المحتوى الرئيسى

ليسامحنا حضرة الجنرال السعودي؟

04/20 11:49

كمواطن جزائري لدي مشكلة مع رتبة “الجنرال” في قاموس الأنظمة الخليجية، ذلك أن هذه المفردة متى ذكرت في الجزائر، فإن صفائح الأرض تنزوي رهبة،و أديمها يخشع مهابة، ببساطة لأنها تعني حتما أن صاحب هذه الرتبة في  الغالب الأعم، يكون قد شارك في قتال العدو الفرنسي 1954 و في قتال العدو الاسرائيلي 1973 بمصر،و أثبت قدرته العالية و كفاءته في المواجهة الميدانية؛ أما جنرال في جهاز المخابرات فتلكم قصة أخرى، لا تحتمل مساحة المقال التعرض لها.

في حين يمكنك أن تجد هذه الرتبة العالية، يتقلّدها بائع الملوخية أو لاعب كرة قدم في بلدان عربية أخرى؛ و اللافت لدى هذه العيّنة أنها تتحدث أو تكتب عن موضوع ذي صلة بالشأن العسكري و الأمني، بصيغ فنون الطبخ المنزلي، و منطق المدرّب الفاشل لفريق عناصره من دار العجزة؛ لذلك تجد الهوّة بين التحليل و المعلومات التي يسوّقونها و بين الواقع، بذات حجم الهوة بين أحلام المراهقين و واقع الحروب.

فقد خرج علينا أوخر شهر مارس 2015، أي منذ أكثر من عامين، جنرال من السعودية، يجزم بأن العدوان الذي شن على اليمن تحت شعار “عاصفة الحزم”، لن يتجاوز شهرا على أبعد تقدير، لحظة سماعي لهذا التصريح الرسمي، ضحكت من شدة الأسى على هذه الأمة، حتى وقعت على قفاي، لأن الأمر اختلط علي بين: هل هذا جنرال عسكري “القائد” لهذا العدوان فعلا جنرال أم بائع لبلب؟ و إن كان حقا رجلا عسكريا فهل يتحدث عن حرب؟ أم يكلمنا عن مقابلة فريق من دار العجزة؟ أرشيف صحيفة “رأي اليوم” يحتفظ بمقال للكاتب عبّر فيه عن رأيه في الموضوع، الذي أثبتت الأيام بأن فلاحا جزائريا أصحّ قراءة من جنرال عسكري من الخليج.

منذ يومين (17/04) خرج علينا جنرال آخر في مقال بصحيفة الدستور المصرية، يبشّر بالفاتح المسلم دونالد ترامب الذي سيحرّر العراق من داعش، و يطهّرها تماما من النفوذ الايراني.

و المضحك في هذا الطرح حد السخرية، أنه يعكس مرحلة “الحضانة” الاستراتيجية، التي يأبى بعضهم مغادرتها.

هذا الجنرال الذي يحب العودة الى الوراء، لكن بمسافة لا تتجاوز هي كذلك القدرة على النظر الى الأمام، تعذّر عليه في ذلك “الوراء” أن يقف على شهر أوت 1991،و استعصى عليه بالتالي أن يستحضر ما دار في الجلسة المغلقة من حوار بين الرئيس السوداني و العاهل السعودي، الذي استشاط غضبا و تعهّد أمام الجميع بأن “القوات الصديقة” (الأمريكو-صهيونية) لن تعتد على أي بلد عربي،و أنها ستغادر فور تحريرها للكويت، بل ذهب لاتهام الرئيس السوداني الذي ألمح في مداخلته الى التخوّف من استهداف دولة عربية، بأن كلامه ينطوي على مساس بكرامة المملكة؛ و أذكّر أن كلمة الجزائر جاءت قبل ذلك في نفس الجلسة المغلقة،و حتى لا أطيل على القارئ أنقل جملة واحدة فقط من مداخلة الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله:”… لا يُعقل أن نجد الآن من يمهّد الطريق للاستعمار، كي يعود لأراضينا بقوته العسكرية”.(من محضر الجلسة المغلقة اوت 1991 القاهرة).هذه الرؤية  و المواقف الموثّقة التي يغفلها أو يغيّبها أو يجهلها الآن هؤلاء الجنرالات؛ أين تعهّد العاهل السعودي بعدم الاعتداء على بلد عربي آخر؟ و أين منظّرو ذلكم القرار البائس باستدعاء القوات الصديقة من واقع اليوم؟.

و دارت الأيام، ليُخرِجَ  ذات الجنرالات بـ “كليب” فيه من الرقص و الردح ما يذهل العقل، عنوانه: أمريكا سلّمت العراق لإيران، من كلماته الرنّانة: لقد غدرت بنا أمريكا، أمريكا متواطئة مع نظام الملالي، أمريكا اختارت إيران عنا بديلا بعد اتفاقها حول الملف النووي؛و لعل القارئ يذكر تفاصيل هذا “الكليب” و أبطاله، الذي كسّر فضائيات عربية، و ملأ سوق التهريج السياسي فترة طويلة.

اليوم يخرج هؤلاء أنفسهم بـ “كليب” جديد قديم يمكن وصفه بصرعة موسم السياسة الغرائزية في عالمنا العربي المنكوب، عنوانه “دونالد ترامب الفاتح المسلم الجديد”، سيحرّر العراق من داعش صنيعة دولته كما يشير مقال “السعودية الأب الشرعي لداعش” بصحيفة الاندبندت 22/11/2015؛ و يطهّرها من حليفه (نظام الملالي) بالأمس، و يسلّمه على طبق من ذهب لهم، مجانا محبة لهم و عِشقا أو لأن عيونهم زرق.

مأساة هؤلاء أنهم يعيشون واقعا “متوهّما”، فمن بين استدلالات الجنرال التي ارتكز عليها، كعماد قوي و أساس صحيح و صلب لقراءته المستقبلية، أن نجل العاهل و ولي عهد ولي عهد الملك، ركنٌ مؤثر و مستقل القرار و الخيار لدى “الفاتح المسلم الجديد”؛و لو سألت هذا الجنرال عن مقومات هذه القوة و الاستقلالية التي يبنى عليها لحار جوابا.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل