المسلمون في الغرب.. الأقلية المنبوذة

المسلمون في الغرب.. الأقلية المنبوذة

منذ 7 سنوات

المسلمون في الغرب.. الأقلية المنبوذة

في شهر يناير/كانون الثاني الماضي تعرض مسجد بمدينة كيبيك الكندية لهجوم جبان من شخص يميني متطرف، اقتحم المسجد وفتح النار على المصلين فيه، فقتل ستة وجرح سبعة عشر آخرين وهم مشغولون في صلاتهم.\nوفي هذه الأجواء العصيبة تعرضت مساجد أخرى في أميركا وكندا وأوروبا للاعتداء وتكسير زجاج النوافذ، أو للحرق والتدمير الكامل.\nهذه الحوادث دفعت الكثير من المساجد لتكبد عشرات الآلاف من الدولارات فوق طاقتها لشركات "السكيورتي" والأمن، من أجل تأمين الصلوات، أو لشراء كاميرات المراقبة خوفاً من التهديد؛ حتى إن بعض المساجد تناقش إغلاق أبوابها في الأيام العادية، أو العمل ساعة صلاة الجمعة فقط.\nلقد أصبح مجرد التفكير في الذهاب إلى المسجد للصلاة في بعض المدن الغربية ذات الأقلية المسلمة، مغامرة غير محسوبة العواقب، وإنك لترى القلق والترقب والخوف من المستقبل في العيون.\nوترى الحيرة والشك وعدم الاطمئنان حاضر في كل مناسبة، فالأقلية المسلمة، كما تقول بعض التقارير، أصبحت أكثر أقلية مكروهة ومنبوذة في الغرب الآن.\nكيف سمح المجتمع الغربي المتحضر بهذا؟\nهذا السؤال يقودني لأهم درس تعلمته في هذه الفترة من حياتي، وهو درس أعمق وأبلغ من نقد المجتمع الغربي، أو إسداء النصح له؛ لأن مجتمعاتنا ذات الأغلبية المسلمة أولى بأن تتعلم هذا الدرس.\nأليس الشعور الذي تعيشه الأقلية المسلمة في الغرب هو نفس الشعور الذي تعيشه بعض الأقليات الدينية في بلادنا العربية والإسلامية؟ يا الله! كيف لم أفكر في هذا من قبل؟\nأنا على يقين أن كثيراً من أبناء "الأغلبية" في بلاد المسلمين لن يعي أبعاد ما أقول؛ لأنهم لم يجربوا ذات الشعور. نعم؛ لن يفهم الكثيرون أن "الصلاة" أو ممارسة "الشعائر الدينية" تمثل خطراً على حياة أبناء بعض الأقليات الدينية في بلادنا.\nأما أنا، فلأول مرة في حياتي أحس من أعماق قلبي بشعور الأقلية الضعيفة الخائفة، هذا الشعور الذي يعيشه "المسيحي المصري" إذا أراد الذهاب إلى الكنيسة، بعد تكرار حوادث تفجير الكنائس، وهو ذات الشعور الذي يعيشه "الأيزيدي أو المسيحي أو السني العراقي" عندما يكون الذهاب إلى كنيسة أو مسجد أو معبد عملية انتحارية.\nوهو عين الشعور الذي يعيشه "الشيعي السعودي" عندما يكون مجرد الإعلان عن مذهبه خيانة للوطن، وهو نفس الشعور الذي يعيشه "السني الإيراني" عندما يكون الإعلان عن مذهبه مغامرة قد تقوده إلى حبل المشنقة.\nوأنا هنا لا أضع جمهور المسلمين والعرب في موضع اتهام؛ لأنني أعلم أن الذين يهددون الناس في صلواتهم هم فئة متطرفة ومارقة من الإسلام والمسيحية ومن كل دين وملة.\nولكني أعلن لكم -وعن تجربة شخصية- أن مجرد "التعاطف" لا يكفي، ومجرد "الإدانة" لا تكفي، ومجرد "الحزن" أو "التألم" لتهديد الناس في صلواتهم لا يكفي.