حكم للتاريخ.. قاضٍ يدين «المقتول» ويعفي شابة أحرقت والدها من العقوبة

حكم للتاريخ.. قاضٍ يدين «المقتول» ويعفي شابة أحرقت والدها من العقوبة

منذ 6 سنوات

حكم للتاريخ.. قاضٍ يدين «المقتول» ويعفي شابة أحرقت والدها من العقوبة

يتداول المحامون ورجال القانون فيما بينهم عددًا من أحكام القضاء، التى يعتبرونها مرجعًا لمثيلتها من القضايا، ونموذجًا لتحقيق العدالة يطالبون باتباعه، فمن المعروف أن جرائم عقوق الوالدين لها عقوبات مغلظة فى القانون تصل إلى الحد الأقصى فى العقاب حسب الجريمة (ضرب - عاهة مستديمة - شروع فى قتل - إشعال حريق عمدي)، وغير ذلك من جرائم يرتكبها العاقون فى حق آبائهم، إلا حالة واحدة فقط أعفى فيها القانون الابنة من العقاب حال العقوق أو حتى قتل الأب، ألا وهى (الاعتداء على شرفها من قبل "أصلها" والدها).\nوحصلت «التحرير» على حيثيات حكم يعد نموذجًا فى ذلك السياق، فردت فيه محكمة جنايات المنصورة سطورًا وسطورًا لوصف بشاعة الأب وسلوكه، رغم انتهاء الحال به كمجني عليه مقتول ومحرّق الجسد على يد ابنته، بينما وجدت المحكمة الرأفة للابنة القاتلة وعاقبتها بالحبس لمدة سنة واحدة مع إيقاف تنفيذ العقوبة على مدار 3 سنوات، لا يتم خلالها حبس الابنة ليوم واحد طالما لم ترتكب جريمة أخرى.\nوفى تلك القضية نسبت النيابة للمتهمة "عفاف.ع.أ"، 22 سنة، أنها قتلت والدها المجني عليه عمدا بأن قامت بالضغط على عنقه برباط " قطعة قماش" قاصدة بذلك قتله فأحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ثم سكبت الكيروسين (الجاز) على جثته وأشعلت النار فيها بقصد إخفاء معالم جريمتها، وذلك بعدما تعدى عليها جنسيا وذبح شرفها.\nوقالت المحكمة فى حيثيات حكمها التاريخي، إنها تضع موازين القسط وهى بصدد تقرير العقوبة بعد أن أحاطت بوقائع الدعوى عن بصر وبصيرة، وباتت كل نفس بما اكتسبت من الجرم والإثم رهينة، لتأخذ المتهمة بقسط وافر من الرأفة عملا بالمادة 17 عقوبات.. لما وقر في عقيدتها أنها أحيطت بظروف قاسية ساقتها دفعا مغلوبة على أمرها لمقارفة الجريمة بعد أن حسرها اليأس وحصدها الإحباط وتحطمت إرادتها وظلت تقاوم حتى جاءت اللحظة التي استوى فيها عندها الموت والحياة وانهارت لديها كل المعاني والقيم النبيلة.. وما كان حصاد جريمتها إلا أبا مجردا من كل مشاعر الأبوة النقية الجميلة.. وراعيا تحول إلى ذئب ليتربص للفتك برعيته.\nوأضافت المحكمة أن المتهم طمحت به الشهوات وعصفت به جنون الرغبة المدمرة فألقت به في أتون الخطيئة فخلط بين الحلال والحرام، واستبد به شيطانه فسلب منه دينه ويقينه فبات كوحش كاسر انفلت من عقاله، وشيطان مريد يستبيح الحرمات ويسعى في الأرض فساداأ لا يعرف للأعراض حرمة ولا للحرمات قداسة. ولم تكن ضحيته إلا إحدى محارمه، وأضحى غارقا في غيه وشهواته، ونسى أنه الأب والحامي للعرض والقدوة والملاذ. وانحل رباط الدم الذي يربطه بها ويجرى في عروقها إلى ماء مهين، فخرج عن الناموس الطبيعي لفطرة البشرية، وذبح بجرمه أجمل القيم الإنسانية، يأكل لحم بيته حيا وينهش عرضه في جرأة غير مسبوقة، فيها تظاهر على شريعة السماء، وتمرد على قانون الأرض.