السيسي وبوتين... تشابك مصالح وتعاون اقتصادي وفضائي ونووي

السيسي وبوتين... تشابك مصالح وتعاون اقتصادي وفضائي ونووي

منذ 6 سنوات

السيسي وبوتين... تشابك مصالح وتعاون اقتصادي وفضائي ونووي

لم يكن المعطف الذي ارتداه وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي في فبراير 2014، والمزيّن بعلامة "النجمة الروسية الحمراء"، مجرد هدية عادية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مسؤول مصري، بل كان إشارة إلى مستقبل سيكون محكوماً بالتحالف بين الرجلين.\nبوتين الذي اكتفى بإرسال عمدة "سوتشي" لاستقبال الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، رافضاً دعم نظام حكمه الذي انهار في ما بعد، زار القاهرة الاثنين محملاً بطموحات واتفاقات استثمارية كبيرة للبلاد، تُوّجت بتوقيعه والسيسي عقود محطة الضبعة النووية، وبحث إنشاء منطقة صناعية روسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وكذلك إنشاء منطقة لوجستية للصادرات المصرية في روسيا، في مساعٍ لإعادة بناء علاقات إستراتيجية بين الحليفين السابقين.\nعام 1943، افتتحت أول سفارة لمصر في موسكو، وسفارة للاتحاد السوفياتي في القاهرة وقنصلية عامة في الإسكندرية. ومنذ ذاك الحين، بدأت شراكة ممتدة بين الطرفين على جميع الأصعدة، أسفرت عن توقيع أول اتفاقية اقتصادية لمقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب سوفياتية.\nووصلت العلاقات الثنائية إلى ذروتها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، في عهد الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، إذ ساعد الخبراء السوفيات في إنشاء المؤسسات الإنتاجية في مصر، مثل السد العالي في أسوان، ومصنع الحديد والصلب في حلوان، ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي، ومد خطوط كهربائية بين أسوان والإسكندرية، فضلاً عن إنجاز 97 مشروعاً صناعياً، وتسليح الجيش المصري.\nبعد 30 يونيو، بدا واضحاً توجه موسكو نحو استعادة شراكتها مع مصر التي كانت من طليعة الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.\nوعززت الدولتان تقاربهما بزيارات متبادلة لرئيسيهما ولوزراء الدفاع والخارجية ومسؤولين بارزين، للتشاور حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفق ما يؤكد رئيس المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم، الدكتور حسين الشافعي.\nويرجع مساعد وزير الخارجية المصرية السابق، السفير ناجي الغطريفي، التعاون الواضح بين بوتين والسيسي إلى تشابك مصالح مصر وروسيا على الصعيدين الإفريقي والعربي، وبشأن عمليات السلام، خاصة أن مواقف الدولتين على صعيد قضايا سياسية كثيرة تكاد تكون متطابقة.\nبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، نحو مليارين و526.8 مليون دولار مقابل مليارين و221.4 مليون دولار خلال الفترة نفسها من 2016، فيما حققت الصادرات المصرية أول نمو لها إلى السوق الروسية منذ 2014 بنسبة تخطت 27%.\nويوضح الشافعي لرصيف22 أن قرض إنشاء مفاعل الضبعة البالغة قيمته 25 مليار دولار هو الأكبر من نوعه في تاريخ روسيا، ومن المتوقع أن يدر على الخزينة المصرية ما يزيد عن 264 مليار دولار، وهو أكبر مشروع تعاون بين البلدين في القرن الواحد والعشرين، بعد التعاون على إنشاء السد العالي في القرن الماضي.\nويكشف رئيس المؤسسة المصرية الروسية عن أن حجم التبادل التجاري بين البلدين، بما فيه العسكري، زاد عن 15 مليار دولار، في السنة الأخيرة، فيما لم يتخط مليارين منذ خمس سنوات، كما تغمر الحمضيات والفواكه المصرية أسواق روسيا، وقريباً سيتم إنشاء مدينة صناعية روسية في منطقة قناة السويس، وخصصت لها موسكو سبعة مليارات دولار، لتكون أول منطقة صناعية روسية في الخارج.\nشارك غردبين الروس والمصريين: دعم الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ونظام الرئيس السوري بشار الأسد\nشارك غردروسيا استعدت حركات الإسلام السياسي، قبل الأنظمة العربية، وأصدرت محكمتها الدستورية العليا حكماً باعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية\nيضاف ذلك إلى توقيع البلدين اتفاقية للشراكة في قمر صناعي يجري إطلاقه في نهاية العام المقبل من إحدى المحطات الفضائية الروسية، وهو مختص بالاستشعار عن بعد بدقة عالية تسمح بتقديم خدمات للأمن القومي وضبط الحدود، وتخطيط المدن وغيرها، و"مثل هذه الأقمار في العالم معدودة، أما في الشرق الأوسط، فلا يوجد لها مثيل سوى في إسرائيل"، بحسب الشافعي.