المحتوى الرئيسى

أيمن أبو رابح يكتب: الأسكندرية -العسكر- فندق توليب

01/24 10:26

فوجئ أهالي الإسكندريّة من دون إنذار بأعمال حفر ضخمة في منطقة سيدي جابر الحيويّة بكورنيش الأسكندريّة مع تحويلات مرورية، تلك الأعمال الّتي أدّت إلى ازدحام شديد خصوصا في ساعات الذّروة حتى إن بعض الشباب على سبيل الدعابة أطلق على تلك المنطقة اسم “معبر سيدي جابر” في إشارة لمعبر رفح الحدودي كناية عن المعاناة.

خرج بعد ذلك محافظ الأسكندريّة شارحا ماذا يحدث ولا نعرف إذا كانت تصريحاته الإعلامية مخطّطا لها مع بدء المشروع أم أنّها جاءت لتخفيف الضّغط الشعبي عبر السّوشيال ميديا.

المهمّ، أنّه كشف الستار عن مشروع فندق توليب 2 كامتداد لفندق توليب1 التّابع للقوّات المسلّحة، ذلك المشروع المزمع إقامته سيوفّر -على حدّ ما نشر في الصّحف- 4000 فرصة عمل، وعند الانتهاء منه في يونيو 2017 (مع ردم جزء من البحر) سيحتوي على جراجات تحت الأرض مع أماكن ترفيهيّة، صالة دولفين وأسماك نادرة، صالة تزحلق على الجليد، صالة بولينج، نافورة راقصة، ملاعب اسكواش وأنشطة أخرى.

نشرت الصّحف بعض الاعتراضات والتساؤلات التي تركّزت على نقطتين: حجب رؤية الكورنيش وأحقّيّة بناء جراجات تحت حرم الطّريق العامّ، ولكنّ القضيّة هنا أخطر من ذلك فكلّ الوعود الّتي تؤكّد على إتاحة الفندق للجميع وليس فقط لأعضاء القوّات المسلّحة أو على أن المشروع يعمل على إنعاش النّشاط السياحيّ في الأسكندريّة، كلّ هذه الإدّعاءات تفتقد إلى عدّة نقاط محوريّة.

فبناء وإنشاء هذا الفندق التّابع للقوّات المسلّحة يضعنا في تساؤل كبير حول دورها في إنشاء المشاريع السياحية ورؤيتها للتّطوير السّياحيّ والاقتصاديّ في محافظة الأسكندريّة.

يد تبني ويد تحمل السّلاح:

بداية، نحن نعترض على أيّ دور اقتصاديّ مدنيّ للقوّات المسلّحة خارج إطار أنشطتها العسكريّة ونرى ضرورة خروج الجيش من أيّ نشاط اقتصاديّ مدنيّ على عدّة مراحل (يحتاج ذلك مقال آخر)

ولكن هنا دعونا نفكّر ونستخدم الأسباب الّتي يستخدمها المؤيّدون للدّور الاقتصاديّ للجيش، حيث يؤكد البعض أنّ القوّات المسلّحة لها مسؤوليّات اجتماعيّة واستراتيجيّة وأنّ تدخّلها يأتي في إطار ضبط أسعار بعض السّلع ولسدّ العجز أو في حالة الأزمات والّتي لا يستطيع القطاع الخاصّ أو حتّى العامّ التصدي لها بالإضافه إلى أن الصناعات المدنية للقوات المسلحة موجهة أساسا لمحدودي الدخل، وإنّ مشاريع القوّات المسلّحة المدنيّة ومنتجاتها تأتي لمواجهة جشع التّجّار وعلاوة علي ذلك يستخدم الجيش قدراته وموارده ليعمل في مناطق وقطاعات لا تجتذب القطاع الخاص أو العامّ لعدم وجود عائد مادي كافي. كل ذلك تحت شعار “يد تبني ويد تحمل السّلاح”

دعونا نتبنّى وجهة النّظر هذه لأنّ مشروع توليب2 هو نموذج حيّ على أنّ حتّى وجهة النّظر هذه لم تعد صالحة، وأنّنا دخلنا في مرحلة أسوأ وفقدنا مضمون شعار يد تبني ويد تحمل السّلاح.

