فى مشهد يفيض بتفاصيل أنسانية عظيمة المعنى ..\nوغارق أيضا فى تفاصيل الألم .\nبمسلسل حديث الصباح والمساء .\nيتلهف عالى الأحساس الفنان خالد النبوى\n " داوود " باشا على رؤية أحفاده .\nهؤلاء الأحفاد الذى حرم على نفسه ، وعلى شيخوخة أيامه و لياليه .. أن تتنعم بالعيش بين أحضانهم .. حين يٓدق خريف العُمر الباب .\nأختار بكامل أرادته .. أن يقع فى شطط المحظور .\nيبدء المشهد حين يقرر ذات صباح باكر جداً أن يذهب لرؤيتهم .\nيٓدق كالزائر الغريب على أبواب أغلقت فى وجهه جميع نوافذ ذكرياتها المؤسفة معه مُنذ سنوات .\nيدخل بقدميه التى أثقل خطوها العجز ، يتكىء على عكاز ماتبقى له عند ابنه من رصيد الأبوة .. متألم بعذاب البعاد ، والحرمان من النٓفس الدافء ، وصُحبة الونس لهؤلاء بالذات الذين يسكنون هنا .. وهو بعيد عنهم هناك .\nيقف حائرا فى وسط البهو الكبير .\nو يقف ابنه منقسم المشاعر كعادته .. منتصف المسافات .. مندهش كما هو دائما من والده ، ومن تلك الزيارة المفاجئة . . التى صدمه بها .\nيستسلم الأبن لايعيي إن كان فرحا بزيارة أبوه .. أو انه خائف من ردة فعل أمه .\nأمه الهانم التى تركها والده .. وراح يرتمى فى أحضان جاريتها .\nمتعللا بأن تِلْك الزيجة كانت صرخة أحتجاجه على دنياه .. التى اختطفته باكر جدا من ذاته ، ومن أهله . فأخرجته من عباءة جلده .\nلم يجد الأبن أمامه غير أن يستسلم لفعلة أبيه على استحياء كعادته معه فى كُل مراحل حياتهم الصادمة .\nليصير الأبن المسكين .. رهين المحبسين .. ككل سنوات عُمره التى كانت بينهما .. فتجده حائر فى أحيان .. وجائر فى غالب الأحوال على أبيه رغما عنه فى توزيع قسمة مشاعر القلوب بالعدل ، والأنصاف . . ليعيش عُمره كله مشدود حد التمزق بينهم .\nمخذول الوجدان .. حٓاله كحال الكثيرين ممن وضعتهم الأقدار فى تِلْك المِحنة ..\nيسأله الأب بصوت ملهوف بفعل الحنين .. مرتعش .. بفعل جفا الأيام ..\nيجيبه الأبن .. الذى أستمات فى أن يحافظ على أن يكون بار بوالده .\nويقول .. أن الأحفاد جميعهم فى رحلة .. ولم يبقى بالمنزل غير الحفيدة الصغرى .\nثم يآتى بها لوالده كٓى يروى بها عطش الحنين .\nليركع الجد أمامها على قدميه التى ذهبت بِه يوما ما هناك عند مفترق الطرقات .. وتهوى به الأن على تِلْك الأرض التى كانت هى الأصل والجذور .. لكنه نزع نفسه عنوة .. لحظة أن تشبثت بالحلم الزائف .\nليتحدث اليها بصوت آبكاه الآنين .. وآضناه الحرمان من ملامسة أنفاسها البريئة .. فتخرج الآهة من صدره حارقة .. مشتاقة .. انه يتوق لطفلته الجميلة ، فيقبلها .. ويتقلب على جمر الحرمان بين خصلات شعرها البريء .. وعلى خارطة حنان وجهها الملائكى البريء .. يتوب من أنانيته وهوسه بذاته .. ويتمرغ عائدا بين ملامح الأيام .\nفيشم رائحتها فى لهف موجوع .. وحُب موجوع .. وانكسار موجوع .\nثم يخرج .. بعد أن أرتوى بعض الشيء .. ثم مايلبٓث أن يشعر أنه مهزوم من كُل الأشياء .