\nعلى الرغم من الانفراج الكبير في العلاقات بين البلدين، يؤكد عضو الغرفة التجارية والرئيس السابق لشعبة السياحة والطيران عماري عبد العظيم أن الطيران بين البلدين يقتصر في الفترة الحالية على الرحلات الرئيسية فقط، بعد حادث سقوط الطائرة الروسية. وبرأيه، فإن عودة السياحة الروسية بشكل كامل ستأخذ وقتاً أطول، خاصة أن الدولة تعاني من آثار المشاكل الاقتصادية وعمليات الإرهاب.\nويلفت إلى أن الروس كانوا يمثلون 30 إلى 40% من السائحين في مصر، ما يشير إلى أهمية عودتهم لإنعاش القطاع السياحي. إلا أن السياحة بشكل عام تأثرت في الفترة الأخيرة بسبب العوامل السابقة، فبعدما وصل عدد السائحين في 2011 إلى 10 ملايين، تضاءل هذا العام إلى خمسة ملايين، فيما دفع عدم الاستقرار السياسي في المنطقة وافدين سابقين إلى مصر للجوء إلى أسواق سياحية أخرى، على غرار تركيا وإسرائيل.\nيؤكد الشافعي أن سعي القوات المسلحة المصرية إلى معالجة القصور في التقنية العسكرية لديها، نتيجة زواجها الكاثوليكي بالولايات المتحدة خلال فترة حكم محمد حسني مبارك، وامتناع واشنطن عن إمداد البلاد بأسلحة حديثة، دفع السلطة الحالية للجوء إلى تنويع مصادر التسليح بالتواصل مع دول عدة.\nوكانت نتيجة هذا التواصل أن أصبحت مصر الدولة الأولى على مستوى العالم في استيراد منظومات التسليح من روسيا في 2015/ 2016، بحجم مشتريات تجاوز 12 مليار دولار، فيما لم يتعد حجم استيراد فنزويلا الحليف الوثيق لموسكو مليارى دولار فقط.\nرغبة مصر في تنويع مصادر السلاح كان سببها رغبة الإدارة السياسية في عدم وضع يديها بين أسنان أي حليف قد يمنع عنها الدعم بالمعدات وقطع الغيار، ما يؤثر على الجهوزية العسكرية للبلاد بحال وجود خلاف بين الطرفين، وفق ما يرى وكيل جهاز المخابرات العامة السابق اللواء نبيل ثروت.\nويقول ثروت: "القاهرة طلبت من موسكو أسلحة نوعية مختلفة لدعم قواتها البحرية والجوية والمدفعية وتقوية الأفرع الرئيسية، هذا فضلاً عن التعاون المعلوماتي الكبير بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب"، وهو ما قال البعض إنه أفضى إلى مد الدولة بمعلومات هامة عن عملية الواحات الأخيرة، أسفرت عن تحرير النقيب محمد الحايس، وضبط عدد من المتهمين.\nويرى أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة أن التعاون العسكري الضخم بين البلدين قد يقود موسكو إلى إمداد القاهرة بمنظومة صواريخ S400 المضادة للطائرات والصواريخ البالستية والبحرية، في ظل كشف الحكومة الروسية عن مسودة اتفاق تسمح للطائرات العسكرية للدولتين بتبادل استخدام المجالات والقواعد الجوية.\nعادت روسيا مبكراً حركات الإسلام السياسي، وذلك قبل أن تعاديها الأنظمة العربية ذاتها، فأصدرت محكمتها الدستورية العليا حكماً باعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في عام 2003، في وقت كان هذا التنظيم يحظى بدعم الولايات المحتحدة ودول عربية وإقليمية، حسب ما يؤكد الشافعي.\nويلفت اللواء نبيل ثروت إلى وجود تعاون كبير بين البلدين في تبادل المعلومات بشأن خطط الجماعات المسلحة وحجمها وأماكن وجودها لاستهدافها في مصر ومناطق عدة.\nويكمل وكيل المخابرات السابق: "هذا التعاون يظهر جلياً في إعلان الدولتين دعم الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، تسليحياً وسياسياً".\nوبرأيه، فإن دعم حفتر مردّه السعي لحماية الأمن القومي المصري، "خاصة أن ليبيا تشكل حدودنا الغربية"، فيما تتفق القاهرة وموسكو على دعم الأسد، "حرصاً على عدم وقوع دمشق في أيدي الجماعات المسلحة وتفتيت المنطقة إلى دويلات تتنازع فيما بينها".\nووطدت العلاقة بين البلدين أيضاً المواقف المشتركة تجاه القضية الفلسطينينة، في الوقت الذي أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، توتراً عربياً وعالمياً".\nوتواجه مصر إشكالية كبيرة في تضارب مصالح حلفائها الإستراتيجيين، روسيا وأمريكا والسعودية، في التعامل مع ملفات الصراع بالمنطقة، لكن ثروت لا يتخوف من ذلك، ويؤكد أن الإدارة الحالية لا تتبنى سياسة "مَن ليس صديقي عدوي"، وتبدي حرصها على وجود علاقة طيبة مع جميع الدول.\nورغم التحالف الروسي، لا يتفق ناجي الغطريفي مع القول إن مصر ليست مستفيدة من علاقتها مع الولايات المتحدة، فـ"واشنطن هي الوجهة الأولى للدولة حتى الآن في مجال التسليح العسكري".\nوعربياً، يوضح حسن نافعة أن السياسة المصرية تجاه اليمن وسوريا وبلدان أخرى ليست كما تتمنى السعودية، عدا أن سياسة المملكة تجاه دول مثل إثيوبيا، أو ليبيا تتعارض مع مصالح القاهرة، وكل منهما ترسم سياستها حسب رؤيتها الخاصة.\nلكن الشافعي يؤكد أن العلاقة التاريخية بين القاهرة والرياض، لم تمنع مصر من اتخاذ قرارات داعمة لروسيا وغير متوافقة مع سياسة المملكة في مجلس الأمن، فيما لم يكن الدعم الاقتصادي الذي تقدمه المملكة مبرراً لخضوع مصر لإملاءات خارجية.

الخبر من المصدر