هى مش طابونة.. ولكن!!

هى مش طابونة.. ولكن!!

منذ ما يقرب من 7 سنوات

هى مش طابونة.. ولكن!!

فجأة قطع الرئيس حديث المتكلم، استفزته الأرقام، فقط ثمانية آلاف فدان تم استصلاحها من مجموع مائة ألف فدان تخضع لوضع اليد فى مشروع المليون ونصف المليون فدان، انتبه الجميع، قال «السيسى» كلاماً واضحاً لا يقبل الجدل أو النقاش: «وضع اليد اللى موجود مش مقبول ولن نقبله، الناس مش لاقية تاكل، وناس تمد إيدها وتاخد عشرات الآلاف من الأفدنة، ويقول دول بتوعى، والله العظيم ولا فدان واحد».\nتكهرب الجو فجأة، تلعثم المتحدث، وجّه الرئيس حديثه للجهات المسئولة، قال بشكل لا لبس فيه: «آخر الشهر آخد تمام باستعادة الأرض كلها بالكامل، مع استعداد الدولة لتحرير عقود بيع للأراضى التى أقيمت عليها مشروعات بعد دفع الثمن».\nالرئيس لا يريد أن يظلم أحداً، إنه يعرف طبيعة الجهاز الإدارى والمعايير التى تحكمه، ولذلك قال بوضوح: «اللى زارع أرضه نقنن وضعه ويدفع دلوقتى، واللى مش زارع الأرض ترجع فوراً، إحنا مع الاستثمار وتسهيل العمل لكل من يرغب فى ذلك، ولكننا نحاول أن ننظم هذا العمل كدولة».\nتلك هى العبارات التى نطق بها الرئيس السيسى خلال افتتاحه عدداً من المشروعات المهمة فى منطقة المراشدة بمحافظة قنا يوم الأحد قبل الماضى، ومن ثم فإن القراءة الصحيحة لحديث الرئيس المسجل بالصوت والصورة والذى تمت إذاعته على الهواء مباشرة، تؤكد أن هناك شروطاً لانتزاع الأراضى المستهدفة.\nأول هذه الشروط ألا تكون الأراضى غير مزروعة، فالأراضى المزروعة مستثناة، ولا يجب الاقتراب منها بأى حال من الأحوال، بل يتوجب على الدولة تقنين وضعها شريطة أن يقوم زارعها بالدفع الفورى.\nوثانى هذه الشروط ألا يتم التعرض للمشروعات الاستثمارية الزراعية، فالدولة -كما قال الرئيس- مع الاستثمار وتسهيل العمل لكل من يرغب فى ذلك من خلال الدولة، وهذا الكلام يعنى أن جهات التنفيذ يجب أن تفرق بين المشروعات الاستثمارية، وبين التحايل على الدولة عن طريق سياسة وضع اليد.\nثالثاً: إن الرئيس لم يقصد فى حديثه ولم يستهدف هدم بيوت الفقراء والغلابة، الذين اشتروا قطعاً صغيرة لا تزيد على مئات الأمتار فى ربوع مصر لإقامة مساكن يعيشون عليها منذ عشرات السنين، ودفعوا ثمن هذه الأرض من حر مالهم لمن باعوا لهم الأرض، بل كان كلامه موجهاً إلى واضعى اليد من الذين استولوا على الأراضى بدون وجه حق.\nتلك كانت الشروط والمحددات الأساسية التى حرص الرئيس على إبلاغها علانية لكافة المسئولين حتى لا يتحول الأمر إلى مجزرة كبرى يدفع الفقراء والمجتهدون ثمنها، بينما يهرب الكبار منها.\nوبسرعة البرق بدأت الأجهزة المعنية فى التنسيق لتحقيق الهدف والإنجاز السريع قبل الموعد المحدد، أخرجت كل جهة الملفات من أدراجها، وراحت تستعين بالقوات المعنية للتنفيذ.\nانطلقت البلدوزرات التى تحرسها القوات المحتشدة فى كل مكان، كمعول للهدم دونما عقل أو تفكير، انهالت على بيوت الفقراء هدماً، وسط صرخات النساء والأطفال، الذين كتموا غضبهم حتى لا يُزج بهم فى المحاكم، قدموا الأوراق التى تثبت، لكن الآذان صمت، لا أحد يريد الاطلاع أو الاستماع.