لماذا نتلذذ بقهر الشوق؟

لماذا نتلذذ بقهر الشوق؟

منذ 6 سنوات

لماذا نتلذذ بقهر الشوق؟

الشوق وعذاب الشوق شعوران لا يستطيع أحد منا الهرب منهما. إحساس يتملكنا منتصراً على أي إحساس آخر فيوقظ فينا صوراً وذكريات ورغبات مؤجلة، بعيدة أو ربما صعبة المنال لكننا نريدها الآن وفوراً. من منكم لم يشعر بتلك اللهفة التي تحرّك الروح وتعزلها عن الواقع؟ لهفة لضمّة أو حضور محبّب أو ماض حمل إليكم فرحاً تفتقدونه اليوم؟ شعور غريب هو الشوق. فحلوه ومرّه متلاصقان لا يفترقان.\nرغبة بالتقرب من الحبيب بأي شكل. رسالة، صورة، عطر أو حضور جسدي... حبيب غائب في الحاضر وحاضر في رغبات الشوق حتى ولو عذبنا الشوق إليه. ما سرّ ذلك الشعور الغريب؟ هل لذّتنا به إيجابية؟ كيف يحمينا من الوحدة ويعدنا بلقاء قريب.\nسواء كان لقاؤكم مع الشخص أو الحدث المنتظر قريباً، بعيداً أو حتى مستحيلاً، فإن دماغكم يأبى إلا أن يتوق إلى هذا اللقاء. فينتقي أحاسيس جميلة من الذاكرة ويستحضرها لتوقّع فرح التواصل المرتقب أو المرغوب. ويتملككم ذلك الشعور بحسب علماء النفس عند وجودكم وحدكم أو حين لا تستثمرون طاقتكم وتفكيركم بنشاط مفيد يلهيكم عن الركون إلى الشوق. لكن الحسرة التي تشعرون بها جراء الشوق تساهم في تشويه مفاهيم منطقية في ذهنكم كالوقت والمكان، فتشعرون أن الثانية تساوي ساعة وأن بينكم وبين الحبيب بحوراً حتى ولو لم تكن المسافة التي تفصلكم بعيدة.\nويأتي الشعور بالشوق بدرجات مختلفة. فكلّما كانت الذكرى جميلة والحاضر متعباً، اشتدّ الحنين إلى الماضي حتى أن بعض الأشخاص يعيشون أسرى الشوق حتى تصبح حياتهم محورها شخص واحد أو حدث واحد ويصبح الحاضر بالنسبة لهم وهماً كبيراً.\nلكن السؤال الأصعب. لماذا نتمسك بالشوق رغم الألم والحرمان اللذين يخلّفهما فينا؟\nشارك غردأن تشتاقوا لشخص ما يعطيكم دافعاً لاستثمار وقتكم معه ويجعلكم أكثر تأكداً بالنسبة لطبيعة مشاعركم تجاهه\nشارك غردإما أن يكون الشوق موجهاً إلى موعد يستحق الانتظار وإما انكم تهدرون مشاعركم في الاتجاه الخاطئ\nأجاب علماء النفس بأن الشوق يجعلنا أقرب إلى من أو ما نحب. بمعنى أنه يستحضره فينا حتى في غيابه ويشعرنا بقيمة علاقتنا به فنتعامل معه بحبّ وحرص وتعلّق أكبر. لكنهم في الوقت ذاته ميّزوا بين الشوق البناء والشوق المدمّر. فالأوّل هو الذي يجعلنا ننتظر شيئاً سيحدث فعلاً. حبيباً سيرجع. حلماً سيتحقق. حدثاً منتظراً سيحصل في الواقع وذلك شوق يسلّي الروح ويحميها من الوحدة.\nأما الشوق المدمّر فهو أن تعيشوا في حال من الانتظار لشيء انتهى إلى غير رجعة. شعور يولّد الكآبة والحسرة ويقف في وجه تطوّركم وإرادتكم في البحث عن بدائل. وهنا تكمن حكمة الشخص على التمييز بين أن يشتاق إلى مستقبل ملموس وبين التمسك بماض انتهى هروباً من حاضر تعيس أو خوفاً من مستقبل مجهول.\nأن تشتاقوا لشخص ما يعطيكم دافعاً أكبر لاستثمار وقتكم وشعوركم معه ويجعلكم أكثر تأكداً من طبيعة مشاعركم تجاهه وتجاه أنفسكم أيضاً. فالشوق يساعدكم على إدراك حاجاتكم العاطفية من الشريك أو الحبيب أو أي شيء تشتاقون إليه. وأنتم في الحقيقة في حال من الحرمان أو النقص الذي يكتمل بوجود ذلك الشخص.