\nنعم.. لا يكفي؛ لأنني جربت تعاطف الأصدقاء في حالات الخوف، ووجدت أنه لا يكفي، ولا يغير شيئاً من الواقع.\nأنا لا أريد من أحد مواعظ عن قوة الإيمان والتوكل على الله، أو كلمات من التعاطف أو الرثاء؛ بل أريد أن يغير الناس من طريقة تفكيرهم ونظرتهم إلى الآخر، ولهذا أكتب عن هذه التجربة.\nوللحقيقة، فإن الأقليات المسلمة في الغرب أسعد حظاً من الأقليات الدينية في بلاد المسلمين، وذلك لأن الغرب ما زالت به "دولة القانون" قوية، ولا زال به "المجتمع المدني" حاضراً بقوة ضد التمييز العنصري (وفي هذا أمثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها).\nأما في بلاد المسلمين، فقد غاب المجتمع المدني، وغاب القانون، وغابت الحكومات -أو تآمرت- على الأقليات أو استعملتها كلعبة للابتزاز السياسي.\nإننا كأغلبية لم نفعل ما يكفي حتى تكون صلوات الأقليات وممارساتهم الدينية، عملاً طبيعياً، مريحاً، وليس مصدراً للخوف والقلق على حيواتهم، وما من شك أن هناك مشكلة فكرية ومجتمعية في المجتمعات الإسلامية سمحت بظهور النزعات المتطرفة ضد الأقليات، وقبلت بوجود الروح التبريرية لتلك النزعات.\nهذه المشكلة لا علاقة لها بأصل الإسلام، ولكنها من مخلفات عقود الانحطاط والجهل، التي رزحت تحت نيرها مجتمعاتنا حين من الدهر.\nوليس هذا الاعتراف صك براءة لأتباع الديانات الأخرى، فالأقليات المسلمة في كثير من بلاد العالم تعاني من التمييز والاضطهاد، وها هم مسلمو بورما وإفريقيا الوسطى وغيرها، يبادون دون أن يحرك العالم ساكناً، ولكن كل هذا لا يعطي لأحد صكاً أو مبرراً لترويع الآمنين والمسالمين من أتباع الديانات الأخرى في بلاد المسلمين.\nأما الأمر الثاني الذي تعلمته من هذه التجربة فهو أن "التعصب المذهبي" و"الكراهية الدينية" موجودان في كل المجتمعات، سواء كانت شرقية أم غربية، متقدمة أم متخلفة، متعلمة أو جاهلة، وإن كانت بدرجات متفاوتة.\nولكن الفارق الجوهري هو كيف يتعامل كل مجتمع مع هذه الظاهرة: هل يتجاهل؟ هل يبرر؟ هل يكتفي بالتعاطف؟ أم يأخذ خطوات عملية؟\nالدور الأهم يقع على المثقفين وأهل الرأي والفكر؛ إذ عليهم أن يأخذوا على عاتقهم تثقيف شعوبنا وتعليمها أن الحريات الدينية حق -غير مشروط- من حقوق الإنسان، كما أنها أصل من أصول الإسلام (لا إكراه في الدين)، والتسامح الديني هو أعلى درجات الرقي الحضاري والإنساني.\nوأخيراً، إذا كنا كمسلمين نحب لأنفسنا أن نمارس شعائر ديننا -في أي مكان- بحرية كاملة، فعلينا أن نسمح ونحب للآخرين بأن يمارسوا شعائر دينهم بحرية كاملة أيضاً، وإذا كنا كمسلمين نكره أن نكون "الأقلية المنبوذة" في أي مكان، فعلينا ألا نجعل من أي أقلية "أقلية منبوذة" بيننا.\nالتدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الخبر من المصدر