نصف قرن في بيع العصير

نصف قرن في بيع العصير

منذ 7 سنوات

نصف قرن في بيع العصير

شخصيات عديدة اشتهرت بها مدينة جدة الواقعة على ساحل البحر الأحمر غربي المملكة العربية السعودية طوال عمرها المديد.\nبيد أن صيت الحاج حسين بن علي ذاع بين سكان المدينة وزوارها من حجيج ومعتمرين وسياح لأنه ظل لأكثر من نصف قرن من الزمان يطفئ ظمأهم في حمَّارة القيظ ببيعهم عصير الليمون والتمر هندي البارد من كشكه الصغير الواقع في أول منطقة "باب مكة" المعروفة اليوم بسوق العلوي المجاور لسوق البدو، أشهر أسواق جدة التاريخية.\nظل العم حسين طوال 58 عاما يعمل في بيع العصائر حتى بات جزءا من تاريخ المدينة العريقة، وأيقونة من أيقوناتها التاريخية.\nيبلغ الحاج حسين الآن من العمر 88 عاما لكن المرض داهمه وأقعده عن الحركة ولم يعد قادرا على الكلام مكتفيا بالإيماء ردا على المتحدثين معه. ولأنها سنة الحياة فقد ورَّث مهنة بيع العصائر لنجله الأكبر بندر (35 عاما).\nكشكه الصغير تزينه ملصقات أحاطت به من كل الجوانب كُتب عليها "عصيرات أكثر من 55 عاما"، وهو مصدر فخر له ولأبنائه. وعن هذا الملصق قال بندر للجزيرة نت "إنه ملصق قديم وقد مضى على المحل اليوم 58 عاما".\nوقد دأب أبناء الحاج حسين على تغيير الملصق كل خمس سنوات حتى يظل كشك والدهم حاضرا في ذاكرة الأجيال القادمة.\nويروي بندر أن امتهان أبيه بيع العصير لم يكن مخططا له. كان ذلك في منطقة برحة نصيف الشهيرة عام 1948 (1368 هجرية) قبل وفاة مؤسس المملكة الملك عبد العزيز آل سعود بخمس سنوات، حينما كانت المنطقة تعج بقوافل الحجيج والمعتمرين والسكان المحليين الذين يفدون إليها باعتبارها منطقة مركزية في ذلك الوقت.\nكانت المدينة كما هي اليوم تعج بالنشاط التجاري مما حدا بالحاج حسين أن يفكر في بيع عصائر الليمون والتمر هندي، ونجح في ذلك بشكل كبير حيث بدأ  بائعا متجولا كان يحمل وعاءً صغيراً (يسمى الجك)، واستمر على ذلك الحال حتى بعد وفاة الملك عبد العزيز.\nفي سنة 1955 (1375 هجرية) وإبان حكم الملك سعود النجل الأكبر لمؤسس المملكة، بدأ الحاج حسين في إنشاء مركزه التجاري الصغير، وهو عبارة عن بسطة صغيرة في برحة نصيف وهو المكان الذي شهد انطلاقته الأولى في العمل. وظل في ذلك المكان قرابة ربع قرن لم يبرحه لينتقل بعدها إلى مكان غير بعيد عن الأول في مدخل سوق العلوي القديم (المقر الحالي).\nتزوج العم حسين متأخراً لظروف خاصة في سن 48 عاماً، وأنجب خمسة أبناء، أكبرهم بندر الذي ورث اليوم مهنة أبيه، مع أحد العاملين يدعى محمد علي رافق والده ثلاثين عاماً لم يفارقه فيها قط.\nعمل حسين مراقباً في بلدية جدة لعشرين عاماً في نفس المنطقة التي كان يدير منها تجارته، وكانت البلدية في ذلك الوقت تتبع لوزارة الداخلية وكان يديرها العاهل الراحل الملك فهد بن عبد العزيز. ولا يزال أبو بندر يحتفظ ببطاقة عمله الحكومية.\nقصة العم حسين مع بيع العصائر تحكي فصلا من فصول مدينة جدة التاريخية، وتعكس وفاء لمهنة ظلت وما فتئت مصدر رزق له ولأبنائه من بعده، وباتت إرثا عائليا يأمل الكثيرون أن يُكتب له الاستمرار.\nتقدم العم حسين في السن وأضحى الآن طريح الفراش بمنزله حيث كان آخر ظهور له عام 2006، وهو يعاني من مرض سرطان المثانة وألزهايمر. لقد شاخ الرجل حتى لم يعد يتذكر من تاريخه شيئا على الإطلاق.

الخبر من المصدر