المحتوى الرئيسى

"إنه الخوف. الخوف الذي طبع حياتنا كأننا نقف على حافة وادٍ عميق" الحياة والحرببعيون شباب من سوريا

12/07 17:41

الحرب في سوريا ليست فقط بالأسلحة، والدمار، والموت، وقوافل الجنود المتحاربين في أنحاء البلاد، بل هي أيضاً بخلافات حفرت عميقاً في أرواح السوريين.

فرّقتهم في لحظات، ودفعتهم في لحظات أخرى إلى محاولة تجاوز جميع خلافاتهم، من دون أن يكون النجاح حليفهم بالضرورة.

وفي هذه الحرب يعيش اليافعون في سوريا، الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والعشرين، مرحلة فريدة.

لا هم صغار ولا كبار.

فرقتهم الحرب أيضاً عن أصدقاء وجمعتهم بآخرين، كوّنت في دواخلهم آراء جديدة، ودفعتهم في بعض الأحيان إلى اتخاذ مواقف لم تعرفها أجيال سابقة. ربما لم تمنعهم من أن يبقوا شباناً وشابات، لكنها بكل تأكيد غيرت فيهم الكثير.

هناك يافعون شاركوا رصيف22 قصصاً عاشوها خلال سنوات الحرب، ضمن إطار مشروع "خالف تَعرف" المنفّذ من "راديو سوريات" داخل سوريا، والهادف إلى تعزيز ثقافة تقبّل الآخر لدى هذه الفئة، وتشجيعها على تكوين علاقات جديدة خارج إطار الحلقات الاجتماعية المألوفة.

"إنه الخوف. الخوف الذي طبع حياتنا، كأننا جميعاً نقف على حافة وادٍ عميق ونخشى السقوط"، هذا ما يذكره عباس عمري، 19 عاماً، من سنوات الحرب الأولى في سوريا.

لعل حياة عباس في حي المزة 86 كان لها دور كبير في هذا الخوف.

فالحي الواقع غرب العاصمة دمشق هو عبارة عن تجمع سكني شعبي من جميع المحافظات السورية، ما دفع عباس إلى تشبيهه "بسورية الصغيرة" التي التزم قاطنو كل حارة فيها بمحيطهم الصغير، محاولين الاستقرار وباحثين عن الهدوء من دون التفكير في المستقبل البعيد، وتحوّل قدوم سكان جدد مصدرَ قلق وتخوف لهم.

انقسم سكان المزة 86 كما سكان مناطق سورية كثيرة بعد الحرب.

وعلى الرغم من محاولات أهلها إعادة الحياة إلى طبيعتها، إلا أن عباس يعتقد بوجود مشاعر دفينة داخل كثرٍ من عدم تقبل الآخر.

"هناك من ينظر إلى الطرف الآخر بأنه سبب الحرب والخسارات الكبيرة التي عاشتها سوريا خلال هذه السنوات، وذلك لا يعني بطبيعة الحال عدم وجود شريحة تعامل الآخر المختلف بتقبّل تام".

يصف الشاب الذي يدرس الأدب العربي، نفسه بأنه من هذه الشريحة.

"عند قدوم وافدين جدد إلى الحي، أستقبلهم بابتسامة عريضة وأرفض التعامل معهم بأحكام مسبقة".

يقول أن تعلمه الموسيقى ساهم في صقل شخصيته وابتعاده من العنف سواء بالتفكير أو التصرفات.

"إنها من الأسلحة البيض التي حصنت نفسي بها ضد أخطار الحرب كالكره والانتقام والطائفية، وبحثت من خلالها عن السلام".

شارك غرد"الأسلحة البيض... حصنت نفسي بها ضد أخطار الحرب كالكره والانتقام والطائفية، وبحثت من خلالها عن السلام"

شارك غرد"إنه الخوف. الخوف الذي طبع حياتنا، كأننا جميعاً نقف على حافة وادٍ عميق ونخشى السقوط"

شارك غرد"الأسلحة البيض... حصنت نفسي بها ضد أخطار الحرب كالكره والانتقام والطائفية، وبحثت من خلالها عن السلام"

شارك غرد"إنه الخوف. الخوف الذي طبع حياتنا، كأننا جميعاً نقف على حافة وادٍ عميق ونخشى السقوط"

تعيش يارا قطيني البالغة ثمانية عشر عاماً في بلدة صحنايا بريف دمشق الغربي.

تصف نفسها بأنها فتاة ذات حساسية عالية مما تراه حولها من مآسٍ خلفتها الحرب في بلادها. "لا تمكنني رؤية طفل يبكي في الطريق، أو أطفال تحت الأنقاض والتراب في صور تعرضها نشرات الأخبار من دون أن أشعر كل مرة بأنني مشلولة".