\nبعبارة أخرى، التي تشتاقونها هي حاجتكم التي تتأمن اليوم مع ذلك الشخص أو ذاك. الشخص نفسه الذي إن حرمكم من تلك الحاجات أصبح وجوده سلبياً أو غير محبب وغيابه عوضاً أن يوقظ فيكم مشاعر الشوق سوف يشعركم بالراحة والتحرّر.\nما يعني أنه كلّما أصبح الشخص أكثر إدراكاً لحاجاته، أصبح انتقاؤه لشركائه وأصدقائه أكثر نضوجاً ومعرفة، أشخاص سيبقون إلى جانبه بفعل التشابه والمصالح المشتركة وشوق للبعاد أقل ألماً وأكثر تأكداً بلقاء قريب. أي شوق ليس فيه شك. فالشكّ يهدم العلاقات والأحلام ويجعلها تتحوّل إلى صراعات ذاتية لا تنتهي.\nكيف يمكن لشعور ينخر القلب كالشوق أن يكون إيجابياً؟ وهل يمكن للمرء أن يسعد ويستمتع به؟ على عكس الفكر السائد والأغاني الرومانسية الحزينة التي تتناول الشوق بألحان شجيّة، فهناك إمكانية للنظر إلى الشوق بأمل أكبر وكأنه نسمة تغذّي الروح وتنعشها وتحميها من وجع الفراق.\n1 – الشوق يعيد تصليح ما تهدّم\nيلعب الشوق دوراً أساسياً في تقييم العلاقة بينكم وبين الحبيب أو الشيء الذي تشتاقون إليه. فذلك الشعور يعني أنكم تستخدمون المسافة الزمنية بينكم وبينه من أجل التحضّر للقاء بشغف وإيجابية. شغف سوف ينسيكم ألم الفراق وينسيكم معه أي ألم يمكن أن ينتج نتيجة البعد. وبعد، يكون الفراق جيداً لأنه يسمح للشخصين بمساءلة ذاتية لمشاعرهم تكون مفيدة لمستقبل العلاقة ولكيفية استمرارها.\n2 – تدركون قيمة وجود الحبيب بجانبكم\nكما يقال، البعد يذيب القلب. أي يجعل العاطفة متينة وصلبة. ويجعلكم تتذكرون حالكم في حضوره والأمور الجميلة التي يوقظها فيكم. يضحككم ويضيف جوّا من المرح إلى حياتكم. يجعلكم أكثر إنتاجية. يشعركم بقيمتكم. أنكم لستم بحاجة لأي قناع معه. وغيرها من المشاعر الجميلة التي تكون بديهية في وجود الحبيب وتصبح حلماً جميلاً في غيابه.\n3 – تصبحون أكثر إبداعاً\nتعرفون أن الغرق في الشوق يصبح مدمراً فيتخذ دماغكم وضعية الدفاع عن النفس لحمايتكم من خطر الشوق. فتخلقون وسائل جديدة للتلهي واستثمار الوقت فإما تلجؤون إلى ممارسة الرياضة أو الاستماع إلى الموسيقى أو زيادة أوقات العمل أو زيارة أصدقاء مرّ وقت على رؤيتهم وغيرها من الوسائل المفيدة.\nلكن حذارِ من اللجوء إلى وسائل أخرى يمكن أن تؤذيكم! من الشراهة العاطفية أو شراء ما لا يلزمكم أو العصبية الزائدة.\n4 – تلجؤون إلى الذكريات الجميلة\nتشتاقون لحبيب فتستحضرون من الذاكرة كلّ لحظة حلوة جمعتكما. وتتناسون كل المرّ الذي يصبح غير مهم. الشوق يساعدكم إذاً على تصفية الذاكرة وتغليفها بالأفكار المنعشة التي تحضركم للقاء الآتي.\n5 – يدعوكم الشوق إلى إعادة تقييم العلاقة\nهل ستركنون إلى الذكريات وتدعون الانتظار يسيّركم أم تقررون إعادة إحياء تلك المشاعر مع أشخاص آخرين؟ هذا خياركم أنتم. إما أن يكون الشوق موجهاً إلى موعد يستحق الإنتظار وإما انكم تهدرون مشاعركم في الاتجاه الخاطئ، وإذ ذاك يحين وقت تغيير المسار.\nأخصائية في علم النفس العيادي والتحليل النفسي. تقدم فقرة أسبوعية ضمن برنامج “ببيروت” على قناة LBCI الفضائية.

الخبر من المصدر