الليلة الأولى «2»

الليلة الأولى «2»

منذ 6 سنوات

الليلة الأولى «2»

الخوف.. الخوف يبسط سلطانه الـ.. المخيف!\nألقيت بعيني بعيدا.. ثم أعدت النظر إليه.. فوجدته مثبتا نظره تجاهي بنفس النظرة القاتلة! خوف بدائي لا يعرف العقل تملكني.. ولا أعرف السبب.. كل ما أعرفه أنه بالتأكيد سيلقي بي في أحد أقبيته المظلمة لأتعفن حيا أو سيجعل كلابه -السوداء مثله حتما- تقضم حنجرتي..بدأت أتصبب عرقا رغم الصقيع.. المقهى خالٍ تقريبا.. إنها اللحظة المناسبة ليفتك بي.. هل سيخرج من حقيبته الآن سكينا طويلا ليدسه في أحشائي ببطء؟ معدتي تتقلص.. طالت نظراته.. طالت..\nهل أهرب؟ سيجدني أينما ذهبت.. رجل كهذا لابد أنه قادر على فعل ذلك.. أراه يحمل حقيبته.. يترك ورقة مالية على الطاولة أمام مشروبه الذي لم يمس.. أراه ينهض في تؤده.. طويل القامة مخيف.. كل ما فيه أسود حتى وجهه.. ألم تر في حياتك شخصا يترك لديك انطباعا بأنه أسود؟ يقف أمامي بالضبط.. لا يفصلني عنه إلا عدة سنتيمترات..\nمازال ينظر لي ذات النظرة.. أرتجف.. ينعقد لساني رغم رغبتي في الصراخ.. أوشك على الإغماء.. رباه.. فلتجعل اللحظات القادمة سريعة.. لا أريد أن أتعذب كثيرا..\nلحظات تمر كالأيام .. نظراته شاخصة نحوي.. ثم -دون أي كلمة- يمضي بعيدا في تثاقل..أظل جالسا كما أنا أواصل الارتجاف.. لا أقوى على الكلام.. لم أستوعب بعد أني نجوت!\nلحظات من الصمت لا يقطعها إلا صوت أنفاسي الثقيلة.. كالمخدَر أنهض.. ركبتاي لا تقويان على حملي.. يجب أن أرحل فورا.. ربما يعود في أي وقت.. ربما ينتظرني الآن في زقاق مظلم ليذبحني بنصل بارد ليزيد من آلامي.. الظنون تعربد في رأسي.. لا يجب أن يراني هنا أبدا.. لابد أن أفـ.."يا أستاذ.. يا أستاذ"..\nتخترق الصيحة أذني.. ألتفت لمصدرها لأجد مجموعة من الفتية بينهم سيد القهوجي المريض الشاحب دوما.. ذات المجموعة التي كانت تجلس أمامي منذ برهة قبل مجئ الرجل الكابوس.."ماشوفتش موبايلاتنا يا ريس؟ نسيناها هنا قبل ما نقوم". على وجهى نظرة بلا معنى طبعا.. غمغمت بشئ ما وعاودت الالتفات لألملم أشيائي على عجل.. آخر شيء قد أهتم به في هذه اللحظة هو سر اختفاء هواتف هؤلاء السادة.. لا أرغب في شىء الآن سوى الرحيل.. من خلفي أسمع سيد يقول لهم شيئا ما لا أتبينه.. تلتقط أذني أطراف الحديث فتنتبه حواسي كلها رغما عني..\n"أكيد هو الراجل الغريب اللي كان قاعد هنا.. جه بعدكوا على طول ومقعدش كتير.. شفت معاه كذا تليفون بس مجاش في بالي إنهم مايخصهوش ابن الـ (....)".\nاللعنة.. أنا أيضا لاحظت هذا ولم يدر بخلدي لحظه أنهم ليسوا له..\n"مية المية هو ابن الـ (....) ده.. ربنا يعوض عليكوا.. هو غريب آه مشفتوش قبل كده.. بس وحياة أمي لو شوفته لأربطه هنا لغاية ما تيجوا تاخدوا حقكوا منه".. سيد القهوجي ما زال يواصل استنتاجاته العبقرية التي لم يعد لها أي قيمة الآن بعدما رحل الرجل.. ينصرف الفتية حانقين وهم يسبون ويتوعدون..د للحظة دارت الدنيا بي.. جلست مرة أخرى.. الأمر منطقي جدا.. مجموعة من الفتية يتركون هواتفهم خلفهم أثناء انشغالهم باللعب.. لص يراقب.. يأتي في هدوء وثقة ليجمع ما تركوه و يرحل كزبون عادي..\nلص.. إذن هو مجرد لص محنك!\nتنقلت ضحكاتي في المكان رغم النظرات الممتعضة.. أصمت فجأة لأستوعب ما حدث مرة أخرى فأعاود الضحك.. كل هذا الرعب كان بلا أساس.. مجرد لص آخر يجيد عمله! هذه الحالة الغريبة التي داهمتني بمجرد رؤيتي له لا تفسير لها إلا الخوف الكامن بداخلنا منذ آلاف السنين من كل ما هو غريب وغير مألوف.. الخوف الذي تملك الجميع.. الخوف البدائي الوحشي.. الخوف الذي أصبح ستارا يخفي أبسط قواعد المنطق عن الأذهان.. كل التفاصيل انطمست وصار الخوف هو اسم اللعبة منذ أن انهارت آخر حصون سلامنا النفسي وإيماننا بأن الغد أفضل..\nمتى حدث هذا؟ متى تهدمت كل الحصون وتُركنا وحدنا في العراء؟\nتفكير.. تفكير كثير.. الصداع يغزو رأسي.. ولكن العلاج الناجح جاهز فورا.. "هات حجرا آخر يا بني".. حجرا آخر يعفينا من مرارة التفكير.\nيمكنك قراءة الحلقة الأولى من هنا

الخبر من المصدر