\nالأراضى الزراعية فى كثير من المناطق، ومنها «المراشدة نفسها»، تمت الإطاحة بها، مواطنون غلابة زرعوا مساحات ما بين 5 و10 أفدنة تنتج منذ أكثر من عشرين عاماً، ضاعت أصواتهم وسط ضجيج البلدوزرات، والتجريف العشوائى واقتلاع الأشجار المثمرة.\nسالت الدموع، الرجال والكبار أمام أسرهم وهم يرون مجهود وعرق السنين يتبدد أمام أعينهم، بينما هناك إلى جوارهم شركات كبرى وأراض وضع الكبار أياديهم عليها، بقيت فى مأمن وسلام، مع أن هذه الأراضى تحديداً هى التى قصدها الرئيس.\nخذ عندك مثالاً، هناك شركة حصلت على سبعة آلاف فدان منذ عام 2008، بناء على قرار من مجلس الوزراء، لا تسألنى لماذا جرى التقنين لهذه الشركة ولم يجر التقنين للفلاحين الغلابة، ومع ذلك فإن هذه الشركة لم تزرع سوى مائة فدان فقط حتى الآن، ولم يستطع أحد الاقتراب منها، ولكنهم استباحوا أراضى الغلابة وخالفوا تعليمات الرئيس!\nوهذه الحالة ليست وحدها، انظر إلى من حصلوا على آلاف الأفدنة وخالفوا شروط هيئة التنمية الزراعية وقاموا بالبناء عليها وأقاموا المنتجعات والفيلات ولم يحاسبهم أحد، باستثناء القلة منهم، وتُركت مساحات شاسعة من هذه الأراضى خالية من الزراعة، ولكن أحداً لم يستطع الاقتراب منها حتى الآن.\nأما عن بيوت الغلابة، فحدّث ولا حرج، فى حلوان والمطرية، والعديد من المحافظات الأخرى، انطلقت البلدوزرات تهدم البيوت بعنف مستندين إلى قرارات مضت عليها سنوات طوال، دون أن يعطوا أنفسهم مهلة للتفكير.\nوالغريب فى الأمر أنه تم انتزاع أراضٍ قيل إن أصحابها لم ينتهوا من توفيق أوضاعها كمناطق زراعية، رغم أن قرارات جمهورية صدرت منذ سنوات بتحويلها إلى مناطق سكنية، بينما تم تجاوز أراض أخرى لها ذات الحالة دون معرفة السبب أو المبرر، وهنا ظهرت ازدواجية التعامل فى الحالات المتشابهة.\nإن المتابع للقرارات الصادرة من الجهات المعنية يدرك عن يقين أن الجهة الأكثر التزاماً بحديث الرئيس والقرارات المعنية هى اللجنة العليا لاسترداد أراضى الدولة التى يرأسها المهندس إبراهيم محلب، فقراراتها مدروسة، وقدرتها على التعامل مع هذه الأوضاع تحكمها المصلحة الوطنية أولاً، والحرص على مرونة تقنين الأوضاع فى إطار القانون ثانياً.. أما الجهات الأخرى، فراحت تتنافس فيما بينها، من الذى يستطيع أن يحقق أكبر إنجاز فى استرداد الأراضى، فتعاملت مع الأمر بطريقة أثارت الحنق والغضب، وشردت الكثيرين من بيوتهم وتركتهم عرايا فى الشوارع، فزادت من حال الاحتقان فى الشارع، وراح الكثيرون يصرخون: «إحنا اتظلمنا يا ريس».\nإن الرئيس «الإنسان» الذى انتزع ألف فدان من أراضى الدولة المستردة فى منطقة «المراشدة» وأهداها إلى أهل المنطقة من الفلاحين البسطاء بعد شكوى الحاج «حمام» لا يمكن أن يقبل بظلم أحد ممن شُردوا أو دُمرت زراعتهم، أو تم التجاوز على حقوقهم.\nإن المصريين قد سعدوا كثيراً بكلمات الرئيس وقراراته الحاسمة باسترداد أراضى الدولة المنهوبة، ولكن بعض ما يجرى على الأرض يعطى رسالة مختلفة عن مضمون الهدف والمعايير والشروط التى تحدث عنها الرئيس فى خطابه.\nإن الإحساس بالظلم والقهر يدفع المواطن إلى الكفر بكل شىء، وبدلاً من أن يسعى البعض إلى التخفيف من حالة الاحتقان التى بلغت قمتها بسبب غلاء الأسعار وازدياد نسبة الفقر فى المجتمع، إذا بهم يدفعون الناس إلى المزيد من السخط وفقدان الأمل فى كل شىء.

الخبر من المصدر