الإمارات تطلق "التربية الأخلاقية" في المدارس... لكن من يحدد الأخلاق؟

الإمارات تطلق "التربية الأخلاقية" في المدارس... لكن من يحدد الأخلاق؟

منذ 7 سنوات

الإمارات تطلق "التربية الأخلاقية" في المدارس... لكن من يحدد الأخلاق؟

في مطلع العام الحالي، أدخلت الإمارات "التربية الأخلاقية" في منهاجها التعليمي. وبعد أقل من ثلاثة أشهر، اجتمع أكثر من 1300 مسؤول من مدارس حكومية وخاصة لوضع الخطط والتوصيات بهذا المنهج، تمهيداً لتطبيقه على المستوى الوطني.\nأجواء احتفالية رافقت ملتقى مديري المدارس ذاك، ترحيباً بتلك المبادرة التي تهدف إلى تعزيز الأخلاقيات والتطوير الذاتي والمجتمعي والثقافة والتراث والتربية المدنية والحقوق والمسؤوليات في المنظومة التعليمية.\nوكان قد بدأ تطبيق المنهاج تجريبياً في 52 مدرسة، بينما ناقش المسؤولون في اللقاء اليوم آليات التطبيق التي تتلاءم مع المجتمع الإماراتي والحواجز والأدوات الأكثر فعالية.\nوتزامناً مع الحدث، تصدرت وسوم "التربية الأخلاقية في الإمارات"، و"التربية الأخلاقية" و"UAE moraleducation" صفحات التويتر في الإمارات، محتفية بإطلاق ديوان ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لهذه المادة. وشارك المغردون أقوال ولي العهد والمسؤولين حول ضرورة اعتماد الأخلاقيات كأساس لديمومة الشعوب التي لا تقوم بالعلم وحده.\nمعالي د #علي_النعيمي: طموحنا أن تكون التربية الأخلاقية في الإمارات نمط حياة وليست مجرد مناهج تدرس #التربية_الأخلاقية_في_الإمارات pic.twitter.com/80GBmFqrWy\n— مجلس أبوظبي للتعليم (@ADECTweet) March 13, 2017\nوفي هذا الإطار، تم استعادة تجارب ناجحة لدول أخرى جعلت الأخلاقيات مادة أساسية في مناهجها. على رأس هذه الدول تأتي اليابان التي يدرس فيها الطلاب مادة تدعى "الطريق إلى الأخلاق"، وفيها يتعلم الطالب أساليب التعامل مع الناس واحترام الآخر.\nأكثر من ذلك، فقد أصدرت الحكومة اليابانية وثيقة توجيهات تجعل تعلم العادات الأخلاقية الجيدة التي كانت سائدة في حقبة إيدو، أي قبل حوالي ثلاثة قرون، مادة أساسية في المدارس في العام 2018.\nوتتضمن المادة الجديدة تعليم الأطفال أدق التفاصيل المتعلقة بمستوى الصوت ودرجة الانحناء عند التحية وطريقة المشي ومخاطبة الآخرين بحسب العمر وغيرها. وكانت الحكومة قد عزت قرارها إلى تراجع مستوى أخلاق طلاب المدارس الابتدائية وعلاقة ذلك بتزايد معدلات الجريمة.\nخلال السنوات الماضية، اجتمع الكثير من الباحثين الأكاديميين على المطالبة بعودة الأخلاق إلى المنهاج التربوي، بعدما بات النظام الحديث يعلي المؤهلات والإمكانيات العلمية على كل ما عداها.\nفي إحدى أوراقه البحثية، يسأل الباحث الأمريكي في جامعة هارفارد ريتشارد ويسبورد عن التطور الأخلاقي فيقول "كيف يمكن أن نزرعه بطريقة ناجحة؟ وكيف نحول الاهتمام إلى الأخلاق في مجتمع بات يهتم أكثر بالنجاح الأكاديمي؟".\nشارك غردباعتمادها مادة التربية الأخلاقية، الإمارات السباقة بتحقيق مطلب يشغل الكثير من المسؤولين في الدول المتقدمة\nشارك غردعلامات استفهام كثيرة حول مادة الأخلاقيات في الإمارات، أبرزها مفهوم الأخلاق الفضفاض والاستنسابية في تفسيره\nيوضح ويسبورد بما لا يقبل الشك أن "لا تطور مأموناً وواعداً إلا بحد أدنى من الأخلاقيات، ومن يدعي غير هذا يبدو مضللاً بشكل كبير"، محذراً من خطر "انعدام وتراجع وتضارب المفاهيم الأخلاقية... والذي قد ظهرت ملامحه في قطاعات عديدة".\nوفي مقال له في مجلة "ذا أتلانتيك"، يشرح الأستاذ بول بارنويل تفاصيل تجربته مع تلاميذه، معبراً عن صدمته من تراجع القيم الأخلاقية في المنظومة التعليمية، ومؤكداً على أنها باتت حاجة ملحة.\nعندما سأل بارنويل طلابه عما إذا قام أحد ممن يعرفونه ويحبونه بأذية مجموعة من الأشخاص، فهل يبلغون عنه. أجمع التلامذة على الإجابة بلا، متجاهلين من تعرض للأذى على حساب المشاعر الشخصية.\nيعرب الأستاذ عن أسفه إزاء هذا الواقع، ليسأل طلابه لاحقاً عما "إذا كان هناك حاجة لتعليم الأخلاقيات في المدرسة"، فأتاه الجواب بالإجماع على الموافقة.