يدفعون ثمن وثائقهم.. اللاجئون السوريون يحتاجون لشراء وثائق سفرهم من حكومة الأسد

يدفعون ثمن وثائقهم.. اللاجئون السوريون يحتاجون لشراء وثائق سفرهم من حكومة الأسد

منذ 7 سنوات

يدفعون ثمن وثائقهم.. اللاجئون السوريون يحتاجون لشراء وثائق سفرهم من حكومة الأسد

عندما هرب محمد الخلف من سوريا وحصل على حق اللجوء في لوكسمبورغ العام الماضي، بقيت زوجته وأطفاله في الرقة، معقل دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).\nوتقدَّم الخلف بطلب لكي تلتحق به أسرته، عملاً بالحق الذي يمنحه له القانون الأوروبي في الحياة الأسرية.\nلكن المسؤولين في لوكسمبورغ قالوا إن عليهم بادئ ذي بدء الاطلاع على جوازات سفر الأسرة ووثيقة معتمدة من حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، تُثبت أن غفران، زوجة الخلف، ليس لها سجل جنائي.\nوهذه معضلة تستعصي على الحل من وجهة نظر الخلف، إذ يقول: "هم يحتاجون أوراقاً من النظام الذي هو طرف في المشكلة التي نهرب منها في الأساس".\nوتزداد هذه الاشتراطات شيوعاً، فبعد مرور ست سنوات على بدء الحرب السورية، شهد عشرات الآلاف من الأسر السورية، الساعية للمِّ شمل أفرادها في أوروبا تعطل طلباتها، لعدم وجود الوثائق التي تحتاجها الحكومات الأوروبية من حكومة الأسد.\nوقالت عدة أسر تحدثت إليها "رويترز"، منها عائلة الخلف، إنها اضطرت من أجل الحصول على الوثائق المطلوبة إلى دفع سلسلة من الرشاوى بلغت ذروتها في دمشق.\nفي الظروف العادية تطلب كل دولة من الساعين لدخولها إبراز وثائق تثبت هويتهم.\nويقول مسؤولون أوروبيون الآن، إنهم يحتاجون الوثائق لأسباب أمنية، وللحدِّ من عمليات تهريب البشر. غير أن اللاجئين، خاصة المحاصرين منهم في مناطق خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية لا يمكنهم في كل الأحوال الحصول على الوثائق الحكومية.\nفي عام 2014 وجد تقرير عن اللاجئين والمنفيين، أصدره الصليب الأحمر والمجلس الأوروبي، أن معظم الدول الأوروبية تشترط وثائق من الصعب على الأفراد الحصول عليها من دول مثل سوريا.\nومنذ ذلك الحين يطلب عدد أكبر من الدول وثائق أكثر لا أقل. ومن الوثائق المطلوبة جوازات السفر وشهادات الميلاد والزواج وإثباتات الوصاية على الصغار ووثائق تثبت أن أفراد الأسر كانوا يعيشون معاً في مكان واحد أو سجلات طبية جديدة. كما تطلب بعض الدول ترجمة موثقة قانونياً للوثائق.\nوفي ألمانيا التي استقبلت من السوريين الساعين للجوء أكثر من أي بلد أوروبي آخر تقول برلين إن حوالي 26 ألف طلب سوري للم شمل أسر ليست جاهزة للبت فيها، بسبب عدم وجود الوثائق المطلوبة.\nوقالت محكمة ألمانية، في ديسمبر/كانون الأول، إن حكومة الأسد التي تعاني من نقص السيولة المالية تستفيد على الأرجح من اشتراطات استصدار هذه الوثائق.\nوقالت سكا كيلر الرئيسة المشاركة لتكتل الخضر/التحالف الأوروبي الحر في البرلمان الأوروبي "لم شمل الأسر حق من حقوق الإنسان. وهو يدفع اللاجئين إلى أحضان المهربين وإلى طرق محفوفة بالمخاطر إذا حدت الدول الأعضاء من احتمالات انضمامهم إلى آبائهم أو أطفالهم".\nمنذ بداية عام 2015 وصل ما لا يقل عن 89 ألفاً من أفراد الأسر السورية إلى ألمانيا والسويد والنمسا ولوكسمبورغ وبلجيكا بمقتضى القواعد التي تسمح لمن حصل أو حصلت على وضع اللاجئ أن يجلب زوجته أو زوجها وأطفالهما الصغار.