الدولة في مواجهة أهالي جزيرة الوراق

الدولة في مواجهة أهالي جزيرة الوراق

منذ ما يقرب من 7 سنوات

الدولة في مواجهة أهالي جزيرة الوراق

الجزيرة تحولت من جنة زراعية وسط النيل إلي بؤرة تلوث بيئي\nلا صرف صحى ولا كهرباء ولا مياه.. وانقسام بين نواب البرلمان\nمواطنون بسطاء ظلوا طوال حياتهم يحلمون بحياة مستقرة.\nوسط النيل اتخذوا مكاناً لسكنهم.\nبمرور الوقت بدأوا يعيشون الصراعات مع الحكومة لإثبات أحقيتهم فى منازلهم، والمؤتمر الأخير للرئيس عبدالفتاح السيسى جاء يحمل توجيهات رئاسية بإزالة كافة التعديات على أملاك الدولة رغم ما فى أيديهم من أوراق.\nهذا هو حال أهالى جزيرة الوراق بالجيزة التى يبلغ عدد سكانها حوإلي 60 ألف مواطن، وتمتد على مساحة 1600 فدان، وتعد هى الأكبر مساحة من بين 255 جزيرة على مستوى الجمهورية.\nوكانت جزيرة الوراق قديماً تشتهر بالزراعة حتى تحولت إلي كتلة سكنية، وما بين سندات ملكية وأوراق حكومية وأحكام قضائية يحاول أهالى الجزيرة إثبات ملكيتهم منازلهم التى تقع على ضفاف النيل.\nوأشاروا لـ «الوفد» إلي أن مستقبل أبنائهم أصبح مهدداً، وخلال جولة «الوفد» بالمنطقة للوقوف على أوضاعهم، قالوا: إن الدولة تتعامل مع الجزيرة على أنها ملكية لها، رغم أن ما تملكه الدولة 60 فداناً فقط، منها 30 فداناً تابعة لوزارة الأوقاف تم تأجيرها للفلاحين.\nمحمد نور، رئيس حى الوراق، أكد فى تصريحات صحفية سابقة، أن جميع المبانى التى تم إنشاؤها على أرض الجزيرة غير مرخصة، فضلاً عن أن وجود مواد البناء على أرضها مخالف للقانون وفقاً لتعليمات المحافظة، مشيراً إلي أن جميع المبانى التى تقع على ضفاف النيل باتت مصدراً لتلوث المياه، ولا توجد بها مرافق صرف صحى ولا كهرباء ومياه.\nأزمة جزيرة الوراق ليست وليدة هذه الفترة فحسب، بل ترجع لحكومات سابقة، منذ أن أصدر الدكتور عاطف عبيد، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، قراراً بتحويل جزيرتى الوراق والدهب إلي منافع عامة، الأمر الذى دفع الأهالى لرفع دعوى قضائية حصلوا فيها على حكم عام 2002 بأحقيتهم فى الأرض.\nحالة من الجدل سيطرت على أعضاء مجلس النواب حول أحقية الأهالى فى تملك المنازل، إذ قدم سعد بدير، أمين سر لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، طلب إحاطة لوزير البيئة الدكتور خالد فهمى، موضحاً فيه أن الأهالى يقطنون الجزيرة منذ أكثر من 160 عاماً ولديهم من الأوراق ما يثبت ملكيتهم هذه المبانى فضلاً عن تمتع الجزيرة بكافة المرافق وسبل الإعاشة.\nوأضاف بدير فى طلب الإحاطة أن قرار الإزالة سيسفر عن تشريد ما لا يقل عن 100 ألف أسرة، فى المقابل يحاول كل من حمود الصعيدى، وأحمد يوسف عضوى مجلس النواب عن دائرة الوراق إقناع الأهالى بترك أراضيهم كونها ملكية الدولة.\nوفور أن تطأ قدماك أرض الجزيرة تجد العشرات من «التكاتك» تقل الأهالى لمساكنهم، وهى الوسيلة الوحيدة المتوافرة للتنقل نظراً لضيق شوارع الجزيرة الملتوية التى تشبه الثعابين.\nروائح تشمئز منها الأنوف، وتفوح من تلال القمامة المنتشرة أمام المنازل وعلى ضفاف النيل، ونظراً لعدم توافر منظومة صرف صحى بالجزيرة فأصبح النيل منفذاً للتخلص من مياه الصرف الآدمى.\nسامى خلف، أحد الأهالى قال: إن جميع الأهالى لديهم حجج ملكية لمنازلهم، فضلاً عن إقامتهم منذ سنوات طويلة بالمنطقة، مشيراً إلي أن قرار الإزالة سيشرد مئات الأسر البسيطة.\nوأضاف: الحكومة فى الوقت اللى عاوزة تهد فيه بيوتنا مش بيعرضوا علينا بدائل ولا الأهالى عارفين يروحوا فين بعيالهم.