ما خُلق عبثاً

ما خُلق عبثاً

منذ 7 سنوات

ما خُلق عبثاً

الإنسان هو هذا الكائن الحي المنتصِب القامة، البادي البشرة، ذو العقل والتفكير والأخلاق الفاضلة والعواطف الجياشة والمنطق السليم والكلام الفصيح المبين. ابتدأ الله خلقه من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، نفخ فيه من روحه، وعلّمه الأسماء، وأسجد له ملائكته، وأدخله الجنة، وأسكنه الأرض. هذا الإنسان ما خُلق عبثاً وما تُرك هملاً؛ بل له وظيفة لا بد أن يقوم بها في هذه الأرض منذ أن هبط إليها وهي "عبادة الله تعالى، عمارة الأرض، تزكية النفس".\nوقد جاءت الآيات والنُّذُر لتبلغ الناس بهذا الدور المنوط بهم، ومن ذلك قوله تعالى: "وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ"، فما العبادة؟ وكيف تكون؟ وهل لها أهمية في تغيير واقعنا إلى الأفضل؟\nبهذين الركنين العظيمين، يتحول كل شيء في الحياة إلى عبادة لله سبحانه، من سياسة واقتصاد وصحافة وإعلام وحكم وقضاء.. كل شيء، بدايةً من فراش الزوجية إلى العلاقات الدولية.\nإن مفهوم العبادة أعم وأشمل من مجرد إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، لذلك فقد ذكر لها الفقهاء تعريفات عدة تدور كلها حول غاية المحبة مع غاية الخضوع.\nومن بين هذه التعريفات، تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث عرّف "العبادة" بأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدْق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد ضد الكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحُكمه، والشكر لنِعَمه، والرضاء بقضائه، والتوكل عليه، ورجاء رحمته وخوف عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادات لله... انتهى كلامه. وهذه العبادات لا يتحقق معناها ولا تكون إلا بركنين؛ هما: الإخلاص، والصحة.\nوالمقصود بالإخلاص هو أن يبتغي الإنسان بعبادته وجه الله، وألا يشرك معه أحداً، وألا يرجو من أحد غيره سبحانه ثناءً ولا مدحاً، "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ".\nأما المراد بالصحة، فهي متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء والتأسي به؛ لكونه أفضل العابدين، وأكثر من قدَّم رصيداً إيمانياً قوياً لله عز وجل، "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً".\nوبهذين الركنين العظيمين أيضاً، يتحول كل شيء في الحياة إلى عبادة لله سبحانه، من سياسة واقتصاد وصحافة وإعلام وحكم وقضاء.. كل شيء، بدايةً من فراش الزوجية إلى العلاقات الدولية، "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".\nفعِش -أيها الإنسان- لله ومع الله في كل أحوالك ومراحلك، تحقق معنى العبودية لله التي ما تكاد تستقر في قلبك حتى تعلن عن نفسها في شخصيتك؛ كرماً للجار، وبرّاً بالوالدين وإحساناً للفقراء، ورحمة بالصغير، وتوقيراً للكبير، وغضاً للبصر، وحفظاً للسان، ثم تعلن عن نفسها في دنيا الناس عملاً ونشاطاً وحركةً وبناءً.\nالتدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الخبر من المصدر