ماجد الجلاد يكتب: مانيفستو ضد البدلة

ماجد الجلاد يكتب: مانيفستو ضد البدلة

منذ 7 سنوات

ماجد الجلاد يكتب: مانيفستو ضد البدلة

“ممنوع الاقتراب أو التصوير”، لافتة نراها على أسوار المناطق العسكرية الشائكة. جملة محفوظة نعرفها ونحترم نبرتها الصارمة، نعلم أن التوغل فى تلك المناطق قد يعرضنا للاعتقال فى أفضل الأحوال.\nالمواطن المدنى يحترم تلك اللافتة وإن لم تكن معلقة، فلم نسمع عن توغل بائع متجول داخل أحد المعسكرات يعرض بضاعته، أو رجل أعمال قرر أن يصبح ضابطا.\nلكن على النقيض، فالمجتمع المدنى بلا أسوار أو لافتات تحذيرية، فأى جهة أمنية -ناهيك عن المؤسسة العسكرية- حين تقرر التوغل فى حرم المجتمع المدنى لن يمنعها شيء. لا إحم ولا “دستور” ولن تتعرض لشيء سوى السخرية ربما.\nلكنك قد تعتقل أيضا لأجل سخرية!\nفمتى ترى القوات المسلحة لافتة المجتمع المدنى التحذيرية “غير المعلقة”؟!\nلماذا التوغل المفرط فى كل مناحى الحياة المدنية، بدءا من حليب الأطفال حتى مقعد الرئيس، مرورا بمقاعد المحافظين والهيئات المدنية والمؤسسات؟\nالقانون يجّرم انتحال صفة عسكرية ويقضى بعقوبة مشددة ومستحقة لمن يدعى ما ليس صفته، فى حين أن انتحال صفة مدنية تمر مر السكين فى البغاشة!\nالبعض حتى يعتبرها تنازلًا حين يخلع الجنرال زيه العسكرى ويرتدى بدلة مدنية، كأنه هبط بمستواه ومقامه الرفيع لينتشلنا نحن المدنيين من التخبط والعشوائية، فتكون النتيجة هذا الفشل الذريع الذى يغلف الوطن.\nنحن المدنيين لا نعرف شيئا عن أمور الجيش، لا ندرك الخطط والاستراتيجيات وأنواع السلاح المختلفة، مداها وطريقة وكيفية استخدامها، وكل هذه العلوم والخبرات العسكرية اللازمة لإدارة كيان عسكرى، لذا تخيل عزيزى الضابط حجم الكوارث التى تحدث حين يأتى مواطن مدنى ويستلم قيادة وحدة عسكرية لمجرد أنه ارتدى بدلة ميرى؟\nتخيل أنه أصبح رئيسا للأركان؟ أليست كارثة؟!\nوبالتالى حين يتوغل ضابط فى أمور لا يدركها كإدارة دولة “مدنية” وحياة سياسية قائمة على التنوع الأيديولوجي وحق الاعتراض، تحدث كارثة.\nالتاريخ الحديث أخبرنا أن المحافظ والرئيس القادم من القوات المسلحة لا يمكن أن يخلع تفكيره الصارم مع البدلة، الجيش المصرى أكبر من مجرد بدلة وهذا شئ إيجابي وعظيم على المستوى العسكرى، لكنه سلبى على المستوى المدنى.\nالقادم من مدرسة الجيش عاش واستقر سنوات على تراتبية الأوامر وتجريم النقاش وتقزيم الاعتراض إلى تظلم.\nإذًا من الطبيعى عندما يدير دولة “مدنية” أن يتحول حق الاعتراض إلى تظلم، وحق العمال إلى مطالب فئوية، وحق التظاهر إلى جريمة.\nفى نفس السياق تتم إدارة الحياة السياسية والطلابية بالقبضة الأمنية، فيتم تهميش المواطنة وأسئلة الاختلاف وتأجيج التقوقع الطائفى، وتعظيم رؤية الحاكم وتحويلها إلى قرارات ملهمة تنتج مشاريع عظيمة البروباجندا وعظيمة الفشل!\nفى هذا المناخ الاستقطابى، أصبح المطالبون بالحقوق المدنية عملاء، والمنادون بالحرية والديمقراطية خونة.\nأصبح الدين حزبا، والجيش حزب والشعب ضيف!\nأكتب هذا المانيفستو ضد البدلة المدنية التى تخفى وراءها ثوبا عقائديًا أو زيًا عسكريًا.\nأكتب ضد المواطنة التى تحولت إلى قومية، وضد الهوية التى تحولت إلى عقيدة.

الخبر من المصدر