الأزهر في زمن الإرهاب.. بين حتمية التجديد وحسابات السياسة

الأزهر في زمن الإرهاب.. بين حتمية التجديد وحسابات السياسة

منذ 7 سنوات

الأزهر في زمن الإرهاب.. بين حتمية التجديد وحسابات السياسة

عقب الهجومين الإرهابيين اللذين وقعا في طنطا والإسكندرية، توجه شيخ الأزهر، في كلمة نقلها التلفزيون المصري مساء الأحد (التاسع أبريل/ نيسان 2017) إلى جموع المصرين قال فيها إن "الإرهاب الأسود لم يفرِّق بين مسيحي ومسلمٍ، ولكنه يستهدف أمن مصر واستقرارها ولن يفلح في ذلك".\nالإمام الأكبر أحمد الطيب كما يُوصف، يقدم بذلك على موقف الأزهر الرافض والمندد بالإرهاب وبقتل "النفس البريئة على غير وجه حق" والداعي إلى التسامح، في موقف عبّر عنها وبقوة عقب كل هجوم إرهابي استهدف المسلمين وغير المسلمين. \nلكن في ظل تغلغل الفكر الإرهابي المقيت بات الأزهر يواجه على الرغم من ذلك ضغوطات متزايدة لضرورة تبني المؤسسة السنية الأقدم والأعرق في العالم الإسلامي لعملية تجديد الفكر الديني. هذه الدعوات أطلقها رجال دين ومفكرين موزعين على بلدان إسلامية مختلفة، كما أطلقها أيضاً الجانب الرسمي في مصر ممثلاً في الرئيس عبد الفتاح السيسي.\nغير أن دعوة السيسي إلى ما أسماها "ثورة دينية" بداية العام الجاري، لا يمكن قراءتها من منظور خارج عن التطورات السياسية التي تشهدها البلاد. فالرئيس المصري الجديد الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد، يقود حرباً على مقاتلي "الدولة الإسلامية" في سيناء وضد جماعة الإخوان المسلمين، مصنفاً تنظيماتها الدعوية والسياسية كمنظمات إرهابية محظورة.\nالسيسي يحيل الأزهر "على التقاعد"\nهذا التوجه وما تبع ذلك من مواجهات أمنية راح ضحيتها العشرات جعلت أحمد الطيب يقف بوجه الرئيس "المستبد" كما يراه البعض، حتى قال له السيسي "تعبتني با مولانا"، وفق ما نشرته صحيفة "الإيكومونست" في مقال صادر في فبراير/ شباط الماضي التي تناولت فيه الخلاف بين المؤسسة الدينية المصرية والنظام بمصر.\nالأزهر لم ينساق نحو اعتماد النهج المرغوب، حقيقة أقرها فيما بعد وزير الثقافة حلمي النمنم قائلاً: "لم يطرأ تغير منذ دعوة الرئيس للتجديد". فقد عارض وفق "الإيكومونسيت" قرار الحكومة توحيد خطب الجمعة لقطع الطريق عن الأئمة المتشددين، كما رفض دعوة السيسي إلى اعتبار الطلاق الشفهي لاغياً مادام لم يُسجل في دوائر الدولة. \n"تمرد" الأزهر على السيسي جعل الكثيرين يرون في الدعوة التي أطلقها السيسي عقب تفجيري الكنيستين وموازاة لإقرار حالة الطوارئ لثلاثة أشهر، خطوة لسحب البساط من الأزهر في عملية تجديد الخطاب الديني. بل وتحدثت صحيفة العرب اليومية الثلاثاء (11 نيسان/ أبريل 2017) أنه وبهذا الإجراء يكون السيسي قد "أحال الأزهر على التقاعد من أحد مهامه الرئيسية المتمثلة في ملء الفراغ العقائدي والديني، وقيادة معركة فكرية حاسمة بصفته حامل لواء الإسلام السني في العالم".