طاهر عبدالرحمن يكتب: الملك يريد إجازة | ساسة بوست

طاهر عبدالرحمن يكتب: الملك يريد إجازة | ساسة بوست

منذ 7 سنوات

طاهر عبدالرحمن يكتب: الملك يريد إجازة | ساسة بوست

منذ 6 دقائق، 30 أبريل,2017\nفي أواخر شتاء عام 1952 كان الوضع السياسي والأمني في مصر معقدًا ومتشابكًا لدرجة مخيفة،حتى إنه بدا لكثيرين (من بينهم «حافظ عفيفي» رئيس الديوان الملكي) أن حكم أسرة «محمد علي» يعيش أيامه الأخيرة، وكان السؤال الذي يطرح نفسه على الجميع هو: متى تهب العاصفة؟\nفي ذلك الوقت كانت بضعة شهور قد مرت على كارثة حريق القاهرة التي أعقبت المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإنجليزي في 25 يناير 1952 بحق قوات «بلوك النظام» (الأمن المركزي وقتها) وما نتج عن ذلك من قيام الملك فاروق بإقالة حكومة الوفد ليلة الحريق، وتكليف «علي ماهر» (باشا) برئاسة الوزارة، ثم أقاله بعد شهر ونصف، ثم اختيار «نجيب الهلالي» (باشا) الذي قبل رئاسة الحكومة بعد ضغوط كثيرة مورست عليه، وبعد أن أخذ وعدًا صريحًا من الملك بعدم تدخل غير السياسيين في أمور الحكم وفي عمل الوزارة (وكان يقصد حاشية فاروق) مع إطلاق يده لمحاربة الفساد في الدولة دون إعاقة ودون قيود.\nوالهلالي سياسي مخضرم وذو تاريخ طويل في العمل السياسي والوطني في فترة ما بين الثورتين (1919-1952) وكان طوال عمره وفديًا مخلصًا، لكنه قرر عام 1950 اعتزال العمل السياسي كله بعد تدهور أحوال الوفد (وتلك قصة أخرى طويلة) واكتفى بالعمل في مجال تخصصه وهو المحاماة.\nاختار الهلالي شعار «التطهير قبل التحرير» عنوانًا لبرنامج حكومته، وبالفعل بدأ في محاربة الفساد المستشري في الدولة وكانت أولى محاولاته وقف المضاربة على أسعار القطن في البورصة (والقطن عصب الاقتصاد المصري وقتها) لكنه تراجع مرغمًا عندما عرف أن أكبر المضاربين هو «إلياس أندراوس» المستشار المالي لفاروق وكان يضارب لحساب الخاصة الملكية وكذلك «محمد أحمد فرغلي» الذي كان يضارب لحساب «فؤاد سراج الدين» – الرجل الأقوى في حزب الوفد، وسكرتيره العام.\nثم حاول أن يواجه ويحجم نفوذ كبار رجال المال في السيطرة على مفاصل الاقتصاد والدولة، ويضرب احتكاراتهم، واختار المليونير «أحمد عبود» (باشا) أغنى أغنياء مصر وقتها، ومحتكر صناعة السكر في مصر وبدأ يطالبه بخمسة ملايين جنيه ضرائب متأخرة عليه.\nوفي نفس الوقت كان الملك فاروق يطلب من رئيس وزرائه تأجيل الانتخابات النيابية لما بعد إجازات الصيف لأنه كان يخطط لتقضية ثلاثة أشهر (الصيف كله) في أوروبا نظرًا لأن سنة 52 كانت «سنة مقرفة» عليه، ولكن ما لم يخبر به فاروق رئيس حكومته أنه طلب من مستشاره المالي تدبير مبلغ مليون فرنك سويسري بأي شكل وبأي طريقة لتغطية نفقات إجازته الصيفية وحتى لا يضطر للصرف من أمواله الخاصة، أو من حسابات الخاصة الملكية.\nوعلم رجل الأعمال عبود (باشا) بطلب الملك وهنا عرض صفقته: فهو سيدفع المبلغ المطلوب بشرط إقالة الحكومة والكف عن مطالبته بالضرائب المتأخرة، وتعيين صديقه الموثوق «حسين سري» (باشا) رئيسًا للوزراء!\nالغريب أن فاروق وافق على العرض (الرشوة) وقبل الصفقة، ولم يكن تحت ضغط أو مجبرًا على قبولها، وبالفعل أقال حكومة الهلالي واختار «سري» بديلًا له، وقرر تأجيل الإجازة لأسابيع قليلة ليطمئن على عمل الحكومة، ولكن «الفضيحة» لم تتأخر طويلًا، حيث رصدت بنوك أوروبية عملية تحويل مبلغ مليون فرنك سويسري لحساب خاص في أحد البنوك السويسرية، كما كانت هناك تحويلات بـ250 ألفًا لشخصيات مقربة من الملك وهم: كريم ثابت (مستشاره الصحفي)، وإلياس أندراوس (مستشاره المالي)، وأنطون بوللي (مستشاره للشئون الخاصة!)، ثم قامت الحكومة البريطانية بتسريب تلك المعلومات للصحافة التي لم تتأخر عن نشرها.\nوفي غضون أقل من شهرين (يوليو 52) كان الملك على متن الباخرة «المحروسة» مبحرًا نحو الشمال الأوروبي كما أراد وخطط – مع اختلاف بسيط هو أنه كان ملكًا مخلوعًا عن عرشه.\nهذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

الخبر من المصدر