"نيوتن".. كلمة السر لتدمير خط بارليف في حرب أكتوبر

"نيوتن".. كلمة السر لتدمير خط بارليف في حرب أكتوبر

منذ 6 سنوات

"نيوتن".. كلمة السر لتدمير خط بارليف في حرب أكتوبر

اللواء باقي زكي يوسف - مهندس تدمير خط بارليف\nلم يكن يعلم أن عمله في مشروع السد العالي سيؤهله لأن يكون أيقونة لعبور عظيم، يحرر الأرض المصرية من الاحتلال الإسرائيلي في حرب تصنف كأهم الحروب في العصر الحديث، تحقق بها نصر أكتوبر عام 1973.\nاللواء باقي زكي يوسف، صاحب فكرة تدمير خط بارليف المنيع بمضخات المياه بدلا من القنابل النووية، تخرج في كلية الهندسة جامعة عين شمس 1954، والتحق بالقوات المسلحة، ورشحته المؤسسة العسكرية ضمن الضباط المنتدبين للخدمة في السد العالي. \nوعلى الرغم من أنه أيقونة العبور، تسمع اللواء القدير يردد دائماً "الفكرة دي من عند ربنا".\n"بوابة العين" الإخبارية التقت بالأيقونة المصرية التي تعود إليها فكرة تدمير الساتر الترابي لخط بارليف بخراطيم المياه، بعد أن كان الخبراء الروس وغيرهم يؤكدون أنه يلزم قنبلة نووية لتدميره.\n نكسة 5 يونيو 1967 كانت إشارة العودة إلى القوات المسلحة، بعد انتداب 3 سنوات في مشروع السد العالي، وكان الجيش المصري في ذلك الوقت به حركة إعادة تنظيم وتشكيلات عقب النكسة، ولأنني ضابط مشاة تم تعييني رئيس فرع مركبات بالفرقة 19 مشاة، التي أخدت أوضاعها القتالية غرب القنال في نطاق الجيش الثالث الميداني، وكانت مهمتي صيانة وإصلاح المركبات والمعدات.\nكنت أشاهد العدو الإسرائيلي في الجانب المقابل للقنال، وأنا أشرف على المركبات في منطق عملي، وهم يبنون الساتر الترابي والمشهد كان في غاية الصعوبة.\nاستغل الإسرائيليون الكثبان الرملية الطبيعية ووصلوها بأخرى، وبنوا 34 نقطة قوية بكل المعدات من تسليح وخرسانة (لتشييد خط بارليف)، وكانت النقاط تصنع أقواس نيران من الأعلى متداخلة بما لا يسمح حتى لذبابة أن تعبر.\nوتم تعلية الساتر إلى 21 متراً، وعرضه في المتوسط 12 مترا ومسافته من بورسعيد إلى السويس حوالي 170 كيلومترا، وصنعوا وحدات في الأعماق على مسافات، ودبابات لصد أي هجوم يأتي من مصر بالتعاون مع طيرانهم ومدفعيتهم لمنع أي محاولة للعبور.\nوآخر ما وضعوه (النابالم) وهو سائل يتحول إلى نيران تحرق أي عابر، وهو عبارة عن خزانات في النقاط القوية، موصلة بخراطيم تصل إلى الضفة الشرقية، هدفها حرق وجه القناة بالكامل عند محاولة العبور، على الضفة الشرقية بميل 80%، وهو ميل القنال الذي صممه ديليسبس، وعلى هذا فقد بُني الساتر الترابي بميل 80 درجة أيضاً، ليزيد من تعقيدات عبوره.\nفي أواخر مايو 1969 صدرت أوامر لقيادة الفرقة 19 مشاة التي كنت أتولى قيادة المركبات بها بالاستعداد للعبور واقتحام خط بارليف، وأخذ أماكنها بعد الخط.\nقائد الفرقة آنذاك اللواء أركان حرب سعد زغلول عبدالكريم، جمع قيادة الفرقة في تمام الـ9 مساء، وشرح المهمة، على أن يتم الاستعداد في أكتوبر من عام 69.\nعندما انتهى قائد الفرقة، بدأ الرؤساء المتخصصون يشرحون ما يتعلق بتخصصههم، مثل الاستعداد لرسم الخطة، فقام رئيس الاستطلاع وكان المقدم عادل زكريا وشرح العدو والأرض وما يوجد بها، تلاه رئيس العمليات وكان اللواء طلعت مسلم، الذي شرح مهمة الفرقة وتصوره للتفاصيل الكاملة للفرقة لحظة العبور.