جلسات الصلح.. العرف فوق القانون والمال يغسل الدم

جلسات الصلح.. العرف فوق القانون والمال يغسل الدم

منذ 6 سنوات

جلسات الصلح.. العرف فوق القانون والمال يغسل الدم

ينتقد كثيرون جلسات الصلح العرفية، التى يتم خلالها الاتفاق على حلول لمشكلات دامية، ويعتبرون أحكامها خروجًا عن سلطة القانون وتأكيدًا على إلغائه من ناحية، أو قاسية وجائرة من ناحية أخرى، إذ تتضمن أحيانًا أحكاما بالتهجير أو دفع غرامات وديات بملايين الجنيهات، فى حين تأتي المساعي لعقد تلك الجلسات بجهود مضنية يتدخل فيها مديرو الأمن والمحافظون ونواب البرلمان ورجال الدين، وتتعلق آمال أسر وعائلات كاملة فى أن تكون حلولها المتفق عليها منجاة لأرواحهم من حروب دامية لا تعرف هوادة، ترى ما الوقع الرسمي للجلسات العرفية؟ هل تلغي توقف النزاعات القانونية أمام المحاكم؟ وهل ما تتوصل إليه من نتائج له قوة قانونية ملزمة؟ وأخيرًا ما أثرها الفعلي على أرض الواقع بين الحفاوة أو الانتقادات؟\n«دية» 2 مليون و250 ألف جنيه تنهي خصومة ثأرية بكفر الدوار\nأول من أمس السبت، أعلنت مديرية أمن البحيرة برئاسة اللواء علاء الدين عبد الفتاح، بالتعاون مع محافظ البحيرة المهندسة نادية عبده، النجاح فى عقد صلح بين عائلتي حجاج وشلبي بقرية كوم البركة بمركز كفر الدوار بعد مصرع شخصين في مشاجرة بينهم، وذلك بالاتفاق على دية قدرها 2 مليون و250 ألف جنيه.\n وبدأت خصومة العائلتين على خلفية مشاجرة بين كل من طرف أول هشام.م.ا عامل، وسعيد.م.ا، ميكانيكي وأحمد.م.ا، عامل، ومسعود.م، عامل، مصابين بكدمات وسحجات متفرقة بالجسم من عائلة شلبي، وطرف ثان شحاتة.ع.م، عامل، مصاب بكدمات وسحجات متفرقة بالجسم، وجمعة.ع.م، عامل زراعي، والصافي.ز.م، عامل، توفوا متأثرين بإصابتهم باشتباه نزيف داخلي بالمخ من عائلة حجاج، وتعدى كل طرف على الآخر بسبب خلافات الجيرة.\nوبناء على ما أسفرت عنه جهود المديرية فى التواصل المستمر والاستعانة بحكماء القرية وشيوخ الأزهر وعقلاء العائلة وأعضاء مجلس النواب تم الاتفاق على عقد جلسة صلح والمقامة اليوم بقرية كوم البركة بحضور مدير الأمن والمحافظ، والقيادات التنفيذية بالمحافظة، والنائب محمود شعلان ومحمد تمراز ومحمود هيبة وبعض رجال الدين الإسلامي والمسيحي وكبار العائلة، وعدد يناهز 2000 فرد من العائلة وأهالي القرية.\nوتم تقديم الدية التي قدرها 2 مليون و250 ألف جنيه وتم الصلح والتراضى بين العائلة، وقد وجه أفراد العائلة الشكر إلى وزير الداخلية والقيادات الأمنية على الجهود المبذولة فى إتمام هذا الصلح.\nإنهاء خصومة ثأرية عمرها 27 سنة\nعقدت الأمس الأحد، لجان المصالحات والتحكيم، بالتنسيق مع أجهزة الأمن في محافظة المنيا، جلسة صلح عرفية لإنهاء خصومة ثأرية بين ثلاث عائلات، داخل قرية تندة في مركز ملوي جنوبي المحافظة عمرها 27 سنة.