عن توفير الدعم المناسب لمستحقيه

عن توفير الدعم المناسب لمستحقيه

منذ 7 سنوات

عن توفير الدعم المناسب لمستحقيه

يبدو أن هناك اتجاها داخل الحكومة للتحول لنظام الدعم النقدى بدلا من الدعم العينى بدعوى محاربة الفساد والوصول بالدعم إلى مستحقيه. ومما لا شك فيه أنه من المهم أن يكون هناك مراجعة مستمرة لسياسات وبرامج الحماية الاجتماعية المطبقة منذ فترة طويلة بغرض دراسة مدى صلاحيتها وجدواها فى الفترة الراهنة ومن ثم تغييرها أو الإبقاء عليها مع إجراء تعديلات عليها لتطويرها وزيادة فعاليتها.\nويحظى موضوع الدعم باهتمام كبير من جانب مصر وأيضا مختلف دول العالم ذلك لأنه يهدف إلى تخفيف حدة الفقر عن طريق مساعدة الفقراء على تلبية احتياجاتهم الأساسية والتى لا تتيح لهم ظروفهم المالية الحصول عليها مثل الحصول على الغذاء أو التعليم أو الرعاية الصحية.\nوبخلاف ما يعتقده البعض فإن الدعم ليس مقصورا على الدول الفقيرة أو النامية فقط ولا توجد دولة واحدة فى العالم تقريبا إلا ولديها شكل من أشكال الدعم، بل أن أفضل وأكبر برامج الدعم موجودة فى الدول المتقدمة التى تقدم دعما للفقراء وتعليما مجانيا وتأمين صحى لجميع المواطنين تقريبا.\nكما يوجد عدد كبير من الدول مثل سويسرا والدنمارك وغيرهما تقدم إعانات بطالة سخية لفترة طويلة للمتعطلين عن العمل، وفى الولايات المتحدة الأمريكية هناك عدد كبير جدا من برامج الدعم مثل دعم الغذاء ودعم المرأة المعيلة ودعم أصحاب الإعاقات وذوى الاحتياجات الخاصة وبرنامج التأمين الصحى لكبار السن Medicare وهو ليس له علاقة ببرنامج التأمين الصحى المختلف عليه حاليا.\nتظل المشكلة الأكبر فى برامج الدعم هى أنها تكلف خزانة الدولة مبالغ ضخمة للغاية، فوفقا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD تعتبر فرنسا هى الأعلى إنفاقا على برامج الدعم حيث أنفقت عام ٢٠١٦ على سبيل المثال ٣١,٥٪ من ناتجها القومى على برامج الحماية الاجتماعية وأنفقت الولايات المتحدة حوالى ١٩٪ وهو أقل قليلا من متوسط انفاق الدول الأعضاء بالمنظمة وذلك بالطبع بخلاف الإنفاق على الصحة والتعليم.\nوبالتالى هناك ضرورة ملحة فى تحقيق أكبر استفادة ممكنة من تلك البرامج عن طريق تحديد من هى الفئات المستحقة للدعم وما هى أفضل الطرق لاستهداف هذه الفئات لضمان توصيل الدعم لمستحقيه. وبناء عليه تضع الدولة شروطا ينبغى توافرها للفرد مستحق الدعم وهى شروط تتعلق بدخل الفرد وممتلكاته إذا كان الدعم موجها للفقراء أو لو كان الدعم موجها لأصحاب الإعاقة فيتم الكشف الطبى على الشخص لتحديد نسبة إعاقته ومستوى العجز عن العمل وغيرها من الشروط التى تتحدد بحسب الفئات المستهدفة.