جلال الصاوي يكتب: دعاة على أبواب جهنم | ساسة بوست

جلال الصاوي يكتب: دعاة على أبواب جهنم | ساسة بوست

منذ 7 سنوات

جلال الصاوي يكتب: دعاة على أبواب جهنم | ساسة بوست

منذ 1 دقيقة، 10 ديسمبر,2016\nالنفس الإنسانية بطبعها تضيق ذرعا بنفسها، وتريد أن تتجاوز حدودها لتتطلع لغيرها، ذلك التطلع إذا لم يهذبه القلب والأخلاق؛ اتخذ أشكالا غاية فى القبح: كالحكم على الناس، وتقيمهم، والتدخل فى شأنهم، والتشكيك فى نواياهم، والتحقير من كل تصرفاتهم، وتقييد حريتهم. وما يترافق مع ذلك من حقد، وكراهية، وحسد؛ والأخطر أن يتم ذلك باسم الدين. هنا يتحول الدين من كونه أداة تقويمية إلى أداة تقيمية أو تفسيرية.\nوعادة ما يستعين هؤلاء بالدين لسد عجزهم ومداراة سوآتهم، فهم حقًا يعانون وبشدة، ولكن مع الأسف فإن المرض الاجتماعي الذي تمكن منا جميعًا: وهو شرعنة الخطأ لا يجعلنا نطلب المساعدة. فنحن دائمًا بخير والعيب فى الآخرين، وليس فينا!\nفالقهر الذي نعانى منه جميعًا أدى إلى تملك الكراهية من قلوب البعض منا، وبدلًا من محاولة تطهير قلوبنا من الكراهية التى تنمو وتتشعب وتتجذر فى نفوسنا رحنا نذيق الناس من حولنا ويلات ما نعانى نحن منه!\nإن الثقافة المهيمنة على معظم الإسلاميين هى ثقافة يمكن إيجازها فى ثلاثة خطوط عريضة، يندرج تحتها الكثير، وتُمثل تلك الخطوط العريضة الحلول للإشكالات الأساسية التى واجهها العقل المسلم، وهى إشكالية قراءة النص الديني المقدس، وإشكالية قراءة الواقع المتعين، وإشكالية التفعيل – أى تحويل النظريات إلى سلوك ومعايشة – سواء لما تم استنباطه من قراءة النص أو استقراؤه من الواقع والتوفيق بينهما.\nتلك هى الإشكاليات كما نراها، والتى عولجت بطرق مختزلة مُستخدمة خطابات عاطفية، وفضفاضة، واختزالية وتم الترويج لها شعبيًا حتى شاعت وأصبحت من الثوابت التى لا يجوز الخروج عليها.\nفقدمت ثلاث أساطير رئيسة للإشكالات السابق ذكرها، تمثل الأساطير المؤسسة لسياسة بعض الإسلاميين فى العصر الراهن:\nأسطورة «ما ترك الأول للآخر شيئًا» ففى التراث ما يُكفينا ويُغنينا\nفعولجت الإشكالية الأولى بالعودة إلى الماضي، وإلى تراث العصر الذهبي بغض النظر عن حجم التطورات التى حدثت وأصبحت واقعًا متعينًا لا يمكن الفكاك منه أو تجاهله بهذه البساطة والسهولة المُتخيلة، وكان تبرير ذلك أن خير القرون هى القرون الأولى، علما بأن الخيرية مرتبطة دائمًا بالفعل، وليست مرتبطة بالشخص، والعجيب هذا التناقض الصارخ. فكيف إذا ما كانت القرون الاولى وحدها هي ما تتميز بالخيرية المطلقة، والتى تجُب أية خيرية لاحقة، تصبح خيرية ممكنة، نبتغي فيها العودة لأمجادنا السابقة! فإذا كانت خيرية لن تتكرر، فما معنى دعاوى: ثم تكون خلافة على منهاج النبوة؟!\nكان هذا هو العلاج للإشكالية الثانية، بالجمود ورفض كل ما هو جديد والتعامل مع الواقع معاملة الغازى المتربص بنا، فكل ما يقدمه ليس إلا مؤامرة كبرى لإخراجنا من غربتنا وإفقادنا لهويتنا، تلك الهوية المميزة والتى أدت الى شعور قوي جدًا بالاستحقاق فيما يتّصل بالسُلطة السياسية، لأنهم يعتقدون أنهم يمثّلون المُجتمع، الذي ضل وفقد طريق الرشاد فى الوقت نفسه! وهم عليهم واجب تقويمه وإعادته إلى طريق الحق بالقوة إذا لزم الأمر.\nعلى الرغم من أن شعور الخيرية مرتبط بشروط تحقيقها، وهى شروط ليست حكرًا عليهم، بل هى عامة وشائعة بين الناس، وغياب ذلك الفهم امتداد للإشكالية الأولى،ولعل الصورة أصبحت كالتالى: الصحابه هم الجيل السامق، ونحن وحدنا أحفادهم وامتدادهم فى الحاضر. فالإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ لذلك ينبغى علينا أن نعزل أنفسنا ونصبح غرباء؛ فطوبي للغرباء!\nويغيب عن هؤلاء أنه برغم بداية الإسلام غريبًا، فإن الرسول والصحابه لم يعتزلوا الحياة على الإطلاق، ولم يستعلوا على الناس!