\nترجع أحداث الخصومة الثأرية إلى عام 1990، وأسفرت عن مقتل عدد من عائله الريانية على يد أفراد عائلتي الشعاشة وأولاد راتب، وتجددت في 26 ديسمبر 2013، وأسفرت عن مقتل أحد أفراد عائلة راتب، وفي عام 2014 قتل أفراد عائلة الشعاشة وأولاد راتب أحد أفراد عائلة الريانية وأصاب اثنين آخرين. ​  \nحضر جلسة الصلح اللواء ممدوح عبد المنصف مدير أمن المنيا، واللواء منتصر عويضة مدير إدارة البحث الجنائي، والعميد علاء الجاحر رئيس مباحث المديرية، والمقدم علاء جلال رئيس مباحث مركز ملوي، والقيادات الشعبية والتنفيذية بالمحافظة ورجال والمصالحات العرفية، وقدمت عائلتا الشعاشة وأولاد راتب 6 أكفان، ومليون جنيه دية لعائلة الريانية، ووضع شرط جزائي مليونا جنيه،  وتحرر بالصلح المحضر رقم 8666 إداري مركز ملوي.\nتهجير وغرامة مليون جنيه ومائة جمل و5 عجول\nوفى يونيو عام 2014 قضت جلسة صلح بين عائلة هتلر القبطية وعائلة الصمدية بالمطرية، بتهجير العائلة القبطية وبيع ممتلكاتهم خلال 6 أشهر وتغريمهم مليون جنيه ومائة جمل وخمسة عجول وقطعة أرض مساحتها 200 متر، إضافة إلى تقديم أكفانهم لأهالي عائلة الصمدية.\nحضر الجلسة عدد من القيادات الأمنية وكبار شيوخ المنطقة وورجال الإعلام والقنوات الفضائية ومحكمون عرفيون، كما حضرها اللواء يحيى العراقي نائب مدير أمن القاهرة، وكثفت قوات الأمن جهودها في محيط نادي المطرية أثناء جلسة الصلح.\nترجع بداية الأحداث إلى نشوب اشتباكات بين العائلتين على أثر خلافات على الجيرة بينهم، وأثناء عقد جلسة صلح بينهما أطلق أهالي العائلة القبطية الأعيرة النارية بشكل عشوائي ما تسبب في إصابة ثمانية وسقوط قتيل من عائلة الصمدية، ومع تفاقم الخلاف تم التوصل إلى عقد جلسة صلح ثانية أصدرت أحكامها المذكورة.\nالسير بالكفن مسافة كيلومتر ينهي خصومة أطفيح\nوفى مايو من العام الماضي شهد مدير أمن الجيزة، جلسة صلح عرفية لإنهاء خصومة ثأرية بين عائلتي أبو حماد وعائلة الشاذلي بأطفيح، ترجع بدايتها إلى نشوب شجار بين أربعة شباب من العائلتين، تدخل الأهالي للفض بينهما وخلال محاولة الصلح قام شباب عائلة أبو حماد بالاعتداء على الآخرين، ما أسفر عن سقوط شاب يبلغ من العمر 26 عاما قتيلا، وإصابة أربعة آخرين، وشهدت جلسة الصلح العرفية دفع الدية البالغة مليونا و400 ألف جنيه وحمل الكفن لمسافة كيلومتر وتهجير المعتدين من القرية.\nالتهجير بين حقوق الإنسان وأرض الواقع\nويستعظم كثيرون عقوبة التهجير من المنازل كحكم وجزاء فى الجلسات العرفية، ويعتبرونه جريمة حقوقية لا تُغتفر، متجاهلين الضرر الذى لحق بالطرف الآخر والذي ربما لديه قتيل أو أكثر ضاع مستقبل أسرته بسبب جريمة الطرف المحكوم عليه بمغادرة البلدة أو المنطقة التي شهدت الجريمة.\nوفى ذلك السياق يعتبر أبو طالب عيسى، أحد المحكمين العرفيين فى محافظة بني سويف، التهجير دائما ما يكون حقناً للدماء وليس عقابا، ويؤكد أن خروج القاتل من القرية بأسرته وليس عائلته، يمنع تجدد أى مناوشات أو اشتباكات، مشيرًا إلى مشاعر أهلية المجنى عليه، والذين تسوقهم مشاعرهم عندما يجدون القاتل أمامهم إلى تجديد فكرة الانتقام بداخلهم مرات ومرات.\nقسّم اللواء مجدي البسيوني، مساعد وزير الداخلية الأسبق، الخلافات التى تحتاج إلى جلسات صلح عرفية لنوعين، وذلك حسب جوهر الخلاف، فهناك خصومات أسبابها بسيطة لم تصل إلى حد النزاع كخلافات الجيرة ولهو الأطفال والسباب وغير ذلك من أفعال لم تتطور إلى جرائم جنائية وتلك من السهل حلها.