\nبدوره يشير الباحث التربوي أنتوني هولتر إلى الوضع السوداوي الذي يسيطر في بيئات الشباب والمراهقين من الانتحار إلى المخدرات والعنف والإباحية والاغتصاب والجرائم، معلقاً بالقول "نحتاج لتربية أخلاقية متينة، بل ويجب أخذها على رأس أجندات التطوير".\nهكذا يبدو الاحتفال بهذه الخطوة من الإمارات مفهوماً، فهي قد سبقت على تحقيق مطلب يشغل الكثير من المسؤولين في الدول المتقدمة، وما زال غائباً في العديد منها على حساب التباهي بالتحصيل العلمي، الذي يأتي في أوقات كثيرة على حساب الأخلاقيات الإنسانية.\nولكن، في المقابل، ثمة الكثير من المحاذير التي يتم تداولها بشأن مادة "الأخلاقيات"، فهي تحمل وجهاً سلبياً على صعيدين، الأول عالمي مشترك بين كافة الثقافات والمناهج التعليمية. والثاني عربي سببه مفهوم الأخلاقيات الفضفاض في الدول العربية، والاستنسابية في تفسيره بين الدين الإسلامي من جهة والعادات الاجتماعية الشرقية من جهة أخرى.\nبالعودة إلى بحث ريتشارد ويسبورد، يحذر من السقوط في فخ "الببغائية" في مادة "الأخلاقيات"، فيقول: "جدران المدارس تمتلئ بكلمات تعبر عن القيم، ويتم تكرار أهميتها في الفصول وفي مناسبات مدرسية عدة"، وعليه بحسب ووسبورد "إن أكثرية الطلاب يكونون على علم بالمصطلحات الأخلاقية منذ عمر السادسة، أما المراهقين فيشعرون بأنهم يلقنون من قبل الأهالي محاضرات عن الأخلاق… هكذا يصبحون بارعين في تكرار ما يود الكبار سماعه مثل الببغاوات".\nمن هنا، يشرح ويسبورد أن التحدي يكمن في جعل التربية الأخلاقية حاضرة بقوة في الحياة اليومية للطلاب، وفي جعلها سبيلاً للتميز، يبدأ من المدرسة".\nثمة مشكلة أخرى تظهر في مضمون مادة الأخلاقيات بناء على المجتمع المحيط، فبينما يتم تعليم القيم وحث الشباب على التفكير بالمشاكل من منظور أخلاقي، يفتقر العالم اليوم إلى تعريفات كثيرة مرتبطة بالمفاهيم الأساسية في منظومة الأخلاق.\nيمكن هنا الاستعانة بما كتبه مدير إحدى المدارس البريطانية بيتر تايت قائلاً "تنشغل الحكومة في تعليم القيم وصقل الشخصية البريطانية في المدارس، لكن المشكلة تكمن في انعدام الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية بين الشباب... يبدو أننا بحاجة إلى إعادة تعليم الأخلاق منذ البداية".\nوفي الجانب العربي، تبرز نقطة أساسية تدفع إلى مقاربة مادة "الأخلاقيات" في المناهج التربوية بشكل حذر.\nلم يتفق العالم حتى اليوم، وبعد قرون من النقاش بين الفلاسفة والمفكرين، حول ما إذا كانت الأخلاق مطلقة أم نسبيّة. وبالتالي لا يوجد تعريفات موحدة ومطلقة حول سلّم الأخلاقيات الذي يسيّر المجتمع.\nإضافة لذلك، ما زالت الأخلاقيات في مناطق كثيرة من العالم العربي تتصارع بين أخلاقيات الدين وأخلاقيات المجتمع ونزعة الفردية المتزايدة. هذه الأخلاقيات وإن كانت تتلاقى في ما بينها في مناسبات عديدة، إلا أنها تتناقض كذلك لتصبح استنسابية وفضفاضة في العديد من المواقف.\nقبل أيام، انشغلت بعض الصحف العالمية بقصة الشاب الجنوب أفريقي والفتاة الأوكرانية اللذين أودعا في السجن في الإمارات بعدما تم اكتشاف حمل الفتاة. وفي تفاصيل القصة، أن الفتاة كانت قد ذهبت برفقة خطيبها إلى الطبيب بعد شعورها بآلام في المعدة، ليكتشف الأخير أنها حامل ويتصل ليبلغ الشرطة عنهما لعدم امتلاكهما وثيقة زواج رسمية.\nفي ما نقل عن ذوي المعتقلين ما يعبر عن صدمتهم من "قرار مجحف بحبس شخصين لمجرد أنهما يحبان بعضهما البعض". وفي هذا المثل، ما يظهر أن "الأخلاقيات" نسبية باختلاف الشعوب والأفراد، فكيف يمكن توحيدها ومحاسبة الآخرين بشكل صارم لعدم تطبيقها؟\nفي الجانب الآخر من هذه المسألة، تُثار كذلك قضية الأخلاقيات الدينية التي باتت تخضع لاستنسابية كبيرة في التفسير.\nيشكل الدين أساس المنظومة الأخلاقية التي يجري تعليمها في العالم العربي، من هنا تطرح أسئلة كثيرة عن مستقبل هذه المادة وما ستزرعه في نفوس أجيال عديدة، بات يحاصرها التطرف والمعايير الإقصائية في كل حدب وصوب، من المنزل إلى الشارع ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؟\nصحافية لبنانية. عملت في صحيفة السفير، ثم مراسلة لقناة الجديد اللبنانية، وقناة فرانس24 الناطقة باللغة العربية.

الخبر من المصدر