أطلس القاهرة الأدبي.. الأدب والجغرافيا

أطلس القاهرة الأدبي.. الأدب والجغرافيا

منذ ما يقرب من 7 سنوات

أطلس القاهرة الأدبي.. الأدب والجغرافيا

بدايات المشروع كما تروي مؤلفة الكتاب سامية محرز في مقدمته، تمت مع انتقال الجامعة الأميركية التي تعمل بها رئيسة مركز دراسات الترجمة من منطقة التحرير وسط القاهرة إلى القاهرة الجديدة، حيث أخافها هذا الانتقال من تحويل وسط القاهرة بزخمه اليومي، إلى متحف ومشهد من الماضي والنظر إليه باعتباره "فرجة".\nوتذكر المؤلفة أن القاهرة شغلت "الفضاء الواقعي والمجازي" لكثير من الإنتاج الأدبي في القرن العشرين، مما جعلها "شخصية رئيسية" في تلك النصوص، وبذلك غدت المدينة نصا تعاد كتابته باستمرار وفضاء لا ينفك أن يعاد بناؤه وتفكيكه، عبر علامات المدينة المتحولة والمتغيرة أبدا.\nويقدم "أطلس القاهرة الأدبي" طوبوغرافيا أدبية متضافرة لتاريخ المدينة الاجتماعي والثقافي والسياسي، من خلال مائة عمل لكتَاب مصريين وعرب يمثلون أجيالا عدة من الرجال والنساء، والمسلمين والأقباط واليهود، من مواطني هذه الحاضرة المعولمة ومحبيها، الذين يكتبون عنها بالعربية أو الإنجليزية أو الفرنسية.\nوتحاول اختيارات الأطلس تتبّع خارطة التغيرات في الجغرافيا السياسية للمدينة ونسيجها المدني، إضافة إلى تطورات قرن كامل لأساليب الإنتاج الأدبي، وكذلك اختبار مدى سطوة الطبقة والجنس والعرق والخلفية الإثنية وتشكيلها على هذه الضروب الأدبية في إعادة بناء المشهد المديني.\nففي الفصل الأول "مدخل إلى المدينة" تصحب الكاتبة ثلاثة من الكتَاب هم محمد المويلحي في نصه "حديث عيسى بن هشام"، ونجيب محفوظ في "أولاد حارتنا"، وخيري شلبي و"رحلات الطرشجي الحلوجي".\nويبرز خلال النصوص دور الرواة وموقعهم في البنية الاجتماعية للمدينة، وتتتبع جغرافيا المدينة وطوبوغرافيتها وبنيتها الاجتماعية السياسية، فترسم خارطة لتحول القاهرة وتوسعها على مر التاريخ، فمن الفسطاط إلى المستقر الفاطمي، ومن الزقاق إلى القلعة، ومن قاهرة المماليك إلى قاهرة القرن العشرين الحديثة.\nوأخيرا فإن هذه النصوص تعد أمثلة على التغيرات التي اعترت تمثيلات القاهرة في النصوص الأدبية خلال القرن العشرين، فمن عتاقة الأسلوب والبيان واللغة والإيقاع عند المويلحي، إلى التقليد الروائي الرمزي الحديث في نص محفوظ، إلى التقنيات السردية الجريئة لدى شلبي المتكئة على إستراتيجيات التقليد الشفوي في حكي القصص الشعبية.\nاختيارات الفصل الثاني "خطط القاهرة.. مائة عام من التحول"، تكشف دور كتّاب القاهرة في القرن العشرين -شأنهم شأن مؤرخيهم- في تتبع تغيرات المدينة، وتمكنهم من رسم خارطة لنمو المدينة وأوجهها وتواريخها المتعددة، فضلا عن العلاقات التي تكتنفها.\nوتبرز مقتطفات هذا الفصل اكتشاف الكتَاب لأنفسهم داخل المدينة، حيث نجد أن كل كاتب يدوّن على الخارطة التي ينتجها انحيازاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والجمالية.\nكما يرسم الفصل الثالث "فضاءات عامة" علاقات المدينة خلال القرن العشرين، من خلال تحولات الموقع الاجتماعي والأيدولوجي للكتّاب أنفسهم، ولعلاقتهم مع عناصر الفضاء المديني. وتشير اختيارات الفصل إلى قدرة القاهرة -مع توسعها- على ابتداع علامات مدينية جديدة تغري المخيلة الأدبية، فتنتقل من الأهرامات القديمة إلى المول الذي أصبح موضعا رمزيا لأعراف المدينة الاجتماعية الجديدة والمتنازعة.\nورغم أن معظم الاختيارات كتبت باللغة العربية، فإن ثمة حفنة منها كتبت إما بالإنجليزية مثل وجيه غالي وآن ماري دروسو، أو الفرنسية روبير سوليه، وهو ما ينم عن مخزون القاهرة الأدبي متعدد الإثنيات ومتنوع اللغات.\nوتتطرق المؤلفة في فصلها "فضاءات حميمة" لأمثلة عن تلك الفضاءات بطبيعتها الغامضة والأقل وضوحا ونفاذا، وبخرائطها المكانية الرمزية، وأنظمتها الاجتماعية وقوانينها، إضافة إلى المفردات اللغوية وسواها من العلامات الرمزية التي تحدد الفضاءات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لساكني هذه الفضاءات.\nوتتميز هذه الأعمال بطابعها الأرشيفي لأوجه الحياة اليومية، مثل الطقوس الأسرية، وتاريخ الفنون والطهي، ووصف الحفلات الخاصة، وتسجيل الأغاني الشعبية.\nآخر فصول الكتاب "أن تنتقل في القاهرة"، تتطرق اختياراته إلى الكيفية التي تؤثر بها شبكة النقل في وسط القاهرة على فهمنا وقراءتنا للمدينة وحيوات سكانها، حيث تصبح عوالم بحد ذاتها لها دينامياتها المميزة ومستويات تفاعلها الإنساني والاجتماعي، فضلا عن طرائقها المميزة في رؤية القاهرة والوجود فيها.\nوكما تمثل عوالم القاهرة المتنقلة التغيرات في السلوك والتفاعل الاجتماعيين، تؤرخ أيضا للذائقة السائدة، وضروب الإتيكيت والعادات، وتوفر أيضا فرصة لمستويات جديدة من الوعي السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

الخبر من المصدر