البيت المرتب قسوة على الطفل وسرقة لطفولته

البيت المرتب قسوة على الطفل وسرقة لطفولته

منذ 7 سنوات

البيت المرتب قسوة على الطفل وسرقة لطفولته

البيت المرتب على الدوام سرقة لطفولة الطفل، وقتل لخيال حي ينبض، خيال يتعامل مع العالم بمنطق خاص جدا هو منطق الدهشة.\nالعرب لمياء المقدم [نُشر في 2017/03/03، العدد: 10560، ص(21)]\nإذا كان لديك أطفال وبيتك على الدوام مرتب ومنمق ونظيف وكل شيء في مكانه تماما، فأنت أب سيء أو أم سيئة! هل يبدو هذا الحكم قاسيا؟ هو كذلك، لأن البيت المرتب على الدوام في ظل وجود أطفال، يعني أن حرمانا وجبروتا وسلطة قوية تمارس على أطفال البيت.\nالبيت المرتب الأنيق على الدوام يعني أن طفولة تسرق من أصحابها، وخيالا يسجن، وروحا تطفأ.\nيتعلل بعض الآباء بأن الطفل يملك مساحته الخاصة به لممارسة فضوله وتجاربه وإطلاق العنان لخياله إما في غرفته الخاصة وإما في أحد أركان البيت المخصصة له ولألعابه، لكن الطفل يعرف في مرحلة ما من نموه فضولا لا حد له ورغبة ملحة وقاهرة لا قدرة له على ردها، لاكتشاف كل شيء من حوله، وليس فقط ألعابه: يريد أن يفتح الخزائن ويرى ما بداخلها، فربما عثر على أحد أبطاله المفضلين نائما هناك، واضعا قدما على قدم ويشخر، أن يمزق الكتب ليكتشف ما تخفيه الورقة خلفها، ويتلذذ بصوت الأحرف فلا بد أن لها صوتا أيضا تخفيه بين ألوانها، أن يجر الكراسي من أقادمها ليعرف إن كان قادرا على حملها كما تحمله، أن يجذب الستائر لأنها تخفي عنه ضوءا خلابا وعالما جميلا يحب أن يراه، ولأنها لا تريد أن تتحول إلى فراشات، أن يخلط الحليب بالتراب، ماذا في ذلك؟ أليس التراب بلون الكعك وله رائحة الأجساد؟ أو يمشي على عجين الخبز بقدميه، لأن ملمسه ناعم، ولأن الخبز يعجن دائما بالأيدي، ما بها الأقدام؟\nكل هذا وأكثر بكثير يجول في خيال الطفل وهو يتحرك في البيت: الجدران ورقة بيضاء ضخمة مغرية للكتابة والشطب، الأبواب لا تقل إغراء، النوافذ تأخذ إلى السماء مباشرة لذلك لا ضير من القفز، سينبت لك جناحان في اللحظة المناسبة، الأسرة بحور كبيرة والوسائد أسماك ببطون منتفخة لو فتحتها لوجدت داخلها طيورا تتقافز وربما سحبك أحدها من يدك لتذهب معه إلى الغابة وتعود قبل أن يسقط الليل، الأواني ليست للطبخ فقط، من قال ذلك؟ إنها هناك أيضا من أجل الموسيقى والحديث مع الأشباح. كل شيء يتكلم، كل شيء يتنفس في خيال الطفل ويحيا، فكيف تريد أن يكون بيتك مرتبا؟\nالبيت المرتب على الدوام سرقة لطفولة الطفل، وقتل لخيال حي ينبض، خيال يتعامل مع العالم بمنطق خاص جدا هو منطق الدهشة.\nهل نترك الأطفال يفعلون ما يشاؤون بالبيت وأثاثه وأصحابه؟ نعم نتركهم يفعلون، الأمر الوحيد الذي يجب أن يراعى في هذا الأمر هو سلامتهم، أي ألا نتركهم يعرضون أنفسهم لخطر ما، إذا مشى طفلك على الخبز لا تعاقبه، امنحه تلك الخبزة لأنها كفت عن أن تكون خبزة وأصبحت غيمة طائرة في السماء، ألا ترى ذلك؟ هل فقدت عينيك؟ لا تنزله من سمائه، حلق معه إن استطعت وإن لم تستطع دعه لرحلته، وإذا قطع ورقة من كتاب، اسحب الكتاب واعطه كراسا مثلا ليقطع أوراقه، اقطع معه إذا لزم الأمر، وشاركه دهشة العدم.\nإذا جر الكرسي من قدمه إلى مكان آخر في البيت جرب أن تفهم لغته، وأن تنظر إلى بيتك بعينيه، أن ترى الزوايا التي لم ترها من قبل، ربما لم تكن موجودة أصلا قبل أن يكتشفها هو. الزوايا نفسها التي ترفع البيت على شجرة أو تدفعه كمركب في الماء، فما البيت إذا لم يجعلنا نتأمل النجوم والقمر من خلال سقفه؟ إذا خلط الحليب بالتراب فهذا شراب مناسب تماما للوردة في شعر أمه.\nأما لماذا أخاطبك بصيغة المذكر، والأولى أن أقول افعلي وقولي كما هو معتاد في تربية الأطفال الموكولة دائما للأم، فلأنني توقفت منذ زمن بعيد جدا عن رؤية البشر كبشر وعن تلمس الفرق بينهم، وأتعامل معهم على أنهم جدول واحد يجري بالحياة والم\n- نقلاً عن صحيفة العرب\nالتدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الخبر من المصدر