\nوعولجت الإشكالية الثالثة بالإنغلاق على الذات، والتعالى، وعدم التسامح مع أي بناء فكري ثقافي مختلف ولو قليلًا، عبر إشعال المصادمة تحت دعاوى حق مقابل باطل، فى تصنيف رأسي بسيط يتموضع فيه الناس بحسب اختلافهم، وأصبح كل تدافع هو من قبيل الحق فى مواجهة الباطل، وهم دومًا الحق الذى لا باطل فيه، ومن سواهم دائمًا وأبدًا الباطل الذى لا حق فيه! فى حين أن فقه التدافع القرآني يختلف بالكلية عن الصراع الدارويني الذي ابتدعه الغرب وساد العالم! فالتدافع القرآني هو إعادة رسم لخريطة التفاعلات، ودائمًا ما تكون نتيجته طيبة. فلولا دفع الناس لفسدت الأرض أو هدمت صوامع ومساجد، وإذا ما دفعت بالتى هى أحسن تصبح النتيجة أن العداوة التى بينك وبين الآخر تتحول إلى موالاة وحميمية، وليس صراعًا صفريًا هدفه القضاء على الآخر، والذي ينتهى بالدمار.\nتعددت الأسباب، وكان التزمت واحدًا، الذي يصنع أساطير تجعل المؤمنين بها يرون أفضليتهم عمن سواهم، بما يملكونه من عقيدة أو لون أو عرق أو انتماء لجماعه أو حزب…إلخ.\nعقدة «التزمت» تلك التى جعلت الغرب بتقدمه العلمى يرى نفسه مركزًا للكون، له الحق فى استعمار العالم أجمع، واستهلاك موارده كما يشاء، ومن قبلها جعلتهم يسفكون الدماء باسم الصليب، وهى نفسها التى جعلت من اليهود كيانًا قوميًا غاصبًا يرى نفسه «شعب الله المختار» وله حقوق خاصة، وللأسف لم ينج الفكر الإسلامي من هذا الداء وتلك العقدة، بالرغم من أن الاسلام نفسه براء مما يُلصق به من توظيف سياسي.\nإن الخاصية المميزة للإسلام بحسبه دين ودنيا، لهي نفسها مكمن صعوبة تطبيقه مع عقول لا تعي ضرورة الموازنة والوسطية، خاصة فى زمن سيطر عليه التطرف، فالنفس بطبعها تميل للغلو.\nففي الوقت الذي يؤكد فيه الإسلام على عظمة الإنسان وكرامته، يُبدي واقعيةً شديدة؛ تكاد تلغي البطولة عندما يتعامل مع الإنسان كفرد. «فالإسلام لا يتعسف بتنمية خصال لا جذور لها في طبيعة الإنسان؛ إنه لا يحاول أن يجعل منا ملائكة؛ لأن هذا مستحيل، بل يميل إلى جعل الإنسان إنسانًا».بيجوفيتش.\nو الجامع المشترك بين أبطال الأساطير جميعًا، هو تلك العقلية الاختزالية التى تؤمن بمقدمات حتمية، تقود إلى نتائج حتمية أيضًا، عبر نضال ملحمى يشكلون هم فيه الاأبطال الملائكة الذين يحملون قضايا أمتهم التى لا تعي ولا تفقه، وعليهم واجب حمايتهم وتربيتهم، وأن يقودوهم إلى جنة الدنيا أو الآخرة بالسلاسل ورغما عنهم!\nوتترسخ تلك الصورة اكثر عندما يتم التعامل مع النص المقدس كأداة تفسيرية أو تقيمية، وليس كأداة تقويمية فعلى سبيل المثال:\nتُصبح السيول أو الحرائق فى مناطق سكنية، ينتمى أغلب قاطنيها إلى المُخالف سياسيًا من قبيل العقاب الإلهي؛ كما في قوله تعالى «وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون» [النحل:16]\nفالقرية هى المنطقة المنكوبة بسبب السيول أو الحرائق التى كانت آمنة مطمئنة فى عهد الرئيس الأسبق، فكفرت بأنعم الله عندما تمردت عليه، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف عبر خراب بيوتهم بالسيول والحرائق التى وقعت!\nفعبرة الآيات ليست تقويم النفس على الحمد والشكر، إنما تصنيف الناس وإسقاطها على المخالفين، لذلك فلن تجد من يؤمنون بهذه التفسيرات حامدين فى حياتهم الخاصة، بل غالبًا ما تسمعهم يتذمرون، ولا عجب؛ فالنص القرآنى لم يُقَوِم نفوسهم بقدر ما استخدموه فقط لتقييم الآخرين وتفسير ما حل بهم من عذاب!\nذلك المثال الواقعي يُلخص كيف يُقرأ النص المقدس، وكيف يُقرأ الواقع، وكيف نتفاعل مع النص والواقع.\nولعلها كفيلة بإيضاح حجم الأسطورة بمعناها السلبي، والتى طغت على عقولنا وتفكيرنا، فأدت إلى ما نحن فيه من تخلف وتشرذم.\nويبدو لي أن بداية الطريق يتلخص فى ضرورة أن نتوقف بعض الشيء عن أن نكون إسلاميين، وأن نكون بشكل أكثر «مسلمين»؛ ففيها الكفاية ورب الكعبة؛ إن أحسنا فهمها وتطبيقها.\nوعلينا أن ندرك انه ليس دورنا حماية الدين ولا الدفاع عنه، و أن الدور المنوط بنا هو مساعدة الإنسان ان يحمي بالدين نفسه بنفسه من عدوه الأكبر وهو نفسه! ولا يتأتي ذلك إلا عبر الاقتناع والإيمان والحكمة والموعظة الحسنة. وليس رغمًا عن نفسه عبر القهر والعدوان والإكراه والسخرية والاستعلاء.\nيحدث ذلك عندما يتم التسليم لله، وليس للدعاة، عندما يحتكم المرء لضميره، وليس لحكمنا عليه. «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى» [طه:123]، فكل ضلال وشقاء باسم الدين هو ليس من الدين في شيء، وكل دعوة قوامها الكراهية والعدوان والإساءة ليست من الدين فى شيء.\nهذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

الخبر من المصدر