\nبعد مصرع سبعة مسيحيين على يد "داعش"، غادرت أسر وطلاب مسيحيون محافظة شمال سيناء. هذا في الوقت التي أدانت فيه كل من الكنيسة القبطية ومشيخة الأزهر ودار الإفتاء المصرية وحزب "مصر القوية" المعارض استهداف المسيحيين في مصر. (25.02.2017)\nبينما تبث الجماعات الإرهابية أفكارها لتجنيد الشباب شرقا وغربا حشدت مؤسسة الأزهر شبابها الدارسين بالخارج للتصدي لتلك الأفكار بوسائل منها بوابة بـ8 لغات. DW عربية تلقي الضوء على حرب الأزهر الإلكترونية ضد الفكر المتطرف. (15.01.2017)\nلا يواجه الأزهر انتقادات من قبل المؤسسات الرسمية فقط، بل يوجه له البعض الأخر تهمة "تدريس مناهج تحض على التطرف". ومن بين الأصوات المنتقدة للأزهر بهذا الخصوص المستشار أحمد عبده ماهر، الذي يعرف عن نفسه في حسابه على تويتر بأنه "محام بالنقض ومحكم دولي ومستشار قانوني وضابط سابق برتبة العميد... وضابط مخابرات سابق وباحث إسلامي".\nوفي حوار مع DW عربية هاجم ماهر مناهج الأزهر وقال بالحرف: "داعش والأزهر صنوان لهدف واحد؛ ألا وهو تأصيل الفكر القديم التراثي: إقصاء وازدراء المخالف والكراهية والعنصرية ضد الأديان الأخرى وضد المرأة. الأزهر لا يستحي أن يدرس دمويته في كتبه ومناهجه هدم الكنائس وقتل المرتد وقتل تارك الصلاة وقتل الأسرى وأخذ السبايا. الأزهر يدّرس وداعش يطبق".\nألم وحسرة لفقدان قريب في التفجير الإرهابي الذي نفذ صباح الأحد في كنيسة مار جرجس بطنطا أثناء حضور المؤمنين بكثافة في قداس"أحد الشعانين" في بداية "أسبوع الآلام" الذي يسبق عيد الفصح الذي يحتفل به المسيحيون الأقباط.\nتعرضت كنيسة مار جرجس في طنطا لتفجير خلال قداس"أحد الشعانين" الذي يحتفل به المسيحيون الأقباط. وسقط عشرات القتلى والجرحى في التفجير الذي أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عنه.\nمسعفوون ينقلون أحد ضحايا التفجير بكنيسة مار جرجس في طنطا ..وسط صدمة وذهول الحاضرين\nرجل يجلس على كنبة أمام كنيسة مار جرجس في طانطا إثر التفجير الدموي الذي هز الكنيسة في اثناء قداس أحد (الشعانين)\nقريب لأحد ضحايا الاعتداء الإرهابي الذي وقع أثناء حضور المؤمنين لقداس "أحد الشعانين" في كنيسة مار جرجس\nفريق الطب الشرعي أثناء جمع الأدلة من مكان الاعتداء داخل الكنيسة في طنطا المدينة الواقعة في دلتا النيل.\nزوار الكنيسة وأقارب ضحايا التفجير يحتشدون أمام مبنى الكنيسة الذي تعرض للتفجير\nيغص مبنى كنيسة مار جرجس في طنطا بالزوار وأقارب الضحايا. وجود عدد كبير من المؤمنين الذين حضروا قداسا جعل حصيلة الإعتداء الإرهابي مرتفعة.\nزوار وشهود عيان يقفون على آثار التفجير الدامي الذي وقع أمام كنيسة مار مرقس بمنطقة محطة الرمل، وهي الكنيسة الرئيسية للأقباط في الإسكندرية.\nحصيلة ضحايا إعتداء الاسكندرية في ارتفاع بسبب وجود مصابين في حالات خطيرة، حسب السلطات المصرية المختصة\nكنيسة مار جرجس التي تعرضت لإعتداء إرهابي الأحد هي كبرى دور العبادة للمسيحيين الأقباط بمدينة طنطا عاصمة محافظة الغربية.\nأدان البابا الفتكيان فرنسيس الإعتداء الارهابي على كنيستين في مصر وعبر عن تعازيه العميقة "لأخي قداسة البابا تواضروس الثاني وللكنيسة القبطية ولكل الأمة المصرية". ويأتي استهداف كنيسة مار جرجس في مدينة طنطا والكنيسة المرقسية بمحافظة الاسكندرية قبل ثلاثة أسابيع على زيارة البابا فرنسيس إلى مصر. إعداد: م/س\nومن بين الأمثلة التي يوردها ماهر على "شذوذ المناهج الدراسية للأزهر" - على حد تعبيره- كتاب "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع"، الذي يُدرس في ثانوي أزهري وكتاب "الاختيار لتعليل المختار" وكتاب "الروض المربع في شرح زاد المستقنع".