أزمة المصريين مع الدواء تتفاقم وسط تناقصه وارتفاع سعره.. وأصابع الاتهام تشير إلى هؤلاء

أزمة المصريين مع الدواء تتفاقم وسط تناقصه وارتفاع سعره.. وأصابع الاتهام تشير إلى هؤلاء

منذ 7 سنوات

أزمة المصريين مع الدواء تتفاقم وسط تناقصه وارتفاع سعره.. وأصابع الاتهام تشير إلى هؤلاء

يواجه سيد العربي، صانع أحذية من جنوب القاهرة يبلغ من العُمر 69 عاماً، كل شهر مشكلة مادية للحصول على دواء القلب "بلافيكس" لزوجته.\nيبدو أن الأمر لا يتغير إلا للأسوأ؛ فقد ارتفع سعر عبوة واحدة من الدواء من 205 جنيهات (11 دولاراً) إلى 275 جنيهاً (14.70 دولار) في بضعة أيام، وفقاً لموقع ميدل إيست آي البريطاني.\nيقول سيد وهو يجفِّف دموعه: "لا يتعدى معاشي 369 جنيهاً (19.7 دولار) وتصل تكاليف أدوية زوجتي شهرياً لأكثر من 250 جنيهاً (13.21 دولار)، والحل الوحيد أمامي هو عدم شراء الدواء.. هذا حرام".\nشُخِّصَت حالة صابرين زوجة العربي، البالغة من العُمر 59 عاماً، بمرضٍ خطيرٍ في القلب، في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، واحتاجت إلى إجراء عملية جراحية عاجلة، ووصف لها الطبيب بلافيكس لتتناوله يومياً إلى جانب أدويةٍ أخرى.\nوبسبب دخله المحدود، حاول العربي إقناع الصيدلي الموجود بجواره بأن يبيع له حبتين في كل مرة يذهب إليه للصيدلية مقابل 15 جنيهاً (0.79 دولار)، بدلاً من شراء عبوة كاملة لا يستطيع تحمل تكلفتها، لكن الصيدلي رفض ذلك، وحتى إن وافق، فلن يتمكن العربي من شرائه، فدواء بلافيكس ليس متوافراً على الدوام في الأسواق.\nوبالإضافة إلى ذلك، يعاني العربي من أزمات صحية أيضاً، فوراء النظارات السميكة يخفي عينه اليسرى المُصابة بالمياه البيضاء التي يعاني منها معاناةً شديدةً منذ أشهرٍ طويلة.\nأكَّد صيدلي يُدعى محمد، ويبلغ من العُمر 38 عاماً، ويدير صيدلية في المنطقة التي يسكن بها العربي، أن العديد من المرضى، خاصةً أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة، طلبوا كثيراً أن يشتروا حبةً واحد أو اثنتين في كل مرة.\nوأضاف: "الوضع مزرٍ وبائس للغاية الآن، فهناك بعض المرضى توقفوا عن المجيء إلى الصيدلية منذ آخر ارتفاعٍ في أسعارِ الدواء".\nوكان وزير الصحة المصري أحمد عماد قد أعلن، في 13 يناير/كانون الثاني، أن أسعار 3000 دواء من إجمالي 12 ألفاً ستزيد في مصر، وذلك بعد إجراء مفاوضات استمرت عدة أشهر مع شركات صناعة الأدوية.\nوأوضح خلال مؤتمر صحفي أن الزيادة ستكون وفقاً لنوع الدواء، ويشمل ذلك زيادة بنسبة 15% في أسعار الأدوية المصنعة محلياً، و20% في أسعار الأدوية المُستورَدة، وأضاف أن ذلك سيؤثر فقط على 5% من الأدوية المستخدمة في علاج الأمراض المزمنة.\nوأخبر مصدرٌ من الشركة المصرية لتجارة الأدوية - فَضَّلَ عدم ذكر اسمه إذ من غير المسموح له التحدث في الإعلام - موقع "ميدل إيست آي" بأن الشركات غير راضية عن زيادة الأسعار.\nوأضاف أنهم يتوقعون زيادة أخرى في أسعار الأدوية في يوليو/تموز أو أغسطس/آب، وقد ارتفعت تكلفة الدواء عدة مرات في الأعوام القليلة الماضية، بعد الاضطرابات التي جرت في مصر بعد ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك وأدت إلى تخوف المستثمرين الأجانب وانخفاض قيمة العملة المصرية.\nوتمتلك مصر مجالاً واسعاً في صناعة الأدوية، لكنها تعتمد على استيراد 99% من مكونات الأدوية المصنعة محلياً. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أعلنت الحكومة عن تعويم الجنيه المصري الذي هبطت قيمته كثيراً أمام الدولار، وذلك في إطار حزمةِ إجراءاتِ الإصلاح الاقتصادي المرتبطة بالقرض البالغ 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.\nمع أزمة الدولار الحادة، اختفى العديد من الأدوية المستوردة من أرفف الصيدليات، بما في ذلك أدوية علاج السكري وأمراض القلب والكُلى، بينما في الوقت نفسه زادت أسعار الأدوية الأخرى المصنعة داخلياً.\nوفي ظل هذه الأزمة، قرر الجيش المصري تأسيس شركة لصناعة الأدوية لسد الحاجة الملحة للإنتاج الدوائي بعد التخليص الجمركي اللازم يوم 22 يناير/كانون الثاني.\nولطالما دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الجيش ليساهم في مشروعات البنية التحتية الكبرى من أجل تخفيف عواقب ارتفاع الأسعار والنقص الحاد للدولار، لكن السيطرة الاقتصادية للجيش، الذي ينتج كل شيءٍ بدايةً من زجاجات المياه وحتى المكرونة، أمر محل خلافٍ في مصر.\nوارتفع معدل التضخم السنوي في مصر ليصل إلى 23.3% في ديسمبر/كانون الأول 2016، مع زيادة تكاليف الرعاية الصحية والأغذية والمواصلات، وفقاً للأرقام الرسمية المُعلنة في يناير/كانون الثاني.\nوسمح الصيدلي مدحت حافظ لزبائنه الذين يعرفهم جيداً بأن يشتروا منه بالتقسيط في محاولة منه لإيجاد حلٍ للأزمة.\nيقول مدحت وهو يبيع الأنسولين لامرأةٍ شابة: "إذا كان سعر الوصفة الطبية لك 150 جنيهاً (7.93 دولار)، فستدفعين نصف السعر، ويمكنكِ سداد الباقي على قسطين خلال شهر واحد"، وأضاف: "نعيش مع الناس ونشعر بمعاناتهم".\nاشتكت ريهام سعد، وهي أمٌّ تبلغ من العُمر 27 عاماً، من ارتفاع أسعار الدواء ونقصها بالأسواق، فقالت، بينما تعبر الطريق لدخول صيدلية أخرى في حي سراي القبة شمال القاهرة: "أبحث عن دواء لابني البالغ ستة أشهر والذي يعاني نزلةٍ معويةٍ، ولا أستطيع إيجاده".\nوتعمل ريهام في العلاقات العامة بشركة دولية. قالت إن أسعار الكشف لدى الأطباء قد زادت من 150 جنيهاً (8 دولارات) إلى 200 جنيه (10.70 دولار) لكل زيارة، إلى جانب زيادة بنسبة 30% في أسعار الأدوية التي لابد أن تشتريها لطفلها.\nواشتكت بعد فشلها في العثور على الدواء اللازم وعودتها إلى سيارتها: "يمكنني تحمل أي شيء لأجنِّب طفلي ولو للحظة ألمٍ واحدة".\nوتعاني المستشفيات، خاصة التي تقع خارج القاهرة، من نقص حاد في الأدوية، ويُعرِّض ذلك حياة الملايين للخطر، فالمرضى المصابون بأمراض الكُلى والقلب على وجه التحديد أكثر من يعانون من هذه الأزمة.\nسافر أيمن مصطفى، البالغ من العُمر 37 عاماً، 850 كليومتراً من الأقصر في جنوب مصر إلى القاهرة ليحاول البحث عن دواءٍ لطفلته ذات السبعة أعوام التي تعاني من مرضٍ بالقلب وهي الآن داخل أحد المستشفيات للعلاج.\nيقول مصطفى، الذي يرتدي جلباباً وشالًا أسود: "اعتقدت أن الدواء ليس متوافراً في الأقصر فقط، لكنني صُعِقت بعد علمي بعدم توافره حتى هنا في القاهرة". وأضاف أنه معتادٌ على نقص الأدوية في الأقصر، لكن ذلك أمر غريب في عاصمة مصر.\nوجد مصطفى الدواء أخيراً، لكنه دفع خمسة أضعاف سعره العادي، ولأنه لم يتمكن من دفع ثمن العبوات السبع التي يحتاجها من الدواء، فاشترى ثلاثاً فقط من المحلول. وصاح "هذا ظلم".