\nثم جاء دور رئيس المهندسين وكان العقيد سمير خزامي، شرح الأعمال الهندسية وطبيعة الساتر الترابي وتكوينه، وكل ما يتعلق به، ثم تطرق لكيفية الاقتحام، وقال إن الخبرات العالمية من الحروب تقول إن فتح الثغرات يتم إما بالمدفعية المكثفة، أو بالصواريخ، أو المفرقعات والألغام، أوبالطيران والقنابل، وهناك اتجاهات أخرى من قنابل ذرية ونووية.\nكيف جاءت في عقلك فكرة تدمير الساتر الترابي لخط بارليف بمضخات المياه؟\nكنت أسمع هذا الشرح وعقلي لا يقبل، كيف ستحمل مركباتي المعدات التي يتحدثون عنها من مدافع، وذخيرة وغيرها، فرفعت يدي، فقال لي قائد الفرقة: ايه يا باقي، انت اللي هتشيل كل دا معاك في الآخر، فقلت بل أريد التحدث الآن، ورد طلعت مسلم حينها وقال دعونا نسمع ما يُقال.\nفقلت لماذا القنابل والذخيرة وكل هذه الأشياء الثقيلة ونحن لدينا حل أسهل، هو قوة الماء المضغوط، فالقنال إلى جانبنا، نسحب الماء منه ونضخه، سنحتاج زوارق خفيفة فقط، تُحمّل عليها طلمبات قوية بها ماصة كابسة، تسحب الماء من القنال، وهي قادمة من بحرين لن تنفذ، وتضخها بمدافع ماء على الساتر الترابي شرق القنال مباشرة بميل 80 درجة وارتفاع 20 متراً.\nوواصلت فكرتي، فقلت: الماء باندفاعه القوي سيُحرك الرمل من مكانه، ويسقطه في القنال، واستمرار تدفق الماء على الساتر الترابي المائل سيتم فتح الثغرة بعمق الساتر الترابي أياً كان العمق، ويمكن فتح الثغرة بالعرض الذي أريد من خلال زيادة عدد الطلمبات.\nأثناء الطرح لم يكن في عقلي كل هذه التفاصيل، وقفت لأقول فقط ماذا سأحمل، وأين سأضع، لأني ضابط مركبات لا أملك الخبرة الفنية اللازمة لفتح الثغرات.\nرأيت الجالسين جميعاً ينظرون واجمين، حتى أني شعرت بقلق بالغ، وتصورت أني تحدثت خرفاً، فواصلت وقلت: مهلًا فقد خدمت في السد العالي، وأزلنا كل رماله بالطريقة نفسها.\nطلب مني القائد أن أشرح له تفصيلياً كيف كان يتم تجريف رمال السد العالي، فقلت له: كنا نأخذ الماء من النيل بطلمبات على جبال الرمل من النوع المناسب للسد العالي المحيطة أقرب ما يمكن منه، ونضخ ماء النيل على هذه الجبال بعد أن نصنع حوضاً حول الجبل، والماء الذي نضخه على الجبل يُسقط رمال الجبل في الحوض، والطلمبات تشفط الخليط من الحوض إلى جسم السد، فيترسب الرمل ويعود الماء للنيل، وفي حال أن يكون الجبل بعيدا كنا نضع طلمبات تقوية أو بوستر لنحافظ على قوة الضخ واستمرارها.\nفانفجرت أسارير الواجمين، عدا أحدهم قال لي: ماذا لو لم تنهدم الثغرات؟\nقلت: لا بد أن تفتح لأننا نستند إلى قانون نيوتن 2.\nقانون نيوتن الثاني ونظرية المقذوف تقول إن (القوة = وزن الماء x V1 – V2)، أي القوة تساوي وزن الماءXالماء الناتج من مدفع الرش ناقص الماء الواصل إلى الساتر الترابي، ومعامل الانهيار=هذه القوة/المنطقة التي تخضع لضخ الماء على الساتر الترابي، وهذا يعني أن الرمال لا بد أن تسقط، ولو تحجرت جراء العوامل الجوية ستأخذ مزيداً من الوقت لكنها ستسقط حتماً في النهاية.\nالمناقشات كلها كانت إيجابية، لأن ما قيل من اقتراحات سابقة كانت تقديرات الخسائر فيها 20 ألف شهيد، فالبدائل التي تطرح خسائر أقل تكون مقبولة، وانتهى الاجتماع منتصف الليل، وطلب قائد المشاة قائد الجيش وكان حينها (طلعت حسن علي)، وقال له إننا ندرس مهمتنا لعبور بارليف، وعندي ضابط يقترح أمراً يهمني أن تسمعه فوراً، فقال له (يا سعد تعالوا بكرة الصبح).