\nويصف أحمد عبد ماهر هذه الكتب بأنها "عار على الفكر الإنساني". غير أن الباحث محمد عبد الفضيل، الباحث في علم مقارنة الأديان ومنسق مركز المرصد لمكافحة التطرف التابع للأزهر، يقول في معرض رده على ماهر: "من الظلم تقييم والحكم على نصوص قديمة كلاسيكية بمنظور العصر الحالي". ويتابع محمد عبد الفضيل في حوار معDW  عربية: "هذه الكتب لا تدرس كلها بشكل عام، بل يُدرس بعض الفصول والأبواب الخاصة منها والتي تتناول مواضيع فقهية مثل الطلاق والزواج والمواضيع الحياتية وليس مواضيع الجهاد وغيرها".\nويقدم المستشار أحمد عبده ماهر رؤية خاصة به لـ"إصلاح الأزهر" تتلخص أولاً في "إغلاق الأزهر لعشر سنوات، على الأقل، حتى نصنع فاصل بين هذا الجيل المهلهل فقهياً وفكرياً وبين الجيل الجديد الذي سيقدم الإسلام للعالم".\nولكن ما هي مواصفات هذا الجيل الجديد من الأزهريين؟ عن هذا يقول ماهر: "الجيل الجديد من الدعاة يجب أن يكون من حملة شهادات المرحلة الجامعية الأولى من كل التخصصات العلمية والأدبية والإنسانية. وبعد الانتهاء من الدراسة الجامعية الأولى يدخلون للأزهر للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه ويختصون بعلوم الدين، ثم بعد ذلك يصبحون دعاة". ويعتقد أحمد عبده ماهر أن هذا الجيل "سيقدم مذاقاً آخر لمعنى الدين".\nبيد أن محمد عبد الفضيل يقول في حواره مع DW عربية إن الأزهر "أجرى قبل عامين تقييماً لكل مناهجه وتم حذف أي مفردة أو عبارة أو موضوع من الممكن أن تُفهم أو تُفسر بشكل خاطئ"، مضيفاً بأنه "يتحدى أن يجلب أحد أي عبارات أو مفردات من المنهاج، وليس من الكتب المرجعية، تحرض على التطرف".\nو يرى عبد الفضيل أن الأزهر أدان بشكل رسمي وصريح الأحداث الإرهابية التي تتعرض لها البلاد، وأكد على الأخوة الإسلامية المسيحية في حواره الرسمي، وكذلك في مناهجه التعليمية.\nكما أنه أقام عدة مراكز لمحاربة التطرف مثل مرصد مكافحة التطرف والفتوى الإلكتروني ومركز الترجمة لمخاطبة الرأي العام العالمي، بالإضافة إلى "مركز بيت العائلة المصري" الذي يجمع بين أئمة مسلمين وقساوسة من أجل إيجاد خطاب مصري مشترك بمكونيه المسيحي والإسلامي يكون منفتحاً على الآخر. كذلك يقوم الأزهر بتدريس جميع المذاهب السنية، وأيضا العديد من المذاهب الشيعية من باب المقارنة. وهو ما يدلل على أن الأزهر مؤسسة منفتحة على جميع الاختلافات ولا تقوم على مبدأ الرأي الواحد.\nالباحث الأزهري أكد في حديثه على دور مؤسسات الدولة الأخرى في مكافحة التطرف في المجتمع ونشر الاعتدال والوسطية ويقول "هناك أمر هام يجب التأكيد عليه هنا، وهو أن بعض الأصوات تنتقد الأزهر في كل مناسبة من أجل إظهارها بموقف المقصر في عمله، وذلك خدمة لمصالحها. مكافحة التطرف عمل مهم وواجب على جميع المصريين إلا أنه ليس واجب الأزهر فقط".\nمكافحة التطرف تستوجب تكاملاً بين المنظومة الأمنية والجانب الفكري والتعليمي والتربوي، وهو ما يؤكد عليه عبد الفضيل بقوله: "دور الأزهر فقط منحصر هنا في الدور الفكري وهو ما يقوم به ضمن المراكز التابعة له. وهو ما يستدعي تكاتفاً ومسؤولية على مؤسسات أخرى عديدة موجودة في الدولة مثل وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم وصناع الفن ووزارة الإعلام ومؤسسات المرأة والطفل بالإضافة إلى مؤسسات الدولة الأمنية لذلك فإن تحميل الأزهر فقط أي تقصير حاصل هو غبن في حق الأزهر".

الخبر من المصدر