\nتغطي شركات توريد الأدوية متعددة الجنسيات، مثل بفايزر، ونوفارتس، وجلاكسوسميث كلاين، وسانوفي، 40% من سوق الأدوية في مصر، بينما يغطي الموردون المحليون الـ60% الأخرى.\nويقول الموزعون إنَّ استيراد الأدوية أو محتوياتها قد أصبح أكثر تكلفةً بعد انخفاض قيمة الجنيه المصري، لكنهم لا يستطيعون تحميل المستهلكين هذه التكاليف الإضافية، لأنَّ الحكومة تضع حدوداً على أسعار الدواء.\nوتتهم وزارة الصحة، بدورها، الموزعين بتخزين الأدوية لفرض زيادة الأسعار.\nوقال خالد مجاهد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، في نوفمبر/تشرين الثاني، إنَّ الحكومة لن تنظر بعين الاعتبار لمطالب الموزعين بزيادة أسعار الدواء، تلك المطالب التي لا تهدف إلا لزيادة أرباحهم.\nونفت الشركات هذه الاتهامات، وشدَّدَت على أنَّ تكلفة الدواء قد ازدادت بالفعل.\nوقال أسامة رستم، نائب رئيس غرفة الصناعات الدوائية، إنَّ أسعار مكونات الأدوية والأدوية المستوردة قد ازدادت بعد تعويم الجنيه المصري. ومن ثم، فالشركات مُجبَرة على بيع الأدوية بالأسعار القديمة، ليتكبَّدوا بذلك خسائر فادحة.\nوقال رستم: "هذا أمر غير عادل بالمرة. نحن لا نسعى للأرباح". وأضاف أنَّ المطلب الوحيد لهم هو عدم الخسارة.\nوأكد الناشط محمد فؤاد، مدير المركز المصري لحماية الحق في الدواء، وهو منظمة غير حكومية مقرها القاهرة، لموقع "ميدل إيست آي" أنَّ الأسعار المرتفعة هذه تؤثر على المصريين من كل الطبقات.\nوأضاف فؤاد: "لقد اعتدنا، للأسف، على حقيقة أنَّ الفقراء ليس باستطاعتهم شراء الدواء، أو لا يستطيعون إيجاده".\nوأشار فؤاد بذلك إلى أنَّ أدوية السرطانات والأورام قد اختفت من الصيدليات ثم ظهرت في السوق السوداء بأسعار خرافية.\nوقال فؤاد بفخر: "إنَّ الدور الذي تؤديه المنظمات غير الحكومية ووسائل التواصل الاجتماعي شديد الأهمية في حماية أرواح الكثير من الناس الذين لا يستطيعون شراء الأدوية. إنهم يقومون الآن بدور الحكومة".\nاستخدم المصريون وسائل التواصل الاجتماعي لتقديمِ حلٍ للأزمة، إذ يُستَخدَم هاشتاغ #صيدلية_تويتر لمساعدة الناس على إيجاد الأدوية التي لا يستطيعون الحصول عليها من الصيدليات، بينما في الوقت ذاته يعطون الفرصة لمن يريد التبرع بالأدوية التي يحتاجونها لمصريين يحتاجونها.\nوأنشأ محامٍ مصري يُدعى خالد عمر هذا الحساب على تويتر منذ عدة أشهر.\nوقال عمر: "نحن نعاني من أزمة نقص واضحة في الدواء. لن نقف مكتوفي الأيدي حيال هذه الأزمة".\nوفي الكثير من الحالات، كان الدواء غير الموجود داخل مصر، يُرسل من خارج البلاد. وينشر المصريون احتياجاتهم على فيسبوك، ويرسل الكرماء من دول الخليج الدواء من الخارج.\nتبرع أحد المصريين العاملين في الخليج - فَضَّلَ عدم ذكر اسمه - لأحمد عمران، الذي يعمل بواباً، بدواء بيلتريسيد من أجل زوجته المصابة بالبلهارسيا.\nوعادةً ما يصل سعر هذا الدواء، في مصر 4 جنيهات مصرية فحسب، لكنه غير موجود في أي مكان في البلاد. قال عمران في منشور له على فيسبوك إنه يحتاج هذا الدواء، وبعد أسبوعين استلم الدواء من السعودية من خلال رجل مصري.\nوقال عمران: "لقد أنقذنا الله. لم يكن بوسعي أبداً أن أشتري هذا الدواء أو حتى أجده. هذه معجزة".\n- هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

الخبر من المصدر