تهريب حقن منع الحمل من المستشفيات الحكومية إلى تجار السوق السوداء

تهريب حقن منع الحمل من المستشفيات الحكومية إلى تجار السوق السوداء

منذ 6 سنوات

تهريب حقن منع الحمل من المستشفيات الحكومية إلى تجار السوق السوداء

فى شهر سبتمبر من العام الماضى، ضبطت سلطات مطار القاهرة مصريًا يقيم فى المملكة العربية السعودية أثناء محاولته تهريب حقيبة أدوية منع الحمل محظور سفرها إلى خارج مصر.\nبعد واقعة التهريب السابقة بشهور قليلة، شنت العديد من الصحف ووسائل الإعلام حملة انتقادات لاذعة للحكومة، متهمة إياها بالعجز عن توفير حبوب منع الحمل فى مراكز طب الأسرة والصيدليات، ورغم نفى وزارة الصحة ممثلة فى قطاع تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، وجود أزمة فى أدوية منع الحمل وتأكيدها أنها متاحة بوفرة فى الوحدات الصحية وعيادات تنظيم الأسرة بالمستشفيات، فإن تصريح الوزارة لم يفلح فى تهدئة حدة موجة الغضب وقتها.\nحبوب منع الحمل ليست مجرد وسيلة تستخدمها نحو 15 مليون سيدة على مستوى الجمهورية، فقد تحولت إلى أداة لحماية الأمن القومى المصرى بحسب وصف البعض باعتبار أن الزيادة السكانية خطر يهدد مستقبل الدولة واستمرارها بحسب اللواء أبوبكر الجندى، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، الذى وصف الزيادة السكانية بأنها «مصيبة سوداء».. ويجب التصدى لها من جميع مؤسسات الدولة.\nمحاولات تهريب وسائل منع حمل لم تنته، ففى شهر مايو الماضى، تمكنت إدارة التأمين بمطار القاهرة الدولى برئاسة العميد زينهم الشورى من ضبط راكبين حاولا تهريب 526 أمبولاً خاصًا بمنع الحمل مدعماً إلى جدة على متن رحلة «مصر للطيران» فأثناء إتمام الإجراءات التأمينية المتبعة على ركاب الطائرة، عثر معهما على المضبوطات مخبأة داخل عبوات حفظ المأكولات.\nوهكذا.. الأزمة ليست فقط فى تهريب هذه الوسائل الحيوية، التى تكلف الدولة ملايين الجنيهات، وإنما فيمن يقف وراء التهريب سواء للخارج أو إلى الداخل فيما يعرف بـ«السوق السوداء».\nنقطة البداية فى كشف ما يحدث من تجاوزات داخل مراكز طب الأسرة فى الجيزة والقاهرة، كانت أثناء إجراء «الوفد» تحقيقًا بعنوان: «المستخلص كلمة السر لتهريب الدواء من الموانئ والمطارات»، الذى نشر فى 4 يناير 2017، وكشفت «الوفد» حينها العديد من الأسرار عن عالم تجار دواء والأدوية التى يقومون بتهريبها.\nوخلال عمل محررة «الوفد» فى التحقيق السابق، ترددت على العديد من الصيدليات بمنطقة المطرية والمنيل وحلمية الزيتون.\nعرّفت المحررة نفسها لأكثر من صيدلى بأنها «سوسن»، مندوبة مبيعات للأدوية المستوردة «المهربة» فى أحد المخازن بمنطقة كوبرى القبة، وكانت المفاجأة أن الصيدلى يدعى «م. ح» صاحب صيدلية «س» بمنطقة حلمية الزيتون رد بأنه يريد حقن منع الحمل الـ3 شهور «الديبوبروفيرا».\nاستغربت المحررة فى البداية من اسم الحقنة، ولكن حرصت على ألا تبدى له رد فعلها واستطردت: ومحتاج حاجة تانية «زى السيتوتاك.. أو منشطات أو أى نوع آخر؟».\nفكانت إجابته: متشكر متوفر عندى هذه الأدوية، ولكن أحتاج فقط لهذه الحقن لأنها نفدت منى والزبائن دايمًا يسألون عليها.\nانتهى الحديث بوعدنا له بتوفيرها خلال يومين.\nاستوقف اسم حقنة «الديبوبروفيرا»، محررة «الوفد»، عندما طلبها الصيدلى، فاستفسرت عنها من الدكتور أحمد فكرى، استشارى نساء وولادة بمستشفى المطرية، فقال إن هذه الحقن تصرف بالمستشفيات الحكومية ومراكز طب الأسرة، وغير مسموح ببيعها فى الصيدليات أو تداولها فى الأسواق.\nوهكذا حرصنا على الحصول عليها، لمعرفة الطرق التى يسلكها تجار السوق السوداء لتوفيرها، خصوصاً أنه يصعب الحصول عليها فلا يوجد منها فى بعض المخازن، ولكن خلال فترة مغامرتها كتاجرة شنطة استطاعت المحررة التعرف على كثير من المندوبين (تجار شنطة)، فسألت أحدهم ويدعى «م. ح» عن هذه الحقن فأوصلها بتاجر متوفرة عنده وطلبت منه 10 أمبولات، وبعد ثلاثة أيام رد بالتليفون: «إن الكمية التى تحتاجها من الأمبولات استطاع توفيرها وسيقابلنا بمنطقة المهندسين لكى تحصل عليها».