الحرب بالنسبة إلى يارا تغيير كبير في المفاهيم، وحيرة تصل إلى حد التناقض في الانتماء.

"عشت تجارب كثيرة لم أتخيل يوماً أن نعيشها ونحن لا زلنا صغاراً. إلى جانب مآسي الحرب، يعترينا الخوف اليوم بشأن التعبير عن أنفسنا بشكل صريح. أنتِ معي أم مع الطرف الآخر؟".

ساهم المجتمع الذي تعيش فيه يارا بزيادة هذه الحيرة، فبلدتها صحنايا، وعلى الرغم من أن نيران الحرب لم تطاولها بشكل مباشر، إلا أنها تحولت مأوًى لآلاف العائلات النازحة، معظمها من بلدتي "داريا" و "المعضمية" المجاورتين، واللتين شهدتا معارك عنيفة على مدار السنوات الماضية.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة حول توزع النازحين في دمشق وريفها، إلّا أن مصادر محلية داخل صحنايا، تتحدث عن وصول عدد سكانها إلى أكثر من أربعمئة ألف نسمة، في حين لم يتجاوز هذا العدد مئة ألف قبل عام 2011، ما يعني أنها غدت مجتمعاً متنوعاً وغنياً.

بذلك، علّمت الحرب يارا كيف يمكنها أن تختلف عمن حولها، من دون أن يعني ذلك خلافاً بالضرورة. "يعيش حولي أناس من جميع الاتجاهات والآراء وطرائق والتفكير وحتى المواقف مما يحدث في سوريا اليوم. فرض ذلك علينا التمتع بموهبة رؤية الأمور من زوايا مختلفة. فما أراه صحيحاً من مكاني قد يكون صحيحاً من وجهات نظر الآخرين أيضاً".

وبعيداً من الحرب، تلحّ في بعض الأحيان على يارا، أسئلة لا تجد إجابات شافية لها. تساؤلات حول الدين والحياة والمجتمع الشرقي الذي تعيش فيه، والذي لا يمنع انفتاح عائلتها النسبي من تعرضها لأحكامه.

لكن عدم تقبل الوسط المحيط في بعض الأحيان تساؤلاتها "غير المقبولة" يزيد ارتباكها، ويجعلها غير قادرة على تمييز الخطإ من الصواب في بعض الأمور الإشكالية، كما يعرضها لصدامات وانتقادات بسبب اختلافها.

لم تكن الحياة في محافظة السويداء جنوب سوريا، سهلة خلال السنوات الست الأخيرة، فعلى الرغم من بعدها النسبي من ساحات المعارك الدائرة في أنحاء كثيرة من البلاد، إلا أن عدم الاستقرار الأمني وتكرار حوادث الخطف والسرقة والقتل كانا سمتين بارزتين فيها.

بالنسبة إلى رند حرفوش، الفتاة ذات الخمسة عشر ربيعاً، شكّل ذلك أكبر مصادر الخوف وعدم الأمان، وأحد أهم دوافع تشكيل علاقات رسمية داخل محيطها.

"لم أتمكن من العيش هذه السنوات كما كنت أحلم. شعورنا الدائم بالتهديد وعدم الأمان نتيجة أخبار الخطف والقتل شبه اليومية، أدى إلى تزعزع الثقة في محيطنا، وإلى زرع الخوف في داخلي"، تقول رند.

لعل من أكثر الآثار السلبية لمشاعر الخوف والتهديد تلك، هو الحرمان من إمكان التعرّف إلى أجزاء أخرى من سوريا، نتيجة صعوبة السفر خارج المحافظة في كثير من الأحيان.

وفي الجانب الشخصي، ترى الفتاة أن الحرب زرعت فيها حب المبادرة، والمشاركة في أعمال تطوعية كثيرة في مدينتها. كما تبلورت طموحاتها المستقبلية، "فمنذ الصغر، كنت أحلم بالسفر ومتابعة دراستي في أحد المجالات العلمية، واليوم أستطيع القول أنني حددت هذا المجال بشكل قاطع وهو علم الفلك".

ن من إمكانية التعرّف إلى أجزاء أخرى من سوريا، نتيجة صعوبة السفر خارج المحافظة في كثير من الأحيان.

الروح التطوعية والمبادِرة جذبت كذلك كثراً من شباب مدينة اللاذقية الساحلية، والذين رأوا فيها فرصة للانطلاق نحو حياة اجتماعية وفاعلة أكثر، ومنهم ريبال البري البالغ سبعة عشر عاماً.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل