الأزهر .. والدين والسلطة والسياسة

الأزهر .. والدين والسلطة والسياسة

منذ 7 سنوات

الأزهر .. والدين والسلطة والسياسة

اقرأ أيضا: كيف يكون الناس (حراسًا على عبوديتهم)؟ المسيحيون العرب والأمة النائمة لا تتركه يموت ولا تدعه يحيا الديمقراطية ..وموت ليس فيه عزاء (كامبل وبلفور وكامبو) لن نغفر ولن ننسى\nحسنًا فعلت الدولة حين ربطت بين تجديد الخطاب الدينى والأزهر الشريف الجامع والجامعة والمؤسسة العتيدة مربط فؤاد أهل السنة والجماعة الذين هم قوام الأمة ومنارة تاريخها وحضارتها والحقيقة أن الأزهر الشريف انتبه لدوره هذا مبكرًا وفى أنسب أوقات البكور كما يقولون أى بعد ثورة يناير مباشرة فكان أن أصدر وثيقته الشهيرة فى 20/6/2011 والتى تضمنت رؤيته لمستقبل مصر, هكذا كان عنوان الوثيقة والتى تذكر أهم موادها: \nتأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة/ اعتماد النظام الديمقراطى القائم على الانتخاب الحر المباشر كآلية لتداول السلطة/لالتزام بمنظومة الحريات الأساسية فى الفكر والرأى/ ضرورة توافق سلطة التشريع مع المفهوم الإسلامى/شرعية السلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية قائمة على رضا الشعوب واختيارها الحر من خلال اقتراع علنى يتم فى نزاهة وشفافية ديمقراطية باعتباره البديل العصرى المنظم لتقاليد البيعة الإسلامية الرشيدة/ من قال من فقهائنا بوجوب الصبر على المتغلب المستبد حرصًا على سلامة الأمة من الفوضى فقد أجاز فى الوقت نفسه عزل المستبد الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك/مواجهة أى احتجاج وطنى سلمى بالقوة والعنف المسلح تعتبر نقضًا لميثاق الحكم بين الأمة وحكامها وإذا تمادت السلطة فى طغيانها واستهانت بإراقة الدماء حفاظًا على بقائها أصبح من حق الشعوب المقهورة أن تعمل على عزل الحكام المتسلطين وعلى محاسبتهم بل تغيير النظام بأكمله مهما كانت المعاذير/ انتهاك حرمة الدم المعصوم هو الخط الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه فى الإثم والعدوان.\nوبعد ستة أشهر من إصدار هذه الوثيقة الحجة وفى 10/1/2012 أصدر الأزهر الشريف أيضًا بيانًا عن الحريات بعنوان (بيان الأزهر والمثقفين عن منظومة الحريات الأساسية) ركز على الحريات باعتبارها المقدمة الكبرى لكل إصلاح وتناول البيان أربع حريات حرية العقيدة/ وحرية الرأى والتعبير/ وحرية البحث العلمى/ وحرية الإبداع الأدبى والفنى..\nسيكون علينا أن نتذكر بكثير من اللهفة والإجلال المبادئ التسعة للشيخ الجليل محمود شلتوت(1893-1963م) شيخ الجامع الأزهر من عام 58-1963 وأول من نعت بالإمام الأكبر, والتى كان أهم بنودها السيادة لله وحده والحكم لله وحده والشعوب تباشره نيابة عن الله والحاكم خادم الأمة والشورى أساس الحكم وبغيره يكون الحكم غير شرعى وللأمة أن تعزل الحاكم إذا جار وظلم وظهر غشمه ولم ير عوى لناصح أو زاجر فإن رفض عُزل بالقوة وأن الإسلام لا يخص أحدًا بحق الاستثناء فى تفسير النصوص ولا يحق لأحد إلزام الناس برأيه بل يمنح هذا الحق لكل مسلم حائز لأهلية البحث وأن الحاكم ليس معصومًا.\nولكى نكمل المعنى والمرام سنتذكر أيضًا مشروع الدستور الذى أصدره الأزهر الشريف فى5 يناير 1978م الذى يتكون من تسعة أبواب تحتوى على 93 مادة مفصلة عن الأمة الإسلامية وأسس المجتمع الإسلامى وعن الاقتصاد الإسلامى والحقوق والحريات الفردية وعن الحكم والسلطة والقضاء الشورى والرقابة وسن القوانين وعن الحكومة .\nأشرف على إخراج هذا المشروع مجمع البحوث الإسلامية وأمينه العام وقتها الدكتو الحسينى هاشم رحمه الله، وقد وقع الاختيار والتكليف على ستة عشر اسمًا من الأسماء الكبيرة وقتها يترأسهم فضيلة الإمام الأكبر د.