبر لوبرنس مختفيا- لا ميتا- وكان ذلك في صالح منافسيه، لأنه لا يعطي زوجته أو أبنائه حقوقا قانونية في منازعة إديسون قضائيا.\nكل ما فعلته الأسرة هو أنها تداخلت قضائيا مع شركة ميوتوسكوب في دعوى أقامتها ضد إديسون، وادعت فيها أن "جهاز تصوير وعرض الصور المتحركة كان معروفًا جيدًا، وعلى نطاق واسع من قبل أن يزعم إديسون اختراعه"، كانت الشركة تهدف إلى المال بينما هدفت العائلة لرد الاعتبار للمخترع الأصلي- لويس لوبرنس.\nوتحمس أدولف- الابن الثاني للوبرنس- الذي كان طالبا يدرس الكيمياء بجامعة كولومبيا - لقضية أبيه المغدور، وذهب إلى ليدز سرا ليجمع الأدلة التي تدعم موقفهم ثم عاد إلى نيويورك ومعه شرائط التصوير والكاميرات التي استخدمها والده في تصوير أول وثاني أفلامه، وفى ديسمبر 1898م وقف يدلى بشهادته أمام المحكمة.\nكان شابا صغيرا تلاعب به المحامون من الطرفين، هاجمه محامو شركة إديسون بعنف، أما محامو شركة ميوتوسكوب فاستخدموه فقط للنيل من إديسون، ولم يسمحوا له بلعب دورا أكبر حتى لا يهدد مصالح شركتهم، ولسبب غير معلوم لم تظهر كاميرات لوبرنس في قاعة المحكمة الأمر الذي عزز من ادعاء محامى إديسون بأنها لم توجد قط، و وفى عام 1901م أصدرت المحكمة حكمها: إديسون هو المخترع الأول، والوحيد للصور المتحركة، وبعد استئناف الحكم قضت في العام التالي بأن إديسون ليس المخترع الوحيد للصور المتحركة، لكن أدولف لم يبق حيا ليستمع إلى الحكم المقلوب.\nفي يوليو 1901م، قتل الابن بعد أيام من إدلائه بشهادته الأخيرة في القضية رميا بالرصاص، وعثر على جثمانه وبجواره بندقية صيد بالقرب من منزل العائلة في "فاير أيلاند" بولاية نيويورك، وقيدت الحادثة ضد مجهول لكن الأم كانت على يقين من أنها جريمة قتل ثانية، فـ"الصبي يعرف الكثير... وقال ذلك في المحكمة"...فهل تورط إديسون في قتل لوبرنس وابنه الثاني؟!\nكتبت "أتيرآى جوبتا" في العدد 11 من دورية "المواد اليوم" بتاريخ 2008م أن "أليكسس بيدفورد" الذي كان يدرس الكيمياء فى جامعة نيويورك ويجرى بحثا حول تاريخ الصور المتحركة، وقاده البحث إلى المحفوظات الداخلية-المنسية- في أرشيف الجامعة. بينما كان بيدفورد يفحص أوراق إديسون حول طرق الإضاءة عثر على دفتر بغلاف جلدي قديم ضمن دفاتر كان يدون فيها أفكاره وملاحظاته، يقول بيدفورد: "كنت أتوقع العثور على بعض الملاحظات والتجارب المجهولة التي قام بها إديسون في مختبره لكني لم أكن أتوقع أن أعثر على مثل هكذا معلومة"، وجد بيدفورد ملاحظة صغيرة مؤرخة في 20 سبتمبر 1890م تقول:\n"إريك أتصل بي اليوم من ديجون، لقد تم إنجاز العمل المطلوب، لم يعد هناك من لوبرنس، هذه أخبار طيبة لكنى لم أشعر بالراحة عندما أخبرني، الجريمة ليست مهنتي، أنا مخترع واختراعاتي للصور المتحركة يمكن الآن أن تمضى قدما".\nأصابت الحيرة بيدفورد الذي ذهب على الفور لمراجعة أمينة المكتبة، لم تكن على علم بوجود دفاتر إديسون، وقالت إنها ليست مفاجأة لأن المكتبة تحتوى على كم كبير من الوثائق القديمة، ولن تندهش لو عثر هنا على أي شيء"، وبعد استئذان أمينة المكتبة حمل بيدفورد دفتر إديسون المشار إليه إلى روبرت ماير المؤرخ والأستاذ بجامعة نيويورك للتأكد من صحتها.\nوبعد دراسة استخدمت فيها تقنية التصوير المقطعي والمقارنة مع مقالات إديسون المكتوبة بخط يده، خلص أستاذ التاريخ إلى أن الدفتر المشار إليه أصلى، ويعود إلى توماس إديسون، وأن الملحوظة المؤرخة في 20 سبتمبر 1890م قد كتبت بخط يده.\nحجبت حروب البراءات والتنافس الشرس بين الشركات والجرائم الغامضة كثيرا من الحقائق في تاريخ العلوم، ولسنوات طويلة سيطر إديسون على سوق المخترعات وصناعة العلامات التجارية وربح ملايين الدولارات، وسوقه الأمريكيون باعتباره مخترعا كبيرا وبطلا ملهما، بينما لم يجن عباقرة حقيقيون من مخترعاتهم سوى الفقر والموت والنسيان.

الخبر من المصدر