خيري شلبي.. «حكَواتي» من زمن الأساطير

خيري شلبي.. «حكَواتي» من زمن الأساطير

منذ 6 سنوات

خيري شلبي.. «حكَواتي» من زمن الأساطير

حكاءٌ لم يكف عن الحكايات يومًا، كجدٍ يحكي لأحفاده أو كراوٍ شعبي يروي لسامعيه وقائع سيرة تاريخية بخيال لا ينتهى، مُرصِعًا رواياته بالأمثال الشعبية والموال والبكائيات والأغاني، يقول عن نفسه: "ما أنا إلا حكواتي سريح، شرير ومجنون، ولو كنت عاقل ما أصبحت خيري شلبي".\nانغمس في الحياة عاشقًا لها كصوفي يعشق كل روح تمشي على الأرض، وحكي التفاصيل التي عاشها لحظة بلحظة، بِدءًا من الفرح وصولًا إلى المعاناة، مرورًا بألوان لا تحصى بين اللحظتين. \nقدّم خيري شلبي للمكتبة العربية أكثر من سبعين كتابًا ما بين الرواية والقصة القصيرة والبورتريه والمقالة النقدية، ورسم بدقة متناهية عالمًا روائيًا نابضًا بحياة الإنسان المصري البسيط الذي يقبع في أدنى درجات السلم الاجتماعي سواء في مجتمع الريف أو المدينة. \nعبّر شلبي في رائعته رواية "الوتد" عن المرأة المصرية كوتدٍ ضارب بجذوره في عمق التربة، والوتد هو الجزء الذي يوفر الأمان للخيمة، فيحافظ عليها من عاتيات الرياح، كما حافظت المرأة على التركيبة المصرية القيمية والثقافية والإنسانية، ورسم فيها بورتريهًا لشخصية الأم كعمودٍ للخيمة في مجتمعها الصغير. \nكتب شلبي روايات هامة حفرت لنفسها مكانًا في خارطة الأدب العربي مثل روايات "وكالة عطية" و"الشطار" و"رحلات الطرشجي الحلوجي" و"منامات عم أحمد السماك" و"الوتد" و"العراوي" و"نسف الأدمغة" و"بغلة العرش" و"السنيورة" كل رواية منها بأسلوب خاص بها لا يتعداها إلى غيرها. \nولم يكن شلبي محايدًا في حكاياته، فهو صاحب وجهة نظر ثاقبة ومهمة، يصف شخصية مأمون مثلًا في رواية "الشطار" قائلًا: "مأمون ولد جدع". \nتأثر شلبي بتيار الواقعية السحرية الذي انطلق من أمريكا الشمالية، وألقى هذ الأسلوب الفني بظلاله في رواية "نسف الأدمغة"، وقام بعملية تحويل في المكان، حيث حوّل عالم المقابر إلى منتجع، في مفارقة إبداعية لافتة. \nوقال عنه الناقد صلاح فضل: "خيري شلبي حكاء من طراز رفيع، يدرك بفطرته قوانين السرد، ويتقن بموهبته بناء الرواية"، ومنذ أن كتب توفيق الحكيم رائعته الأولى "عودة الروح"، معبرًا فيها عن ولعه الشديد بصحبة أهل الفن، ابتداء من "الأسطى شخلع"، ولم يتمكن روائي كبير من قبل من تقديم تجربة مطولة معمقة في استخدام روح الإبداع الموسيقي الماجن أحيانا والورع أحيانًا أخرى، مثلما فعل خيري شلبي في روايته "صهاريج اللؤلؤ"، حيث قدم تسجيلًا بالغ التشويق والإمتاع لعدد ضخم من حكايات المنشدين والفرق الموسيقية ونوادرها في القرى والنجوع. \nورسم شلبي صورًا شديدة الأصالة والحيوية لكثير من نماذجها البليغة، مثل الشيخ عطية الأعمى، بحركاته ونفحاته، وصوته الذي يتراوح بين الذكورة والأنوثة، ومقالبه الطريفة، مثلما حدث له في الليلة التي أركبوه فيها حمارًا وغفلوا عنه في الظلام، فدار به الحمار أدراجه حتى عاد للمنزل الذي ألفه وغط كلاهما في نوم عميق بينما يبحث عنه الجميع في الترع والمصارف والحقول. \nوأتقن شلبي أسلوبًا متميزًا في رسم الشخصية بالكلمات، فرسم لوحات رائعة للشخصيات المعاصرة في "بورتريهات" متفردة في الأدب العربي اليوم، رسم فيها ملامح الوجه و طريقة النطق، ولمعة العين. \nورشحته مؤسسة "أمباسادورز" الثقافية الكندية لنيل جائزة "نوبل" في الآداب، في مطلع يوليو 2003، وذلك عن مجمل إبداعاته الروائية والقصصية التي ترجم الكثير منها إلى لغات أجنبية كثيرة من بينها: الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والروسية والصينية. \nوقالت مؤسسة "إمباسادورز"، التي تعني بالمجالات الثقافية والحضارية، إن من حيثيات دعمها لترشيح الأديب الكبير خيري شلبي للفوز بجائزة "نوبل" أن هذا الرجل من أبرز وأغزر الكتاب المصريين والعرب إنتاجًا، فله 70 كتابًا في الرواية والقصة والنقد وشؤون الشعر والمسرح وغيرها، وتناولها بالدرس والتحليل أساتذة وأكاديميون في جامعات مصر والسعودية وألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول، وتميزت كتاباته بالغوص في جوانيات الشخصية المصرية، مع تركيزه على المهمشين والمطحونين، وذلك في حس نقدي لاذع.  

الخبر من المصدر