أبي .. لا تُتبع إحسانك منًّا ولا أذى!

أبي .. لا تُتبع إحسانك منًّا ولا أذى!

منذ 7 سنوات

أبي .. لا تُتبع إحسانك منًّا ولا أذى!

كثيراً ما يكون الإحسان للناس وفعل الخير فقط لإرضاء أصنام نفوسنا، وأحياناً يكون اضطراراً دُفعنا إليه وحوصرنا فيه؛ وحين ذلك لا نراعي الإنسان الذي نحسن إليه ولا نتحرى الثواب؛ وإنما نمعن فقط في تفخيم نفوسنا، فنُرَائي مرة، ونَمُنُّ بفعلنا مرة، ونطلب الجزاء أو الشكر عليه أخرى!\nمن أخطائنا أن نحصر خُلُقاً سيئاً في صورة معينة لا نفعلها؛ لنُطَمْئِنَ نفوسَنا ونبرئها من الغلط! حَصَرنا -مثلاً- المَنَّ في صورة أن يعطي أحد شيئاً لسائل وهو يحتقره وينهره، وتلك صورة نادرة، لا نكاد نراها، لكننا نرى صوراً كثيرة أخرى للمنّ والأذى بعد العطاء:\nالذين يعطون ثم يتحدثون ويتباهون، والذين يسلطون الضوء على فعلهم بقصد السمعة؛ بل يقيمون الحفلات ويذيعونها، وتلك البرامج التي تأتي بفقراء معدَمين ليبكوا ويتوسلوا أمام الكاميرات فيتفضل الناس عليهم، فهم يغذون لحم أكتافهم من ناحية، ويُسقطون لحم وجوههم من أخرى، ويوم اليتيم الذي يجمعون فيه الأيتام ليُشعروهم بِيُتْمهِم، وليسمعوهم كلمة "يتيم" أكثر مما سمعوها طوال السنة! وغير ذلك من صور المن والأذى الكثير، ومع كل ذلك فالأذى في العطاء مع الغرباء عنا أقل كثيراً منه مع الأقربين!\nمن طبع الإنسان أن يتكلف ويتجمل مع من لا يعرفه، وينكشف ويتعامل بعفوية مع من يعرفه؛ فكان لذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "خيركم خيركم لأهله.."، وقد وجدت صوراً أسوأ للمنّ والأذى في العلاقات الأسرية نقع فيها كلنا -إلا من رحم الله- هي التي دفعتني للكتابة:\nعوائل الأُسَر (أياً كان موقعهم فيها) يبذلون كثيراً بدافع العاطفة والمسؤولية والعرف، وأحياناً بدافع النفخ في نفوسهم وتفخيمها وهم لا يشعرون!\nبعضهم لا يترك فرصة إلا ليذكر بذله وتضحياته، ويحاول فرض رأيه دائماً من هذا المنطلق، والبعض أحياناً يفعل أفعالاً عظيمة إلا أنه يقدمها في غلاف من الضجر والملل والأذى، والبعض يربط بَذْلَه برضاه؛ فإن رضي أعطى، وإن سخط منع، والبعض يربط حياة عيِّله به تماماً بقصد تعجيزه عن الاستقلال والاعتماد على نفسه!\nلا أود أن ينقلب الحديث هنا عن أنه ينبغي للأبناء الصبر على أذى الآباء برّاً لهم وتقديراً لفضلهم العظيم إن قورن بالجانب السيئ، فهذا لا شك فيه؛ بل يجب البر مع أسوأ الآباء حالاً وأخلاقاً؛ فكيف بالأفاضل منهم؟ فحديثي ليس موجهاً للأبناء، إنما لأصحاب الفضل والعطاء؛ خشية أن يضيع عمل عظيم بنية فاسدة وأسلوب خاطئ!\nأكثر من راجعت نفسي فيه أخي الفقيد "عبد الأعلى"، ذلك أنه رحل، فمراجعتي نفسي فيه أكثر تجرداً وحزماً وندماً، استحضرت مواقف أحسنت فيها إلا أنني فعلتها في صورة الاضطرار والمسؤولية لا الحب والحنو ولا حتى طلب الثواب، أذكر مواقف كنت أساعده أو أنصحه أو أقدم له شيئاً؛ فيكون سعيداً ممتناً لي، إلا أنني أكون ضجِراً متأفِّفاً، ويتكرر ذلك الحال كثيراً، أُحسِن وأبذل من جهة وأفسد فِعلي بطريقة تقديمه أو بتوابعه من جهة أخرى.\nالآن، أشك في نيتي، هل أبذل فعلاً -يوم أن أبذل- كرامة ومحبة، أم إيماناً وحِسبة؟ أم أن حظ النفس فيه أكبر؛ حتى لا أكون أمام نفسي وأخي والناس مذموماً منقوصاً، أو لأكون عندهم صاحب البذل والفضل؟\nأكثر عطائنا -شعرنا أو غفلنا- لأهلنا المقربين، بعضنا قد يبذل عمره كله في سبيل أهله، فهل نهدر ذلك كله بِنيّة فاسدة أو أسلوب خاطئ؟!\nالتدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الخبر من المصدر