\nلقد من الله عليه بالبنات والبنين، فبدل نعمة الله عليه كفرا وأحل لنفسه وقومه دار البوار، فمات في مخدع الزنى والفجور مخنوقا مطوقا بمني الرذيلة.. لقد أراد الله أن يفضح ستره ويذيع بين الناس جرمه، ليكون عبرة لأولى الأبصار، واستحالت حياة المتهمة معه إلى مشاهد متوالية منذ الصنف الأسود والفجور والشذوذ والمعاناة حتى الموت.\nولتلك الظروف جميعها ولما أحاط بالدعوى من ملابسات ولما رأته المحكمة من جانب المتهمة أنها لن تعود لجريمتها التي سيقت إلى التردي فيها دفعا.. واستحسانا من المحكمة في استعمال حقها في المساءلة والعقاب، ونزولا على اعتبارات الملاءمة وحسن التقدير، وسترا لتلك النفوس العارية التي تحتاج لمن يسترها، وتضميدا لتلك الشروخ العميقة التي عصفت بتلك الأسرة وتحتاج لمن يرحمها.. ومن ثم فإن المحكمة تأمر (بوقف تنفيذ العقوبة) عملا بنص المادتين 55/1، و56/1 عقوبات لعل المتهمة تتوب إلى بارئها وتتطهر من رجس الخطيئة وتستقيم من بعد على الطريقة المثلى، مع إلزامها المصروفات الجنائية عملاً بنص المادة 313 أ.ج – ولتطوى صفحات تلك النفوس العارية التي احترقت في أتون الشهوات.\nوبعد الاطلاع على المواد سالفة الذكر حضوريا بمعاقبة "عفاف.ع.ا"، بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وإلزامها المصاريف الجنائية وأمرت (بوقف تنفيذ العقوبة) لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم الحكم.\nذات سياق الجريمة مع اختلاف التفاصيل، انطبق على واقعة جريمة قتل حيرت رجال المباحث بالجيزة، إذ عثر الأهالي على جثة شخص داخل مصرف الدلالة بقرية دبسا بالعياط، تبين أنها لعامل 49 سنة، اتضح فيما بعد أنه دجال يقيم فى منطقة الصف بالجيزة، وظلت عملية البحث عن قاتله لغزًا حير الجميع، فالمجني عليه يغلق على أسراره باب بيته ولا يعرف أحد عنه شيئا على مدى 6 سنوات عاشها بالصف، حتى علموا بمقتله.\nكشف غموض الجريمة فيما بعد فضح بلاًء مستورا، فبينما كان المجني عليه يتهم زوجته ونجلته بسوء السلوك، وبينما كان يتعرض للضرب والتصوير على يد أبنائه، نسج المتهمون رواية يمكن أن تقودهم إلى البراءة لو ثبتت صحتها، فأمام المقدم مروان الحسيني، رئيس مباحث العياط، أكدت المتهمة أن زوجها كان يردد شائعات عنها وابنتها بممارستهما للرذيلة مقابل أجر مادي، علاوة على إساءة معاملته لهما، ومطالبتهما بتوفير المال لتعاطي العقاقير المخدرة، وقيامه بأعمال الدجل والشعوذة، وسابقة تعديه جنسيا على ابنته وفض غشاء بكارتها، ومحاولته إجبارها ونجلتها على العمل بالدعارة لتوفر الأموال له.\nوبينما تأتى تلك الحجة محاولة للإعفاء من العقوبة أو الحصول على حكم مخفف، يوضح المستشار سامي زين الدين أن لكل جريمة ظروفها التى تجعل حكم القانون يختلف فيها حسب مجريات حقائقها والأدلة والشواهد بها، ومن حق المتهم أن يدافع عن نفسه ويوضح دوافعه وطبيعة حالته وقت ارتكاب الجريمة، لكن العدالة لا تأخذ فقط بأقوال المتهم وإنما بالأدلة والتحريات وأمور أخرى توازن بينها لتقف على عين الحقيقة وبناء عليه تصدر حكمها.

الخبر من المصدر