قرصنة السرد السعودي... على الطريقة اللبنانية

قرصنة السرد السعودي... على الطريقة اللبنانية

منذ 6 سنوات

قرصنة السرد السعودي... على الطريقة اللبنانية

إجعل أصدقاءك قريبين منك، ولكن إجعل أعداءك أقرب. في العادة، لست من عشاق الكليشيهات، ولكن في هذه الأوقات الماكيافيلية، فقد تترجم عبارات مقتضبة الوضع بصورة أفضل.\nخذوا على سبيل المثال الحملة الإعلامية الأخيرة التي تشيد برئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري.\nبات من الطبيعي الآن رؤية الملصقات التي تشيد بالسياسيين على أعمدة الإنارة في جميع أنحاء بيروت. كما تعلمون فإن هذه الملصقات هي في العادة من إنتاج شركات العلاقات العامة أو متاجر متخصصة بتصاميم الملصقات ذات الميزانية المنخفضة والتي تعلق غالباً في الليل بشكل عشوائي وغير قانوني من قبل أنصار السياسي.\nولكن ماذا لو كانت المجموعة التي تقف وراء اللوحات الإعلانية ليست موالية للسياسي بل متحالفة مع أعدائه؟\nبدأت أتساءل عن هذا الموضوع عندما رأيت منشوراً على فيسبوك يظهر صور الحريري وهي منتشرة في الأحياء المحيطة بمنافسيه الداعمين لحزب الله وحركة أمل.\nفي اليوم التالي وأنا في طريقي إلى العمل، لاحظت الكثير من الملصقات التي تحمل الخط نفسه والرسالة نفسها #كلنا_معك في أجزاء كثيرة من بيروت.\nوتقريباً على كل أعمدة الإنارة التي يمكن للعين رؤيتها...\nمع العلم أن هذه المواقع الأخيرة لا تعتبر من معاقل الحريري، بل داعمة لأحزاب سياسية أخرى مثل أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي. وقد اتضح ذلك خلال الاشتباكات التي حصلت في العام 2008، عندما سيطر بعض المسلحين التابعين لهذين الحزبين بسهولة على الشوارع ورفعوا أعلامهما في هذه المواقع.\nمنذ ذلك الحين، ارتفعت أعلام الحزب السوري القومي الاجتماعي بشكل منتظم ودوري في شوارع الحمرا، وتحولت مسيرة الحزب السنوية قبل أسابيع إلى موكب عسكري امتد على طول شارع الحمرا.\nخطرت على بالي كل هذه الأفكار عندما نظرت إلى أحد الملصقات التي تم وضعها بشكل عشوائي، خاصة لأنها تظهر الحريري عابساً.\nسألت بعض الرجال الذين كانوا يجلسون على كراسي بلاستيكية تحت الملصقات عما إذا كانوا يعرفون الجهة التي وضعت هذه الصور، فأجابني رجل أربعيني: "الشعب اللبناني هو من وضع هذه الملصقات، ومن الطبيعي أن يدعم الشعب رئيس وزرائه".\nأجبته بالتأكيد، هناك تأييد عام إلا أن هناك أيضاً شركات الطباعة التي تطبع المئات من هذه الملصقات وتوزعها باستخدام الشاحنات. فابتسم وقال بطريقة مبهمة: "الأحزاب السياسية... جميع الأطراف عملت معاً لوضع الملصقات في الأحياء الخاصة بها".\nولكنني أصررت على القول: "ولكن يمكن فقط لبعض الأطراف أن تفعل ذلك في الحمرا"، فاعترف الرجل أخيراً: "نعم، نحن وضعنا هذه الملصقات، الحزب، والحركة، والقومي السوري"، في إشارة إلى حزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي.\nقلت له: "هذا هو الدهاء، المستوى الإستراتيجي المقبل لوسائل الإعلام"، فردّ بطريقة غير مبالية: "السعوديون حمير".\nتابعت كلامي سائلاً "ماذا عن هذه؟"، وأشرت إلى صورة الحريري. ماذا حدث هنا؟ فالتفت الرجل إلى شخص يجلس وراءنا: "هذا خطأ علي، طلبت منه إصلاح الصورة، لم يكن يعلم ما يفعل"، فانتفض علي وصرخ بوجهه: "أنت لم تعطني ما يكفي من الخشب لوضع الملصق بشكل صحيح".\nتركت الرجلين يتشاجران وحاولت لملمة خيوط القصة من مكان آخر، غير أن معظم الناس أشاروا إلى أنهم لم يتمكنوا من رؤية الشخص الذي وضع المصلقات، خاصة أنهم وجدوها في الصباح عندما فتحوا متاجرهم.\nيبدو أن العملية حصلت بين عشية وضحاها، غير أن بعض الرجال أقروا وهم يضحكون بأن: "الحزب والحركة والقومي" هم وراء وضع الملصقات.\nإذا كان الأمر صحيحاً، فهل كان السعوديون يتوقعون يوماً هذه النتيجة؟ هل كانوا يفترضون أن استقالة الحريري ستنشىء تقسيماً أكبر في البلاد؟ هل كانوا يتخيلون أن خصوم الحريري سيطالبون بعودته أكثر من حلفائه؟\nبطبيعة الحال، فإن هذا الموضوع يتجاوز مسألة اللوحات: رئيس الجمهورية اللبنانية وزعيم حزب الله، المعارضات التقليديان للحريري يطالبان بعودته بشكل يومي. حتى أن رأس الكنيسة الكاثوليكية في لبنان الكاردينال بشارة الراعي طالب بعودته في زيارة غير مسبوقة للدولة الوهابية.\nوساهم ذلك في انتشار بعض التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي. ها هما يتحدثان بلغة الشيفرة:\nوكأن الحريري في حديثه للكاردينال يقول: أنا مخطوف ليرد عليه الراعي بالقول: كلنا عارفين.\nربما كان السعوديون يتصورون أن اللبنانيين سيتفاعلون بطريقة "طائفية" مبسطة بحيث يعطي السياسيون أو أولياء العهد الأولوية لطائفتهم الخاصة فوق كل اعتبار. أتساءل من أين أتوا بهذه الفكرة؟\nيكفي القول إن خصوم الحريري نجحوا في رمي الكرة مرة أخرى في الملعب السعودي من دون أن يتمكن على الأرجح القادة السعوديون من استشراف ذلك.\nلكن منذ أن أعلن الديوان الملكي (أو ما تبقى منه) أنه في حالة حرب مع لبنان، نأمل أن يؤدي التفكك الحاصل في إستراتيجيات وسائلهم الإعلامية إلى إعطائهم فترة استراحة قبل مواصلة اتخاذ إجراءات إضافية عى أرض الواقع.\nألن يكون من الرائع لو كانت كل الحروب مقتصرة على الرسائل الإعلامية الخلّاقة، بحيث يمكن أن تحدد هوية الفائز وفق عدد الإعجابات وإعادة التغريدات بدلاً من الصواريخ والطلقات؟

الخبر من المصدر