\nلكن تظل المشكلة دائما ــ وخصوصا إذا كان برنامج الدعم يغطى عددا كبيرا من المواطنين هى صعوبة التغلب على تلاعب الكثير من غير المستحقين للدعم، وهو التحدى الكبير الذى تواجهه الحكومة المصرية فى عدم وصول الدعم لمستحقيه. فنظام الدعم العينى أو ما نعرفه فى مصر بنظام التموين يعانى من أوجه قصور شديدة تتمثل فى وجود عدد كبير ممن يستفيدون من نظام التموين بدون وجه حق، إضافة إلى عدم القدرة على الوصول للكثير من الطبقات الفقيرة للغاية، وقلة الحصة التموينية ونوعية السلع المقررة لكل فرد. وهو ما استدعى قيام الحكومة بعملية تنقية لبطاقات التموين لاستبعاد غير المستحقين وهى خطوة جيدة وإن كان تطبيقها صعبا ويستلزم وقتا طويلا وسبق لجريدة الشروق أن نشرت لى مقالا يتناول هذا الأمر بالتحديد فى عدد سابق.\nيقترح البعض فى مصر الآن إلغاء نظام التموين فى صورته الحالية والتحول لنظام الدعم النقدى ـ أى إعطاء المواطن مبلغا نقديا يصرف بشكل دورى. على اعتبار أن ذلك من شأنه ضمان وصول الدعم لمستحقيه والقضاء على الفساد الموجود فى النظام الحالى.\nووفقا لتجارب الدول الأخرى فلا يمكن القول بأن الدعم العينى أفضل أم الدعم النقدى حيث أن لكل منهما سمات مختلفة ومن ثم يتم الاختيار بينهما يكون بحسب ظروف كل دولة وإمكانياتها، وإن كنت أتصور أنه فى حالة مصر فإنه من الأفضل استمرار نظام دعم السلع الغذائية ـ مع تطويره وإصلاحه بالطبع ـ وذلك لسببين رئيسيين أولهما أنه فى ضوء ارتفاع معدل التضخم بصورة مستمرة تنخفض القيمة الشرائية للمبلغ الذى يتم تحويله للأسر الفقيرة حال الأخذ بنظام الدعم النقدى وبالتالى يقل استهلاكهم للسلع الغذائية بشكل مستمر وهو ما لا يحدث مع الدعم العينى الذى يحصل بمقتضاه المواطن على حصة ثابتة من السلع.\nالسبب الثانى هو أن الدعم النقدى قد يؤدى إلى مزيد من صعوبة الاستهداف والوصول للمستحقين. فنظام التموين فى مصر مثل غيره من برامج الدعم العينى حول العالم يعتمد على فكرة الاستهداف الذاتى Self Targeting Subsidy والتى تعنى ببساطة أن السلعة المدعمة تكون أقل جودة من السلع الموجودة فى السوق وبالتالى لا يقبل عليها إلا من كان محتاجا إليها بالفعل، بخلاف الدعم النقدى الذى قد يسعى أى شخص للحصول عليه حتى ولو لم يكن محتاجا أو مستحقا له. وعلى سبيل المثال المنظومة القديمة للخبز المدعم فى مصر كانت تتيح لأى شخص شراء الخبز البلدى بالسعر المدعم ومع ذلك كان معظم الإقبال عليه من جانب الفئات الأقل دخلا. وبالنظر إلى أننا نعانى أساسا من أزمة وجود ملايين من عدم المستحقين فى نظام التموين فإن الوضع سوف يكون أصعب بكثير حال إقرار الدعم النقدى.\nأخيرا لا أعتقد أن الدعم النقدى كما يصوره البعض حاليا سيساهم فى تقليل الفساد فى منظومة الدعم، فالفساد فى أى مكان سببه الرئيسى هو ضعف الرقابة والمسئولية والمحاسبة وعدم وجود إطار قانونى رادع للمخالفين، فإذا لم نستطع التعامل مع الفساد فى نظام التموين فلن نستطيع التعامل معه أيضا فى الدعم النقدى.\nمدرس مساعد السياسات العامة بجامعة أوريجون

الخبر من المصدر