\nيخرج مسكين .. مكتوي بالحيرة و الندم . . من فعل كان صنيعة يديه التى تشتاقهم فى كُل لحظة .. ان تلملمهم فى حُضن أكف شيب الأيام .. ولاتجدهم .\nيعود " داوود باشا " و لا يجد غير صنيعة غرور صبى ، وشباب آيامه المتعجرفة .. والخارجة عن المآلوف .. والتى صارت بمرور السنوات دوما تخذله .\nيعود ولم يبقى منه غير غربة مشاعره المسافرة .. وثمة وجع يئن بين أكف يديه خاوية الوفاض .\nلم يبقى منه غير الفقد .. هو الآن يفتقد نعمة حُضن البيوت التى رُبما لا يشعر بها سوى من أنعم الله عليه بنعمة دفء المحبة ، وجميل الأحساس .\nأو ربما قد يشعر بها من أبتلى بافتقاد عزيز .. أو أبتلى بالحرمان من دفء العائلة .. حتى لو كانت الأسباب وجيهة .\nلم يبقى منه غير الفقد .. أنه الأن يفتقد تلْك التفاصيل التى رُبما لم تستوقف البعض ممن وقعوا فى المحظور مثله فى بدايات العُمر .. فَانسَلَخوا فى لحظة طيش مجنونة عن جلدهم .. فتفوّقت الفرقة .. وتفرق دمهم ولحمهم على طرقات آسى الحنين لسنوات ، وسنوات .. بلا جدوى .\nأو قد تكون أستوقفت بعضهم اللحظة الفارقة .. فلملموا بقاياهم .. وتمرغوا مع فلذات أكبادهم فى عناق طويل رُبما يعوضهم عما كان .. كذاك المشهد الذى آوقع الجميع فى غرامه ، وَآغرق كُل حواسهم الحية فى مشاعر الحنين .\nثم يستوقفنى داوود باشا حين عودته بهذا المشهد الآخر .. الذى يجمع بينه وبين " نعمة " زوجة أخيه ..\nقبل أن يتوفى بلحظات لينام نومته الأخيرة فى حجرها كالطفل الصغير .. لندرك أن هذا الرجُل كالكثيرين ممن عاشوا بيننا .\nعاش ، ومات طفل كبير .\nوفى عبارات بليغة .. يعبر عن حال أهل الدنيا ، وعن نفسه .\nويقول : كلنا فى الدنيا دى مسافرين .\nكُل واحد بتيجى محطته بينزل .\nوانا عشت طول عمرى مسافر ..\nغريب فى وسط أهلى وناسى ..\nلا عارف جاى ليه !\nينتهى هذا المشهد لندرك أن هذه الغربة وَتِلْك الأسفار إن لم تٓكُن بفعل الظروف .. كما يؤلم بَعضُنَا الغياب عن دفء قطعة من دمنا ولحمنا رُبما بعدت عنا .. أو بعدنا عنها نحن لأي سبب من الأسباب العظيمة الخارجة عن الأرادة . . فلا داعى للشتات .. والأحساس ولو للحظة بالندم وقت لا ينفع الندم .\nليخرج الجميع بالدرس الكبير الذى ينبىء به حديث الأيام فى كُل صباح و مساء لنتذكر .\nونُذكِّر أنه حين تجمع الدنيا البشر بعضهم ببعض .. ويلقى كُل نصفه الآخر .\nوحين تضعهم فى سلسلة أختيارات الحياة لابد قدر المستطاع المحافظة على جميل ماكان بالبدايات .. و تهيئة النفس مابين الحين والحين للحفاظ على من يستحقون أن يصيروا مع الأيام أولى الأولويات على طاولة القسمة والنصيب ، وفى الحفاظ على كُل مايضمن لهم كرم العيش بتِلك الحياة .\nلتمضى الأيام بحلوها ، ومرها .. وتصحب معها السنوات لتأخذ الجميع بكل مافيهم من مزايا وعيوب . . لبر الأمان .. فالكمال لله وحده .\nMake sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.