\nذهبنا بالفعل في تمام السابعة صباحا لمقابلة قائدة الجيش بحضور رئيس مهندسين الجيش ليحضر الاجتماع، وشرحت الفكرة أمامهم، فنظر لي رئيس المهندسين وطلب أن أعيد ثانية، فكررت شرحي، كان قائد فرقتي اقتنع بعد مرور ليلة واختمرت الفكرة في عقله، فطلب قائد الجيش هيئة العمليات، فرد عليه نائب رئيس الهيئة اللواء ممدوح جاد التهامي، وكان قائدًا سابقاً للفرقة 19، ويعرفني.. فبمجرد أن عرف اسمي قال هذا الضابط جاد جداً أرسلوه لي.\nذهبت له وشرحت فكرتي لأجد رد فعل مختلف، فقد ضرب يده على مكتبه عدة مرات بقوة كاد أن يكسر بلورة تعلوه، وهو يردد: (هي ماتجيش إلا كدا)، وفوراً طلب رئيس هيئة العمليات وشرح له الفكرة كأفضل ما شرحت أنا، وكنت في منتهى السعادة، وأرسلني إلى مدير المهندسين آنذاك جمال محمد علي، وأمرني أن أنتهي من هناك وأعود له مجدداً.\nكبير المهندسين سألني من كان معك في السد العالي، فذكرت له شريف مختار، فاستدعاه فوراً، وقلت أمامه الفكرة مجدداً، فكان رده أيوا يا فندم، لقد جرفنا تقريباً كل رمال السد العالي بالطريقة نفسها.\nوتم عرض الفكرة على الرئيس جمال عبدالناصر الذي قرر إجراء التجارب عليها، وأصبحت الفكرة (سري للغاية) لا ننطق به أمام أحد.\nوأجريت 300 تجربة، أولها كان أغسطس 1969 في حلوان، على ساتر ترابي على طريقة المحاكاة، وطلمبة من السد العالي فتحت الثغرة في 3 ساعات ونصف، وآخرها كانت بداخل القنال نفسها على ساتر ترابي طبيعي نتيجة الحفر والتنضيف والتجهيز الخاصة بالقنال.\nنعم.. بمنطقة البلاح في يناير 1971م، وصورتها الأقمار الصناعية، وشاهدها الإسرائيليون لكن لم يربطوا بين الفكرة وما تخطط له مصر، ومن تلك اللحظة تقرر استخدام أسلوب التجريف في فتح الثغرات.\nبدأت الحرب الثانية ظهراً، وبدخول السادسة مساء تم فتح أول ثغرة، وعند العاشرة مساء تهدمت 60 ثغرة من 85 مقررة، واستطاع هذا العدد تشغيل المعابر، ونزل قاع القنال حتى تلك اللحظة 90 ألف متر مكعب من الرمل، وبظهور الصباح تم تدمير الـ85 ثغرة بالكامل.\nبعضها إنجليزي فتح في 4 ساعات، وأخرى ألماني فتحت أحيانا في ساعتين، ووضعت فوق الكباري والمعديات والزوارق، بإجمالي 440 طلمبة تقريباً.\nالثغرات فتحاتها في المتوسط كان 6 أمتار، وكنا نزيد الاتساع بإضافة طلمبات، كل طلمبة لها مدفع واحد، والقوارب كلها كان بها 3 طلمبات.\n نحن كسلاح مركبات استنفدناها كلها في تشغيل العربات شرق القنال.\nالله أراد تكريمي، وأعتبر حظي من السماء، فقد طرحت الفكرة وأنا مُقدم وتم تعييني قبل الحرب في أكتوبر 72 رئيساً لفرع مركبات الجيش الثالث كله بالكامل، وهو المكلف بالعبور مع الجيش الثاني، فشهدت الملحمة بنفسي، وكنت أقوم بتأمين كل هذا القطاع، وعبرت 7 أكتوبر الساعة 7 صباحاً، ورأيت بعيني مراحل الفتح، العبور، أمّنت الضفة الثانية بعد العبور، وكنا فخورين رغم صعوبات هذه اللحظات، وكنا مُصرّين على النصر أو الشهادة.\nعندما هاتفني قائدي السابق سعد زغلول عبدالكريم، بمجرد وصول طلب اعتماد فكرة تدمير بارليف تحت اسمي، وقال لي: يا باقي أنا اليوم مضيت إمضاء من أشرف إمضاءاتي العسكرية، وقال لي نصاً: (أنت اديتنا الطفاشة اللي فتحت بوابة مصر) كلما أذكر هذه الجملة ينتفض جسدي حتى اليوم، وفي اليوم التالي مباشرة توفي بالسكتة القلبية مباشرة على مكتبه في قوات حرس الحدود، فكان لهذا الموقف الأثر البالغ في حياتي.\nتتضمن "غرفة الأخبار" أهم الأخبار الإقليمية والدولية، وترصد الأحداث لحظة بلحظة لتكون محطتك الأولى للحصول على الخبر الصحيح.\nجميع الحقوق محفوظة لشركة المجال للإعلام © 2017

الخبر من المصدر