\n أما النوع الثاني فيشهد نزاعات طاحنة مثل سقوط قتلى ومصابين، أو خلاف على أرض أو عقار، وهنا لا بد من حسم أصل الخلاف بحل مشكلة النزاع، وأصعب تلك الحالات التى يوجد فيها قتلى، لأن الميت لا يرجع إلى الحياة ببساطة، وهنا يمكن الاحتكام إلى "الدية" باعتبارها تعويضا يجبر الضرر، وإن كانت "الدية" لا تلغي العقاب القانوني للجاني، ولكنها على أقل تقدير ترضي النفوس وتمنع تفاقم النزاع.\nيعتبر الخبير الأمني جلسات الصلح والتحكيم العرفية أفضل من المحاكم، قائلًا: القضاء يحكم فقط بالورق وينتهي إلى العقاب والسجن فقط، فى حين يعتبر الجلسات العرفية أوقع من المحاكم، لأنها تُصلح بين الطرفين بخلاف أحكام القضاء، كما أن المجالس العرفية تتمتع بالشفافية ويُطرح أمامها ما لا يتم طرحه أمام المحاكم "الناس عارفة بعض وكله على المكشوف فى جلسة الصلح"، على حد قوله.\nورفض مساعد وزير الداخلية وصف الأحكام العرفية بأنها جائرة أو قاسية حتى وإن تضمنت التهجير، قائلًا: "لا يتم مطلقًا الحكم بشيء ليس فى مقدور المحكوم عليه تنفيذه، لأن مجلس التحكيم يكون مقدرًا لوضع وظروف المحكوم عليه، فحتى إن كان الحكم على قدر الضرر يكلفه أقصى ما يملك تظل العقوبة فى مقدرته، بينما لا يقدم جميع الورق إلى المحاكم.\nكما نفى الخبير الأمني اعتبار الأحكام العرفية ظالمة لازدواج العقوبة بحكم المحكمة فى الجنايات والعقوبة العرفية، مؤكدًا أن الجرائم الجنائية المتعلقة بالقتل والإصابة تُصدر فيها المحاكم عقوبة جنائية بالإعدام أو السجن وغيره، ويبقى لأسرة الضحية حق التعويض المدني، ويتم إقامة دعاوى مدنية للحصول عليه، وهنا تأتي ميزة الجلسات العرفية التى تعرف المقدرة الحقيقية للجاني وأسرته، بينما الأوراق الرسمية لا تعرض الحقائق كاملة أمام المحاكم.\nضمانات تنفيذ أحكام جلسات الصلح \nوشدد "البسيوني" على أن أحكام جلسات الصلح ملزمة قطعًا للطرفين، قائلًا إن كلا منهما يجتمع بعد اقتناع تام وكل طرف يختار محكمين ويرتضي بحكمهم وتكون كلمتهم ملزمة له، ويتم ضمان الحقوق فى مجالس الصلح بمستندات رسمية، إذ يتم تسجيل إقرارات، وتوقيع تعهدات، وشيكات وتنازلات عن أملاك، وليست جلسات الصلح مجرد "حديث فض مجالس".\nوشدد الخبير الأمني على وجوب عدم إسدال الستار أمنيًا على الخلافات بمجرد عقد الصلح وتحرير محضر به، ولكن يجب أن تطمئن أجهزة البحث الأمني، وكذلك اللجنة العرفية والمحكمون لضمان تفعيل الصلح، قائلًا: "التجربة أثبتت أن شياطين الإنس يغيرون صدور المتصالحين. وهنا تكمن الخطورة فى انتقاد المتصالح ووصفه بالضعف وأنه متنازل أو مُضيّع للحق، فيحدث تجدد للخلاف بطريقة انتقامية وغادرة"، مطالبًا بالمتابعة لضمان جدية الصلح وتفعيلها.\n4 مراحل للتدخل الأمني مع جلسات الصلح\nرسم الخبير الأمني أربع مراحل ضرورية على الأمن اتباعها فيما يتعلق بجلسات الصلح، أولاها التمهيد لها، وذلك بضبط الجناة وتفتيش منازل الطرفين لنزع السلاح وضبط المُحرضين، علاوة على تحذير الطرفين وتهديدهم إن لزم الأمر حال التجاوز أو الخروج عن القانون بتجديد النزاع.