عبد الحليم محمود رحمه الله أحد أهم الأسماء التى شرفت بمشيخة الأزهر الشريف فى العصر الحديث (1973-1978م) سنقرأ فيه: أن المسلمين أمة واحدة وأن الشريعة الإسلامية مصدر كل تقنين وأنه يجوز أن تتعدد الدول فى الأمة الإسلامية وأن تتنوع أشكال الحكم فيها فى حسم واضح لمسألة الخلافة/ سنقرأ فى باب أسس المجتمع أن الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وتكفل الدولة دعم الأسرة وحماية الأمومة ورعاية الطفولة وتهيئة الوسائل المحققة لذلك/ سنقرأ تسع مواد فى باب الاقتصاد الإسلامى تضع إطارًا محكمًا وواسعًا يحوى داخله كل أشكال التطور الزمنى لحركة المال بإشكالياته/ سنقرأ أيضًا فى باب الحريات والحقوق الفردية عن حرية الاعتقاد الدينى والفكرى وحرية العمل وإبداء الرأى بالقول والكتابة وحقوق التنقل والتملك وحق المرأة فى العمل والحركة وحق تكوين الجمعيات وإصدار الصحف. وعن حظر تسليم اللاجئين السياسيين سنقرأ عن رئيس الدولة وتعيينه ومراقبته ومحاسبته وعزله.. وعن خضوعه للقضاء والحضور أمامه بوكيل عنه.\nمن المهم أيضًا فى هذا الموضوع أن نربط بين تاريخين ذو أهمية بالغة فى التوثيق لدور الأزهر فى حركة الأمة ونهوضها ومحاصرة هذا الدور, التاريخ الأول كان فى عام 1913م حينما تيقن الاحتلال الإنجليزى من دور الأزهر فى إفشال الحملة الفرنسية فشرع عن طريق بعض الموالين له بإحداث تغييرات جذرية فى هذه المؤسسة العريقة حينما استطاع فصل إدارة الأزهر لشئون المساجد وإنشاء بديل لها تحت مسمى وزارة الأوقاف لتلغى دور هذه المؤسسة العريقة فى الإشراف على شئون الدعوة.\nسنسمع العالم الجليل الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى الأسبق فى الأزهر وهو يقول بضرورة صدور مرسوم عاجل بإلغاء وزارة الأوقاف من التشكيل الوزارى ونقل جميع أملاكها وهيئاتها واختصاصاتها إلى الأزهر بالإضافة إلى نقل دار الإفتاء أيضًا من وزارة العدل إلى الأزهر وتنفيذ ما وعد به شيخ الأزهر من إعادة انتخاب الإمام الأكبر ونوابه ووكلائه واستعادة الوظائف التى سلبت من الأزهر وهى منابر المساجد. \nالتاريخ الثانى كان عام 1961 حين قام ضباط يوليو 52 بتقويض سلطات الأزهر وسلب استقلاليته وإصدار القانون الذى استبدل هيئة كبار العلماء التى كانت تتولى إدارة الأمور الرئيسية بالأزهر بمجلس من كبار مسئولى الأزهر بمن فيهم عمداء الكليات المدنية وأصبح تعيين شيخ الأزهر من سلطات رئيس الجمهورية وتم ربط مكتب شيخ الأزهر بمكتب رئيس الوزراء بدلاً من رئيس الجمهورية كما نُقلت تبعية ملكية الأوقاف التى كانت سببًا قويًا لاستقلالية الأزهر وعلمائه إلى وزارة الأوقاف. وأصبح للأزهر ميزانية تمنحها له الدولة وسلطتها التنفيذية . \nفى المكتبة العربية كتاب مهم عن الأزهر الشريف أصدره المركز العربى للدراسات الإنسانية فى القاهرة عنوانه(مستقبل الأزهر بعد الثورات العربية) للدكتور أحمد محمود السيد الذى يركز فيه على أهمية مؤسسة الأزهر كأهم مؤسسات الدولة المصرية وأكبر منارة سنية فى العالم الإسلامى ينتشر نورها فى أرجائه ويحمل علماؤه راية العلم فيه, بل حملوا مشعل المقاومة فى أوقات تجبر حاكم ظالم, أو لمقاومة سلطة محتل غاشم غير أن الأزهر أصابه ما أصاب مؤسسات الأمة العربية من الضمور والتراجع تحت زعامات سياسية تحمل نفس الصفات وكان همها الأول تثبيت أركان حكمها . \nهناك أيضًا دراسة مهمة لناثان براون أستاذ العلوم السياسة بجامعة جورج واشنطن وأهم باحث ومرجع فى الشئون الإسلامية لدى معهد كارنيجى الدراسة بعنوان (الأزهر فى حقبة ما بعد الثورة) وصف الأزهر فيها بالمؤسسة التليدة التى توسعت بمرور الزمن ولم يعد مجرد مسجد ولكنه أصبح كيانًا كبيرًا معقدًا يتشابك فيها الدينى والدنيوي, تحدث أيضًا عن سعى السلطة السياسية إلى استخدام دار الإفتاء كثقل موازن لشيخ الأزهر وحرص نظام مبارك على القضاء على أى محاولات لإحياء دور الأزهر فى الحياة العامة وختم دراسته بأن نجاح مؤسسة الأزهر فى استعادة دورها يتطلب قبول العقل الجمعى للمصريين للأزهر كمؤسسة رئيسية تعبر عن الدين بعيداً عن السلطة السياسية القائمة.\nوأتصور أن كل العقول الجادة داخل الأزهر وخارجه والتى تتسم بالموضوعية والحياد أجمعت على أهمية استقلال الأزهر عن الدولة والسلطة السياسية, وأتصور أيضا أن الحديث الدائم عن استدعاء الأزهر للقيام بتجديد الخطاب الدينى فى كل مناسبة مع تقييده وحصاره بسحب الأوقاف التى كانت تنفق على كل نشاطاته أو بسحب إشرافه على المساجد والمنابر. وهو ما ورثته السلطة القائمة كما ذكرنا. لكن النتائج الصحيحة تطلب دائمًا مقدمات صحيحة .\nالحفاظ على استقلالية الأزهر وابتعاث دوره المهم هو من صلب الحفاظ على الأمن القومى وسلامة الوطن.   

الخبر من المصدر