\nولا توجد بيانات مؤكدة عن عدد طالبي اللجوء الذين ما زالوا يسعون للم شمل أسرهم في أوروبا، لكن الاتجاه يتزايد لمنح السوريين "حماية ثانوية" بدلاً من وضع اللاجئ. وفي كثير من الأحيان يحد ذلك من حقهم في جلب أسرهم أو يقضي عليه تماماً.\nوحتى من يصبح مؤهلاً لجلب أسرته يواجه في أحيان كثيرة مشاكل في الحصول على الأوراق المطلوبة.\nطلبت لوكسمبورج ما يثبت صلات الأسرة على وجه الدقة وصورة موثقة من وثيقة السفر، بالإضافة إلى شهادة بالسجل الجنائي لزوجة محمد.\nوقال متحدث باسم وزارة الخارجية في لوكسمبورج إنها تقبل الحلول البديلة إذا لم تكن الوثائق متاحة وتأخذ "في الاعتبار العوامل الإنسانية وفي الوقت نفسه تحترم بنود التشريعات المعنية".\nويقول أرنو رانتسنبرجر المحامي في لوكسمبورغ، الذي يمثل عائلة الخلف وعشرات من حالات لم شمل الأسر، إنه شهد تأخيراً منهجياً في كل حالة تعامل معها.\nويضيف: "يطلبون وثائق من الصعب جداً توفيرها، ويظل الملف معطلاً ما دمنا لم نقدم الوثائق".\nوبينما كان الخلف يحاول إخراج زوجته من الرقة ألقى رجال تنظيم الدولة الإسلامية القبض عليها لرفعها طرف ثوبها أثناء السير في طريق فرعي تبلله الماء. ثم ضربوها لأنها كانت تستعمل عطراً.\nواستطاع الخلف تهريب العائلة عن طريق تركيا.\nوكانت عائلة الخلف محظوظة. فقد سهل صديق سوري في أمستردام للخلف الاتصال بسمسار في دمشق. ومقابل 90 دولاراً جرى تحويلها من خلال وسترن يونيون، أرسل هذا السمسار وثيقة تثبت أن الزوجة ليس لها سجل جنائي والتأم شمل الأسرة، في ديسمبر/كانون الأول.\nأمام السوريين الفارين من الرقة طريق آخر، إذ يمكنهم التوجه إلى دمشق على أمل الحصول على جوازات سفر بالسرعة الكافية لتقديمها إلى سفارة غربية.\nفي أوقات السلم كانت الرحلة من الرقة إلى دمشق تستغرق ست ساعات بالسيارة. أما في أواخر العام الماضي فقد استغرقت الرحلة خمسة أيام عبر أراضٍ تسيطر عليها فصائل متحاربة ومسؤولون مرتشون عند نقاط التفتيش على امتداد الطريق.\nوقالت أم سورية أخرى هربت بطفلتها الرضيعة من الرقة، إن هذا الطريق بدا لها الخيار الوحيد.\nفقد أرادت حورية الأحمد اللحاق بزوجها يونس في النمسا، وأصرَّت على السفر بالطرق القانونية. وقال مسؤولون في فيينا إن الزوجة البالغة من العمر 22 عاماً تحتاج لإثبات هويتها في السفارة السورية في بيروت. غير أنها لم يكن لديها جواز سفر.\nوحاول المسؤولون النمساويون المساعدة، فعرضوا إجراء تحاليل البصمة الوراثية (دي.إن.إيه) للأسرة. ويقول الصليب الأحمر إن هذا الخيار يستخدم في حالة من كل عشر حالات لطالبي اللجوء في النمسا. وتبلغ كلفة التحليل للفرد الواحد 200 يورو ترد للطالب إذا جاءت النتائج إيجابية. وبلغ إجمالي التكلفة المطلوبة لأسرة الأحمد 600 يورو.\nوكانت التكلفة أكبر من إمكانات الأسرة التي لم تكن تعلم أنه من الممكن أن تسترد المال، وقررت أن أفضل فرص أمام حورية تتمثل في السفر إلى دمشق.\nوتقدمت الأسرة بطلبات للحصول على جوازات سفر بمساعدة صديق قديم من أيام الدراسة. وقال الصديق المحامي مالك الوردي إن جواز السفر العادي يكلِّف 4800 ليرة سورية (9 دولارات). وقال إنه أخذ من أسرة الأحمد في العام الماضي ما يعادل 300 دولار مقابل جوازي سفر، مضيفاً أن الرسوم ارتفعت ارتفاعاً حاداً.\nولم ترد الحكومة السورية في دمشق على طلبات للتعليق على ذلك، لكن موقعها على الإنترنت يبين الآن أن رسوم إصدار جواز السفر في قنصلية بالخارج قفزت إلى حوالي 400 دولار.