\nثانيًا: المساعدة فى إجراء الصلح دون تدخل، بطلب تفاعل العقلاء مع الطرفين، والدفع للتفاهم وعقد الصلح بجانب المسار القانوني، لأنه فى الغالبية العظمى من الحالات لا تقف النزاعات الدموية عند حكم القانون، ومن ثم لا بد من وسطاء للصلح والتفاهم ووضع ضوابط عرفية.\nثالثًا: أشار الخبير الأمني إلى وجود متابعة أمنية بالتواصل مع المحكمين وطرفي الخصومة للتعرف على آخر المستجدات، وذلك دون تدخل أمني أو مناقشة، فطالما هم ارتضوا الحلول فلا داعي للجدال، وعلى الأمن تسجيل الصلح فى محضر إداري بقسم الشرطة، وإرفاق صور المستندات المحررة على الطرفين له، وذلك لتقنين التصالح ووضعه فى قالب رسمي.\nرابعًا: طالب الخبير الأمني بتتبع الأمر وإجراء التحريات الأمنية بعد الصلح، لضمان ألا يكون صوريا كصلح الذئب على الغنم -على حد تعبيره- والتحقق من عدم وجود بوادر لتجديد الخلاف بالاستعانة بالمصادر السرية والمخبرين والمرشدين.\nرأي القانون في جلسات الصلح العرفية\nاعتبر الدكتور يحيى قدري، أستاذ القانون الجنائي، جلسات الصلح العرفية شديدة الإيجابية، ولا تتعارض مع القانون، بل تسير بالتوازي معه وتكمل نواقصه، ويكون لها قدرة إلزامية أقوى من القانون أحيانًا حتى فى الدول الأجنبية، قائلًا إن الولايات المتحدة يمكن أن تكتفي بالغرامات وتلغي العقوبة حال إعفاء المجني عليه أو أسرته الجاني من العقاب، وإبداء مسامحته سواء بشكل مطلق أو بقبول تعويض ملائم.\nوأكد "قدري" أن فكرة التحكيم لها مرجعية قانونية فى مصر، إذ يوجد لدينا مجالس تحكيم لا علاقة لها بدوائر القضاء، ولدينا مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري، وتعمل بنظام تسجيل عقود اتفاق ووضع شروط جزائية، فطرفا الخلاف يختار كل منهما مُحكما، والمُحكمان يختاران محكما ثالثا مرجحا فيما بينهما، ويتوصل ثلاثتهم إلى اتفاق مُلزم، وينص القانون بشكل واضح وصريح على أن أحكام أو قرارات لجان التحكيم نهائية وباتة ولا طعن عليها، ففكرة التحكيم لها مرجعية قانونية لا جدال فيها، ولو من مجرد مبدأ العقد شريعة المتعاقدين.\nوأضاف: الصلح له قوة قانونية ملزمة شريطة ألا يكون مؤثرًا على العقوبة الجنائية، فإذا وقعت جريمة قتل يعاقب القانون الجنائي المتهم، لأن تلك من الجنايات التى لا يمكن فيها مصادرة حق الدولة فى الجريمة، وتأتي أهمية الصلح فى عدم تفاقم الجرم واندلاع داء الثأر، بخلاف شيوع الاتهام فى وقائع التشاجر التى لا يفصل فيها القانون بشكل يحسم الخلاف، وذلك بجانب التكتم على الجناة من أسرة الضحية ذاته بقصد الانتقام والثأر، وكل هذا يصلح معه الجلسات العرفية وليس القانون.\nوشدد أستاذ القانون على أن الأحكام العرفية فى جلسات الصلح تامة النفاذ بحذافيرها، لأنها تُعقد برضاء الطرفين، وضمانة الأهل، بخلاف ضمانات أخرى رسمية يتم تقنينها، ومن ثم لا هرب مطلقًا من تنفيذ العقوبة.\nواستنكر انتقاد الأحكام العرفية قائلًا: طرفاها ارتضوها ولا أحد منهما يشكو الأحكام، ومهما كانت شديدة وقاسية فإن تنفيذها مسألة واقعية وفى الإمكان لأن مصدر الحكم واحد وهو الأهل والعشيرة ولا أحد يظلم أهله الذين ارتضوه حكمًا بينهم.

الخبر من المصدر