مشاهداتي: الجيش الألماني بعد هتلر

مشاهداتي: الجيش الألماني بعد هتلر

منذ ما يقرب من 7 سنوات

مشاهداتي: الجيش الألماني بعد هتلر

في مدخل معسكرٍ للجيش الألماني الاتحادي "بوندِس فير" أعد لتدريبٍ مشتركٍ مع الأمم المتحدة، طلب الجندي بطاقتي مستفسراً عن سبب الزيارة. وحين أخبرته أننا في بعثة تدريب الصحفيين العاملين في مناطق الاشتباكات، ارتسمت على وجههِ الفتي ابتسامةٌ عريضة وفتح لي العارضة متيحاً لي الدخول بعد أن هاتف شخصاً ليأتي فيأخذني إلى مكان إقامتنا.\nأمضيت مع صحفيين وصحفيات أسبوع تدريبٍ شاق، تعرضنا فيه لعمليات خطّف مدبرة وكمائن مسلحين وهمية وسط طريق جبلي ووسط الغابات، أُريد بها تقريب المشاركين إلى أجواء المناطق الساخنة.\nلفت نظري اختلاط المجندين بالمجندات، حتى في غرف النوم، وسألت الرائد شولتز"مايور شولتز" القائم على دورتنا عن حدود الاختلاط بين المجندين والمجندات فابتسم مؤكداً أنّه اختلاط في حدود العمل طبعاً. واعدت عليه السؤال مؤكداً على العلاقات الحميمة، وهل هي متاحة بين الجنسين في المعسكرات؟ فضحك وأجاب: "القانون لا يمنع ذلك، والموضوع يقرره الطرفان في النهاية، الجيش لا يتدخل في الشؤون الخاصة للمنتسبين".\nهذا ينظّمه القانون، ولا علاقة لنا به.\nولكن المجندة ستغيب عن العمل؟ فيفقد الجيش جندياً بسبب علاقة؟\nالعلاقة هنا تخضع للقانون المدني، والمجندة ستخضع لقانون الأمومة المدني.\nوإذا لم تكن متزوجة منه؟\nضحك الرائد شولتز بصوت مسموع وقال "متزوجة أم غير متزوجة، فهي ستكون أماً وستشملها حقوق الأم في ألمانيا كاملة، وتحظى بإجازة أمومة وحضانة ورعاية، وإذا كان حملها صعباً، فتُمنح قبل الولادة أيضاً أجازة حمل".\nاحدى منتسبات الجيش الاتحادي بانتظار حدث سعيد\nومع استغرابي الشديد لما قاله - وأنا القادم من بلد مازال منذ خمسة عقود يدور في دوامات حروب لا تنتهي- مضيت أتهجى حروف الحياة مع الجيش الألماني في معسكرٍ سبق أن كان معتقلاً نازياً لسجناءِ جيوشٍ أوروبية من الحروب التي شنها هتلر الباحث عن حلم قيادة العالم.\nحين تقترب من العسكرية الألمانية، بعد أن عشت سنوات في ألمانيا، ستذهلك قدرة هذا الشعب على التنظيم. فهذا الجيش قام عام 1955 على أنقاض الجيش النازي المنهار، وقُصد منه أن يكون جيشاً دفاعياً يحمي البلد ويحيي قيم العسكرية البروسية القديمة، ولكن مهمته بموجب الدستور اقتصرت على الدفاع، وعديده حُدد بـ 370 ألف مقاتل في قوات الجيش، والبحرية والقوة الجوية.\nلفت نظري أثناء تناولي لوجبات الطعام في مطعم الثكنة وجود أعداد لا بأس بها من جنود ومجندات يافعين جداً، وكنت قد سمعت عنهم في وسائل الإعلام، وها أنا أراهم بعيني.\nوسألت إحدى ضابطات الصف اللواتي يتولين تدريبنا عنهم، وهل هم جنود في الجيش، فأوضحت أنّهم جيش من المتدربين والمتدربات دون السن القانوني، وهم من طلبة المدارس، ومستمرون في دراستهم من خلال الانخراط في الجيش، ولكنّهم في هذا الوقت غير محاربين، ولا يتدربون على حمل السلاح، وتشير إحصاءات الجيش إلى أن عددهم يبلغ 1907 منتسباً. ثم ابتسمت وهي تضيف "ومعهم بالطبع 375 طالبة مراهقة تحت التأهيل".\nهذا بالضبط ما سألني عنه قبل فترة قصيرة أحد معارفي بعد أن أخبرت المعلمة نجله بإمكانية انخراطه في الجيش الاتحادي حتى وهو في سن السادسة عشرة للحصول على الدراسة والتدريب للمستقبل. وهو أسلوب إنساني ناجح يضمن دخلاً ومأوى ومستقبلاً وتأهيلاً لليافعين الذين لا يملكون من ينفق عليهم، أو الراغبين في الاستقلال المبكر عن ذويهم.\nويثير استغرابي الجدل السياسي الجاري منذ أشهر حول انخراط اليافعين في الجيش الاتحادي، والذي يعتبره بعض الناشطين من دعاة السلام منافياً لحقوق الطفولة. فالجيش يضمن للمتطوعين سكناً وطعاماً في الثكنات، وراتباً مقداره 837 يورو كبداية، فضلاً عن فرص تأهيل مهني وحتى جامعي لا متناهية وقد لا تكون متاحة للمراهق خارج المؤسسة العسكرية.\n وهذا هو الفرق بين مقاتلين في العاشرة تبتلعهم الحروب ويتاجر بهم أمراؤها، وبين متدربين بأجور محترمة، يبقون في الثكنات دارسين حتى يبلغوا سن الثامنة عشرة ليخدموا بعدها وطنهم!\nملهم الملائكة - صحفي من أصل عراقي ضمن هيئة تحرير DW.\n*هذه مقالة رأي تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس وجهة نظر DW عربية بالضرورة.

الخبر من المصدر