فقد نتفهّم الدّور الاقتصادي للجيش من خلال منتجات ذات توجه استراتيجي على سبيل المثال تقوم الهيئة العربيّة للتّصنيع بصناعة ألواح شمسيّة وتوربينات توليد الرّيّاح ومحطّات تنقية مياه الشّرب ومعالجة الصّرف الصّحّيّ وعربات كبس القمامة وهكذا، بل إنّنا قد نلوم -من وجهة النّظر تلك- على القيادة السّياسيّة عدم إعطائها الدّعم الكافي لتلك المشاريع وتوسيع دور القوات المسلحه فيها، فعلى سبيل المثال لماذا لم تستخدم قدرات الهيئة العربيّة للتصنيع في إنشاء محطّات توليد كهرباء بالألواح الشّمسيّة بصورة اقتصادية؟ كما فعلت المغرب في محطّة ورزازات الّتي ستعدّ من أكبر محطّات التّوليد في العالم بهذه التّقنية

ولو كانت منتجات الهيئة العربية للتصنيع ومثيلتها من المنتجات -التي قد تأخذ الصفة الاستراتيجية- هو أغلب النّشاط الاقتصاديّ المدني للقوات المسلحة لاعتبرنا الدور الاقتصادي للجيش قضيّة فرعيّة نناقشها على سبيل ضبط الموازنات ومكافحة الفساد.

ولكن المثال الّذي نذكره هنا -مشروع توليب 2- هو مثال واضح ضمن أمثلة عدة لأنشطة وخدمات اقتصاديّة تقوم بها القوات المسلحة تقتل الحجة الإستراتيجيّة لدورها المدني، فالقوات المسلحة هنا لا تتدخّل لسدّ فجوة أو عجز نتج عن جشع القطاع الخاص ولا تتدخل لإنشاء مشاريع استراتيجية يعجز أن يتحمّلها القطاع الخاصّ، فالقطاع السّياحيّ والمنشآت السّياحيّة في مصر من أقوى القطاعات، حيث إنّ القطاع الخاصّ والاستثمار الخارجيّ نجح في إنشاء عشرات الفنادق الفاخرة والمنتجعات السّياحيّة، بل ومدن سّياحيّة كاملة بالأخصّ في البحر الأحمر، إذن دخول الجيش في استثمار مباشر بالقطاع السّياحيّ محلّ تساؤل كبير

قد يشعر البعض أنّ بعض مشاريع القوّات المسلّحة في القطاع السّياحيّ مهمّة، على سبيل المثال إنشاء فنادق في المدن غير المعدّة سياحيّا كقاطرة لجذب الاستثمار الخارجي والقطاع الخاص (مرسى مطروح كنموذج منذ عدة أعوام)

وقد نتفهّم أن تقوم القوّات المسلّحة بإنشاء فنادق ومشاريع سياحية في محافظات سوهاج والمنيا وأسيوط، تلك المحافظات الغنيّة بالمنتج السياحي الواعد، الضّعيفة من حيث البنية التحتية والخدمات الفندقيّة، حيث يترفع القطاع الخاصّ والاستثمار الخارجي عن تلك المنطقة لارتفاع المخاطرة بالنسبة للعائد، ولكنّ في الأسكندريّة يتوفّر عدد مقبول من الفنادق من عدة مستويات -ليست كافية- ولكنها توضح أن حل المشكلة ليس بانشاء فنادق أكثر أو أفخم خصوصا أن تساءلنا عن نسبة الإشغال بالفنادق الموجودة حيث أثرت الأزمة الاقتصاديّة عليها مع ضعف قدرة المحافظة على جذب السّياحة الخارجيّة التي تعاني أصلا من انهيار شديد منذ أعوام.

ببساطة هل مشكلة السياحة في الأسكندرية في عدد الفنادق ونوعيتها؟

بل هل فعلا ستحقّق القوّات المسلّحة أرباحا من تدخّلها لتنافس القطاع الخاصّ أو القطاع الاستثماريّ؟

يبدو أنّه لا يوجد أيّ بعد استراتيجيّ في ذلك المشروع السياحي وأنّه لا يسدّ أيّ عجز أو فجوة، بل إنّه لا يشكل أي أولويّة في حياة المواطن محدود الدخل.

أما عن فكرة ردم جزء من البحر كامتداد للفندق وجراجات تحت الأرض لمشروع سياحي، فهذا شيء أعجز عن فهم بعده الاستراتيجي في بلد يعيش سكانه على مساحة أقل من 10% منه، فما الحاجة لإزحام ما هو مزدحم أصلا تقليدا لدول تعاني من نقص المساحة.

وإن كان للقوات المسلحة إمكانيّات لردم البحر وإنشاء جراجات تحت الأرض، فأولى بها حلّ مشكلة المرور أمام محكمة الإسكندريّة في المنشيّة، إمّا عن طريق إنشاء جراجات تحت الأرض أو جراجات عائمة، فذلك مشروع (قد يكون) ذا بعد استراتيجي.

