الشهيد مينا | المصري اليوم

الشهيد مينا | المصري اليوم

منذ 7 سنوات

الشهيد مينا | المصري اليوم

كان مينا مع غيره من أبناء «معموديته» ينخرط فى قداس العيد، يستحضر ما وقر فى «عقيدته» عن آلام السيد المسيح، عليه السلام، تتداخل فى داخله مشاعر المؤمن المُقدر لجلال ما يعنيه العيد دينياً، والمنطلق فى فرحة ما يمثله له هذا العيد من فرصة للبهجة والتقاط الأنفاس فى مشوار الحياة الصعب الزاخر بالتوترات.\nفى الكنيسة تعلم أن عقيدته وكنيسته طوال تاريخها قامت على الاستشهاد، وعلى أجداد سبقوا، واجهوا اضطهاد كل الإمبراطوريات القديمة بصلابة لا يدعمها سلاح سوى الإيمان.\nمثل غيره كان يظن أن كل هذا التاريخ الزاخر بالألم والتضحية والاستشهاد ماض مضى، يستحضره فى الصلوات والطقوس والأعياد. حتى عندما كان يجد غيره وكأنه مازال يسير على ذات الدرب الذى بدأته الكنيسة منذ قرون، ويسقط بسبب عقيدته فى تفجيرات واستهدافات لم يخل منها عهد ولم تنقطع مع نظام، كان يبكى ويتعاطف ويغضب. ربما يصرخ أو يسب فى سره أو فى العلن أو عبر كيبورد، يشارك فى صلوات تأبين من راحوا فى الإسكندرية أو الصعيد أو سيناء، يتذكر من يعرفه منهم، ويتألم فى استكانة.\nلوقت ظن أنه فى مأمن.. طنطا ليست كغيرها، لا فتن طائفية فى تاريخها، والنزعة الصوفية التى تضفى على تدين أهلها مزيجاً من الانفتاح والتسامح والقبول، وكأنه إشعاع المسجد الأحمدى الكبير ومريدى صاحب مقامه، ما جعل التجار الأقباط يتحلقون بجواره يمارسون بيعهم بأمان.\nكان يظن، لكن صباح العيد بدد ظنونه، لم يعد فى مأمن، بل الحق عرف، أنه لم يكن من الأصل فى مأمن لمجرد أن يد الغدر لم تصل له بعد. كان كمسافر ينتظر محطته، وكأن هذا الوحش ينادى عليه «الدور.. الدور».\nقبل لحظات من تطاير لحمه كانت الأحلام تتكاثر فى رأسه، عن المستقبل والنجاح والطموح والسعادة، لكنه لوهلة ومع استحضار معنى العيد ومناسبته، ربما سأل نفسه: أليس لى نصيب من هذه الآلام؟\nوالحق كان معه، فقد وجد له نصيباً، ووجد للجميع أنصبة، منهم من نالها ومنهم من يبدو واقفاً فى دور بلا حول أو قوة.\nمات «مينا» لأنه مسيحى، ولأنه مصرى، ولأنه من تلك المنطقة المنخرطة فى صراع سياسى لا ينتهى.\nكيف كان يمكن أن يغير قدره إذن؟\nإذا كان الوحش يحارب معركته السياسية فى كل مكان، وهو دائماً الحلقة الأضعف التى يسهل ضربها فى كل مرة. تتكرر السيناريوهات والاختراقات والاعتقادات والانتماءات وتبقى النتيجة واحدة.. مسيحيين يموتون غدراً لحظة صلاة.\nمات مينا لأنه مسيحى، سعى قاتله لاصطياده بسبب الصليب الذى يضعه فى باطن معصمه، وصوته الذى يتردد فى جنبات قاعة الصلاة، وإذا عاش كان سيبقى مشروع هدف محتمل، لا يعرف أين سيكون فى العيد التالى، وأين ستكون الضربة التالية.\nمات مينا غدراً ومعه عشرات غيره رجال ونساء ومسلمون أيضاً. مات مثل ضباط الشرطة وأفرادها، لكن هناك من سأل كثيراً وكثيراً جداً مستنكراً: «شهداء الوطن؟!»، لا تجد موقعاً إلكترونياً ينشر أسماء الشهداء إلا وفى التعليقات من يستنكر وصف الشهداء، ومن هؤلاء من يعتقد أن الانتحارى الذى فجر نفسه بالإسكندرية مثلاً أرسل ضحاياه المسلمين لمنازل الشهداء، ووضع المسيحيين فى خانة القتلى الخاسرين.\nمثل هؤلاء كثيرون وكثيرون جداً يعيشون بيننا، ليسوا إرهابيين، لم يحملوا السلاح ولم يستبيحوا الأرواح، لكنهم يملكون من أسس الاعتقاد والتفكير ما يجعلهم أقرب ذهنيا لمعسكر الإرهاب، وربما لديهم من التفهم ما يبرر جرائمهم، طالما أنها موجهة لآخر، مسيحى كان أو أى آخر مغاير.\nهؤلاء مثلهم مثل الإرهابيين، تربوا على كراهية الآخر وازدرائه، وعلى رخص حياته، واستباحة عرضه وماله، وأيضا مصادرة مصيره فى أبديته، هؤلاء كثيرون جداً فى المدارس والمساجد والمعاهد والنوادى والحكومة والأحزاب.\nإنهم يستكثرون على من ماتوا غدراً أن يكونوا شهداء لوطن أراد من قتلهم كسره وتركيعه.\nيؤمن مينا بأن آلام المسيح انتصرت للإنسان.. وربما يتمنى أن تنتصر آلامه للإنسان أيضاً كونه إنسانا، ودلالة هذا الانتصار أن يذكر اسمه موصوفاً بالشهيد، ولا يكون هناك من يتعجب أو يندهش أو يستنكر.\nما للوطن يمنحه، وما لله يبقى مصيره عند الله وحده.

الخبر من المصدر