\n«مش هنسيب بيوتنا إلا على جثثنا».. بهذه الكلمات استهل أحمد زين أحد الأهالى حديثه، وقال: إن جميع المنازل التى تم إنشاؤها على ضفاف النيل يرجع تاريخها لسنوات طويلة، ومن الصعب أن يتنازل الأهالى عنها إلا بوجود ضمانات حقيقية لهم.\nوأضاف: «مش عارفين الحكومة عاوزة إيه بالضبط هل بتطور الجزيرة زى ما بيقولوا ولا عاوزين يستولوا على أراضى الناس»، مشيراً إلي أنه غير رافض مبدأ تطوير الجزيرة حال بناء الكوبرى الجديد، ومحطة صرف صحى.. لكن بشرط توافر البدائل لهم فى حياة كريمة.\nوأكد أن كل المنازل المبنية حاصلة على موافقة المحليات بتوصيل كافة المرافق.. متسائلاً: «كيف صمتت الحكومة هذه السنوات لكى تطالب بالأرض بعد أن تحولت الجزيرة لكتل سكنية؟».\nوقال راشد عامر: «أنا عايش هنا ليَّ 50 سنة فى الجزيرة وعندى عقود ملكية مكتوبة بخط الإيد».. معبراً عن استيائه الشديد من مساعى الحكومة لتهجير الأهالى المقيمين على ضفاف نيل الجزيرة»، وقال: إن عدداً كبيراً من الأهالى مقيمون بالجزيرة منذ قرون وحصلوا على موافقات من الحكومة بتوصيل المرافق دون أدنى إشكاليات.\nوأشار إلي أن البيوت مسجلة بالشهر العقارى بالعقود القديمة ويسددون فواتير المياه والكهرباء كل شهر، ولديهم الإيصالات، لافتاً إلي تجاهل المسئولين شكاوى الأهالى، وقال: «محدش بيشوفنا ولا بيهتم بمشاكلنا نفسنا نشوف حد منهم نقول ليهم عيالنا هيتشردوا».\nوقال محمد جمال، أحد الأهالى، إنه جاء من الصعيد منذ 50 عاماً ويقيم بالجزيرة منذ ذلك الوقت، وكانت فى تلك الوقت مساحة زراعية فقط، ومع الوقت تحولت لمنطقة سكنية ويقيم بها آلاف الأسر، ومنهم من حصل على أحكام بتملك الأرض بعد البناء عليها.\nأضاف: «مش عاوزين نعطل المصالح العامة، بس برضوا ميكونش على حساب الأهالى ومستقبل ولادهم»، ويشير جمال إلي أنه لابد أن يحصل على تعويضات مالية كافية تمكنه من شراء منزل ملك فى أى منطقة أخرى مقابل ترك منزله فى الجزيرة.\nمشاكل عديدة نوه إليها الأهالى باتت تؤرقهم بل أصبحت وسيلة الحكومة للضغط عليهم لترك الجزيرة، منها عدم تواجد شبكة صرف صحى.\nوقالت زينب فوزى، إن الجزيرة تعانى من عدم توافر خدمة الصرف الصحى مما يدفع الأهالى لإلقاء مخالفاتهم فى النيل.\nوأضافت: مشكلة الصرف الصحى عمرها سنوات طوال.. ومفيش فايدة كتير بنكلم الحكومة وبنطالب ولا حد بيفكر فينا، والأمراض انتشرت بين الأهالى من فشل كلوى وكبد، وضيق التنفس بسبب تلوث الهواء والماء، مشيرة إلي أن الحكومة انتهزت هذه الظروف للضغط عليهم لترك الجزيرة بدلاً من حل إشكالياتهم.\nوقال وليد أحمد، محام، مقيم بالجزيرة، إن القانون لن يسمح بتهجير الأهالى طبقاً للمادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 30 من الدستور التى تنص على أنه لا يجوز تهجير أى أحد أو إخلائه من سكنه، وأوضح أن هناك ملكيات مسجلة فى جزيرة الوراق منذ عام 1905 وإلي اليوم.\nوأشار المحامى إلي أن الأهالى قاموا بتجميع عدة توقيعات لتوكيل ما لا يقل عن 30 محامياً للدفاع عنهم ولأخذ ما وصفها بـ«حقوقهم المسلوبة»، وأضاف: «محدش هيرضى يسيب شقى عمره وبيته يتهدم، وعياله يتشردوا، الكل هيقول إنه يموت تحت تراب بيته ولا إنه يبقى فى الشارع».\nمحمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، أكد أن بموجب قرار الحكومة بشن حملات إزالة لجميع المبانى على ضفاف النيل كونها ملكية الدولة فإن جميع عقود الملكية التى بحوزة الأهالى تصبح مخالفة للقانون، ومن السهل توصيل المرافق لهم أيضاً، وتتم محاسبتهم قانونياً.\nوأضاف الجمل فى تصريحات خاصة لـ«الوفد» أن الدولة بعد تملكها الجزيرة ستقوم بتوزيعها مرة أخرى حال وجود رغبة فى ذلك، لمن يستحق وبعقود صحيحة.

الخبر من المصدر