«الغداء الغامض».. سر عبدالناصر ورابين فى «حرب 48»

«الغداء الغامض».. سر عبدالناصر ورابين فى «حرب 48»

منذ 7 سنوات

«الغداء الغامض».. سر عبدالناصر ورابين فى «حرب 48»

كشف فيلم وثائقى، عُرض لأول مرة فى نيويورك الشهر الماضى، عن أن الزعيم المصرى جمال عبدالناصر التقى إسحق رابين خلال حرب 1948، وناقشا احتمالات السلام فى الشرق الأوسط.\nكان اللقاء مفاجئًا، ولا يحمل أى صفة رسمية، خاصة أنّ عبدالناصر – فى ذلك الوقت – كان ضابطًا صغيرًا بالجيش المصرى برتبة «صاغ»، خلال فترة الملكية، ويخوض أولى حروبه بفلسطين، وألقت مجموعة من الضباط الإسرائيليين والمصريين أسلحتهم وسط الحرب وعقدوا جلسة ودية للتفاوض فى إنهاء الحرب، وبحث «احتمالات السلام».\nوأشار الفيلم، الذى حمل عنوان «شالوم رابين» للمخرج عاموس غيتاى، إلى أنّ رجلين أصبحا زعيمين لبلديهما وعدوين لدودين التقيا خلال حرب 48 وبدأ بينهما حد أدنى من الثقة.\nيروى «رابين»، خلال الوثائقى، أجواء اللقاء، قائلًا: «الضباط الإسرائيليون دعوا نظراءهم المصريين للقاء بعد أن حاصروا كتيبتهم فى الفالوجا، وكنت قائدًا للقوات الخاصة المقاتلة المسماة (الماخ)». وادَّعى «رابين»، الذى كان يحمل رتبة «لفتنانت كولونيل»، أنه عرض على عبدالناصر وبقية الضباط المحاصرين أن يأتوا لتناول طعام الغداء فى كيبوتس غات الإسرائيلى، ولبّوا الدعوة على وعد بأن يعودوا إلى معسكرهم بسلام. \nوأوفى الإسرائيليون بوعدهم، ما كان مفاجئًا للضباط المصريين، كما يؤكد الفيلم. ووفق قول رابين، فإن ناصر «جلس بجوارى، ونظر إلى شعار الماخ وسألنى: ماذا يعنى؟.. وشرحت له معناه، ثم قال لى إن الحرب التى نخوضها هى الحرب الخطأ ضد العدو الخطأ فى الوقت الخطأ».\nويكشف «رابين» انطباعه عن «لقائه الصدفة» الذى جمعه بعبد الناصر قبل 4 سنوات من تولى الضابط المصرى حكم مصر: «ترك لديّ آمالًا كبيرة فى أن إطاحة ناصر بالملكية عام 1952 ستؤدى إلى السلام بين العرب وإسرائيل».\nويضيف عن «خيارات السلام» التى كان مطروحة: «كنا قريبين للغاية من السلام وما حدث حدث وهو ذهب فى الاتجاه المعاكس. أظن أن الطريق أطول بكثير مما كنا نتمنى».\n وبالنسبة إلى عبد الناصر، فقد كان مهزومًا على طول الخط خلال مواجهاته الثلاث مع رابين «الأولى 1948، والثانية 1956، والثالثة 1967»، ففى الحرب التى خاضها عبد الناصر كرئيس، وقادها «إسحق» رئيسًا لأركان حرب الجيش الإسرائيلى، وحشد خلالهاالأول عشرات الآلاف من المجندين المصريين فى سيناء، هُزِم، وكانت الهزيمة الكبرى فى حياته، حتى خفّفها هيكل، الصحفى المقرّب من دوائر الحكم، بتسميتها «النكسة».\nوردت قصة «لقاء الصدفة» ذاتها فى يوميات عبد الناصر، ولكن دون ذكر اسم القائد الإسرائيلى الذى دعا الكتيبة المصرية المحاصرة فى الفالوجة، ربما لم يتذكر عبد الناصر أنه هو، إسحق رابين، وربما امتنع عن النشر، واكتفى بوصفه بـ«القائد اليهودى».\nورجَّح متابعون أن يكون القائد الذى فضَّل عبد الناصر الإشارة إليه بـ«لقب كودى» هو الجنرال الراحل إيجال ألون، قائد القيادة الجنوبية الإسرائيلية فى ذلك الوقت، ولم تعقّب ابنة «ناصر» حتى الآن على الفيلم بالنفى أو التأكيد واكتفت بالصمت.\nوالقصة كما وردت على مسؤولية «ناصر» كانت أنّ ضابطًا إسرائيليًا اقترب من الفالوجا فى سيارة مدرعة رافعًا راية بيضاء، واتفق الجانبان على أن يجتمعا فى غات فى اليوم التالى 11 نوفمبر 1948.\nوروى «عبدالناصر» فى يومياته، التى حملت عنوان «ستون عاما على ثورة يوليو – الأوراق الخاصة»، وجمعتها نجلته هدى، ونشرتها عن الهيئة العامة للكتاب المصرية، اللقاء بالتفصيل: «قوبلنا مقابلة حسنة.. واجتمعنا مع اليهود وتكلم القائد اليهودى وقال إنه يرغب فى أن يمنع سفك الدماء وإن موقفنا ميئوس منه وطلب أن نسلم فاعترض القائد المصرى وطلب الانسحاب إلى غزة أو رفح فمانع اليهود، وقالوا إنهم يوافقون على شرط أن يخرج الجيش المصرى من كل فلسطين».\nوطلب ناصر وكتيبته، كما ذكر فى يومياته إخلاء الجرحى إلى غزة ولكن الجانب الإسرائيلى رفض ذلك، وقال إنهم مستعدون أن يعطونا ما نرغب من الأدوية. \nوأخيرًا خرجنا، وقدموا لنا عصير برتقال وبرتقالا وساندويتشات وشوكولاتة وملبسًا وبتى فور وبسكويتًا».\nوتوفى عبد الناصر عام 1970 لأسباب لا تزال مجهولة حتى الآن، وتحوم حولها عدّة روايات أشهرها التسمم واتهام الرئيس الراحل أنور السادات بالتورط فيها، ما يدخلها من باب الوفيات الغامضة فى التاريخ، إلا أنّ «رابين»، صاحب الشعبية الكبرى فى تل أبيب، اغتيل برصاص مسلح يهودى معارض لمفاوضات السلام مع فلسطين فى نوفمبر 1995، تاركًا وراءه اعترافاته وروايات عدّة حول الحرب والسلام وحياته الشخصية مسجّلة على أشرطة تفرج عنها أجهزة إسرائيلية بمرور الوقت.\n ومن بين الروايات قصة «لقاء الصدفة» الغامض مع عبد الناصر، الذى كشف عنه الفيلم الوثائقى، الذى أخذ حيزًا من الجدل على الساحة فى إسرائيل، ولولا أنه لم يعرّب أو تصدر عنه ترجمة مصرية لمسّ جراحًا وضغط على شرايين أزمة «الصراع المصرى الإسرائيلى»، التى تحتفظ بحساسيتها حتى الآن رغم اتفاقية السلام، التى وقعها أنور السادات عام 1978.

الخبر من المصدر