\nالساعة الثانية ظهرًا كان موعد المقابلة مع التاجر للحصول على الكميات المطلوبة من الأمبولات، فى تمام الثانية، حضر شخص عمره يتجاوز الـ60 عامًا يحمل كيسًا بلاستيكيًا فى يده به الكمية المطلوبة من الحقن وعددها 10 أمبولات سعر الواحد 50 جنيهًا.\nجلست المحررة معه ويدعى «ع. م» وتحدثا فى أمور عدة، أهمها أن الأمبولات مكتوب عليها مسجل وخاص بوزارة الصحة، فكيف استطاع الحصول عليها خصوصاً أن الأدوية المهربة لا يكتب عليها «وزارة الصحة» مطلقًا، فأجاب والابتسامة على وجهه: «الحقن دى ليست مستوردة بل متوافرة فقط فى المستشفيات الحكومية ومراكز طب الأسرة.. الدولة تقوم باستيرادها من شركة «ف» للأدوية، أما بالنسبة للحصول عليها أمر فى منتهى السهولة بالنسبة لنا»، مشيرًا إلى أنهم يكلفون موظفات بمراكز طب الأسرة والمستشفيات بسرقة من 5 إلى 10 أمبولات يوميًا خلال فترة عملهن، حيث يقمن بتسجيل أسماء وهمية لسيدات فى الدفتر على أنهن صرفن حقن منع الحمل، وهكذا تكون الدفاتر والأوراق سليمة، إذا قام أحد بمراجعتها، وأضاف: عادة الموظفات تخفيف هذه الحقن فى ملابسهن الداخلية أو فى شنطهن الشخصية حتى لا ينكشف أمرهن».\nبعد الحصول على كميات معقولة من حقن منع الحمل من التاجر، ذهبنا لمنطقة حلمية الزيتون لتوصيلها إلى الصيدلى «م. ح»، الذى غمته السعادة بعد حصوله على الحقن المطلوبة، كما قام بدفع كل ما طلب من الأموال وقدرها 20 جنيهًا للأمبول الواحد، ثم قام بإخفاء العبوات بطريقة سريعة بين الأرفف خوفًا من أن يراها المارة.\nما تم كشفه نقطة فى بحر التجاوزات التى تحدثت فى مراكز طب الأسرة، فما تحدث عنه التاجر طريقة واحدة من عدة طرق يتم من خلالها تهريب وسائل منع الحمل.\nوعملية التهريب لا تتم فقط عن طريق الموظفات والممرضات، بل هناك عدة طرق يلجأ إليها تجار الشنطة لإخراج أكبر كمية ممكنة من وسائل منع الحمل سواء كانت حقن أو حبوب، منها أحياناً قيام السيدات ببيع الوسائل التى حصلت عليها من المركز إلى التاجر، ولكن هذه الطريقة لا يلجأ إليها الكثير من التجار خصوصاً أن العديد منهن لا يقدمن كثيرًا على بيعها.. لذلك الطريقة المثلى لبعض التجار هى تكليف سيدات وآنسات بالذهاب لمراكز طب الأسرة للحصول على الكميات التى يريدونها، خاصة أن صرف هذه الوسائل يتم دون بطاقة أو كشف فى معظم الأحيان.\nطريقة تكليف سيدات وآنسات لصرف كميات من حبوب منع الحمل والحقن، وليست صعبة ولا خطرة.. حيث قمنا بهذه المهمة، وكلفنا اثنتين، واحدة آنسة وأخرى حامل فى الشهور الأولى أى لم تظهر عليها علامات الحمل، وذهبت المحررة معهن إلى مركز طب الأسرة بإحدى القرى بمنطقة الجيزة، وطلبت الآنسة والمرأة الحامل الحصول على حبوب منع الحمل.. ففوجئت بالموظفة تأخذ بيانات منهن شفهيًا، ولم تطلب منهن إثبات شخصية أو حتى طلبت من أحد الأطباء الكشف عليهن.. وتم صرف الحبوب لهن.\nسألت المحررة إحدى الموظفات: «انتِ مش محتاج أى إثبات منهن، مثل بطاقة شخصية أو وثيقة زواج أو غيره لإثبات أنهن تستحق فعلاً الكميات التى حصلن عليها من الحبوب؟ فردت: «الوزارة لم تطلب منا هذه الوثائق لتسجيل أو التأكد من سلامة بيانات المنتفعات».\nخرجنا من المركز.. ولا تزال تتردد العديد من الأسئلة منها، لماذا لا يكون هناك نظام متكامل لصرف وسائل منع الحمل، مثل وجود وثيقة زواج السيدة وبطاقتها وبطاقة زوجها والكشف عليها؟ وما الذى يؤكد للمسئولين أن ما تم صرفه من الأدوية ذهب لمستحقيه؟ وهل فعلاً تصرف الوسائل لأكثر من 14 مليون منتفعة؟ فمن الوارد تسجيل اسم وهمية لأشخاص لتهريب كميات كبيرة من الأدوية.

الخبر من المصدر