\nوامتنع المكتب الاتحادي للجوء في النمسا عن التعليق على حالات بعينها، وقال إنه ليست لديه قواعد محددة فيما يتعلق بالوثائق المطلوبة.\nوقالت متحدثة باسمه "لا بد من أن نتمكن من تحري الصلات الأسرية التي نتعامل معها وأوراق الهوية من المزايا في هذا الصدد".\nوقالت النمسا إن قواعدها تتماشى مع قانون الاتحاد الأوروبي. وعلمت أسرة الأحمد الشهر الماضي أن طلبها قُبل.\nأوصت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن تتحلى الدول "بالمرونة والإنسانية" عند التعامل مع مسألة لم شمل الأسر. وتقول التوجيهات الرسمية إنه يجب السماح لطالبي اللجوء بإثبات هويتهم بطرق أخرى من بينها المقابلات الشخصية وصور الأسرة وتسجيلات الفيديو.\nوقال توماس هدلستون من جماعة سياسات الهجرة وهي مؤسسة بحثية يمثل الاتحاد الأوروبي مصدر التمويل الرئيسي لها "لا يمكن رفض الطلبات من اللاجئين أو رفض تسلمها أو فحصها على أساس عدم وجود الأدلة فقط. فهذا غير قانوني بمقتضى قانون الاتحاد الأوروبي."\nكما امتنعت المفوضية الأوروبية عن التعليق على حالات بعينها، مشيرة إلى تعليماتها في حالات لم شمل الأسر التي تقول إنه يجب أن يتضمن كل طلب دليلاً موثقاً يثبت أن المتقدمين لا يمثلون تهديداً للسياسة العامة أو للأمن العام.\nوقالت المفوضية أيضاً إن على الدول أن تأخذ في حسبانها أدلة أخرى بخلاف الوثائق.\nغير أن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي استحدثت اشتراطات وثائقية أكثر تشدداً.\nفقد اتجهت قبرص في الآونة الأخيرة لطلب وثائق أصلية بدلاً من النسخ المصورة، وفقاً لما ورد في قاعدة بيانات معلومات اللجوء التي تمولها منظمات أهلية تهتم باللاجئين والاتحاد الأوروبي. كما تطلب قبرص ترجمة الوثائق من خلال مكتب المعلومات العامة القبرصي إلى اللغة اليونانية أو اللغة الإنكليزية.\nوتشترط السلطات المجرية أن تختم كل الوثائق بخاتم رسمي من السلطات، يؤكد أنها أصلية، بالإضافة إلى خاتم رسمي من القنصلية المجرية. ولا بد من ترجمة جميع الوثائق إلى إحدى اللغتين الإنكليزية أو المجرية.\nأما إسبانيا فتطلب أيضاً إثباتاً بالوثائق أن المتقدم بالطلب وأقاربه الأكبر سناً عاشوا معاً في بلدهم الأصلي، وأن الأسرة يعولها المتقدم بالطلب.\nوتشترط بلجيكا تقديم شهادة طبية ومستخرج حديث من السجل الجنائي من البلد الأصلي للمتقدم بالطلب.\nويمكن للسوريين في أوروبا الذين يحصلون على موافقة على جلب أفراد في أسرهم الحصول على أوراق خاصة تسمح بسفرهم. غير أنه ليس من السهل الحصول على هذه الأوراق وهذا ما اكتشفته أسرة أخرى.\nفقد ادخرت حياة الويس جزءاً من راتبها الشهري البالغ 60 دولاراً من عملها في مقصف بمخيم للاجئين في الأردن لسداد مبلغ 195 دولاراً مقابل وثائق هوية عادية، حتى تتمكن هي وأطفالها الثمانية من اللحاق بزوجها في النمسا في يناير كانون الثاني عام 2016.\nووافقت النمسا على استقبالهم لكن وثيقة الهوية لم تكن كافية بما يسمح لهم بركوب الطائرة.\nوقال الصليب الأحمر إنه بعث بثلاث رسائل بالبريد الالكتروني إلى السفير النمساوي في عمان طالبا مساعدته بإصدار وثائق سفر للأسرة لكنه لم يتلق ردا. وامتنعت فيينا عن التعليق على تلك الحالة.\nوفي النهاية جمعت الأسرة 3600 دولار من خلال قروض خاصة لسداد قيمة إصدار جوازات السفر من السفارة السورية في الأردن

الخبر من المصدر