أمّا عن المكسب المادي، فلنا هنا أن نتساءل عن المكاسب المادية لفندق توليب1 المجاور لذلك المشروع؟ وهل المكسب المادي مبني على استخدام معدّات وشركات وعساكر القوّات المسلّحة وإعفاءاتها الضريبيّة؟ أم أنّ المكسب المادي وحسابات دراسة الجدوى مبنيّة على نشاط اقتصاديّ حقيقيّ ينافس في سوق حر!

فالمشروع بدون أي بعد استراتيجيّ، بل إن ربحيّته مشكوك فيها. هذا بغضّ النّظر حتّى إن قبلنا أنّ أحد أهدف القوّات المسلّحة هو الرّبح الاقتصادي!

ان لم يعجبك نقدي لهذا المشروع وتطالب بنقد بناء، فتذكر أن النقد البناء ممكن فقط إن أتيحت المعلومات حتى نطرح حلولا واقعية، ولكن حينما تنعدم المعلومات المنشورة عن ميزانيات المنشآت المدنية للقوات المسلحة ومشروعاتها المستقبلية وكذلك مخططات محافظة الأسكندرية ورؤيتها للمستقبل، في تلك الحالة، فإن أقصى ما يمكن أن نقوم به أن نرفض ما يحدث ونقدم تصورات في إطار ما نملك من معلومات محدودة، ولا يجب على من يمتلك القرار أن يطلب منا أن نقوم بدوره في إعطاء حلول من دون معلومات كافية!

انا لا احتاج إلى أن استرجع ذكرياتي عن الأسكندرية لأكتب عنها، فلا يخفى على أحد الحالة التي وصلت إليها البنية التحتية للمحافظة خصوصا بعد فو التراخيص التي أدت إلى وجود مئات الأبراج في شوارع ضيقة وتكدس عمراني يظهر على عدة مستويات.

عجز شبكة المياه عن خدمة الكثافات السكانية الجديدة حتى امتلكت معظم الشقق موتور سحب المياه.

غرق شوارع المدينة في مياه الأمطار مع تكرار مشكلات الصرف الصحي.

الزحام الشديد حتى في غير ساعات الذروة وانعدام أماكن صف السيارات.

انتشار القمامة وعجز عربات القمامة وصناديقها عن الاستيعاب.

هذا بالاضافة لضعف المحاور العرضية للمدينة عددا وكفاءة، وتركز المرور في محاور طولية للمدينة (الكورنيش وأبوقير وجمال عبد الناصر و…)

تلك المشكلات لا تحل بتشديد عقوبة مخالفة التراخيص أو بتطوير جزئي لشبكات المياه والصرف الصحي أو بتوسيع الكورنيش مع إنشاء بعض الكباري والأنفاق، فذلك كله هو مسكنات، فخلخلة الزحام وخلق ظهير صحراوي أو ظهير مائيّ للمحافظة مدعوم بمواصلات جيّدة وتسهيلات للمواطنين لسحب الكثافة السكانية، أصبح ضرورة لتخفيف الضغط على البنية التحتية، وإلاّ سيستمر المواطنين في البناء وتستمر البنية التّحتيّة في الانحدار وأسعار الشّقق والمحلاّت في الارتفاع -فعلى سبيل المثال- مترو الأنفاق أو خط قطار جديد في اتجاه برج العرب لسحب الكثافة السّكّانيّة مع ضمان كفاءة الطرق والمواصلات بأفكار جديدة كالأتوبيس الصيني المفرغ لمحور التعمير مثلا.

وكما قامت عدة مدن بخلق ظهير مائي داخلي عن طريق بحيرات صناعية أو إعادة تدعيم وترصيف المساحات حول البحيرات الموجودة أصلا لخلق مساحات جذب جديدة

وهنا فقط قد نتفهم قيام القوات المسلحة بإنشاء مشروع سياحي على هذا الكورنيش الجديد (بحيرة مريوط)

مشكلات الأسكندرية ليست بجديدة، فهناك عدة مدن في العالم واجهت نفس المشكلات ولم يكن الحل بإعطاء مسكنات شكلية

وإن كانت حلولنا تبدو غير منطقية للبعض فنعدكم حينما نمتلك نفس المعلومات المتاحة لصانع القرار، سنأتي بحلول جذرية أفضل من دهان عربات الترام وإدخال خدمة الواي فاي فيها لحل مشكلة الزحام!

وأخيرا كما نفعل دائما حينما نذكر القوات المسلحة، يجب أن نفرّق بين ثلاثة مفاهيم حتّى تتّضح الصّورة:

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل