الولايات المتحدة وضريبة البقاء قوة عظمى

الولايات المتحدة وضريبة البقاء قوة عظمى

منذ 7 سنوات

الولايات المتحدة وضريبة البقاء قوة عظمى

الولايات المتحدة تعاني من أزمات داخلية على مستويات مختلفة مجتمعية وسياسية واقتصادية، قد يكون البعض منها خطيراً على الأمد غير البعيد، فقد وصلت ديونها إلى ما يعادل ٪70 من مجمل ناتجها المحلي، وهذا بحد ذاته أحد عناصر التهديد لأمنها القومي. ولا يختلف الديمقراطيون والجمهوريون في قناعتهم بذلك.\nوهو ما دفع إدارة الرئيس أوباما للبدء بالانكفاء نحو الداخل وتقليص الانشغالات الخارجية، العسكرية منها بشكل خاص، حيث اتفقت مع الكونغرس في أغسطس 2011 على تقليص الإنفاق المتوقع على الأمن القومي بأكثر من 450 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة.\nوها نحن نلمس التوجه ذاته في أجندة الرئيس الجديد ترامب الذي صرح في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست الأميركية في مارس المنصرم خلال حملته الانتخابية بأن إدارته ستركز على التحديات المحلية وإيلاء اهتمام أقل للمشكلات في أجزاء أخرى من العالم.\nالرئيس الجديد يطرح فعلاً ما هو جديد في محورين استراتيجيين يتعلقان بالتزامات الولايات المتحدة الخارجية، الأول نحو آسيا حين تساءل متشككاً، في المقابلة الصحافية نفسها، عما إذا كان يجب على الولايات المتحدة الحفاظ على موقفها في آسيا، والثاني نحو أوروبا وحجم المساهمة المالية لبلاده في ميزانية حلف ناتو قائلاً «ناتو يكلف لنا ثروة.. نحمي أوروبا مع حلف شمال الأطلسي لكننا ننفق الكثير من المال».\nتنشغل الولايات المتحدة في آسيا في منطقتين مهمتين هما الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، ففي منطقة الشرق الأوسط الحليفة تقليدياً للغرب، حيث تكمن الاحتياطيات الضخمة من النفط والغاز تراجع الحضور الأميركي في العقود الأخيرة من السنين مع التوسع في النفوذ الإيراني ومع النجاحات التي حققتها روسيا بالتمدد فيها أخيراً.\nأما في شرق آسيا، فهناك حلفاؤها في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وأستراليا ونيوزيلندا وهنالك أصدقاؤها الذين يطلون على بحر الصين الجنوبي الذي تمر منه سنوياً تجارة حجمها خمسة تريليونات دولار. فكوريا الشمالية تهديد مباشر لجارتها الجنوبية ولليابان، أما الصين فهي، بمقاييس العلاقات الدولية القائمة، خطر كامن لمعظم هذه الدول حين تصر على انتهاج سياسات تعزز هيمنتها على بحر الصين الجنوبي متجاهلة ما يتيحه القانون الدولي من حقوق ومصالح لهذه الدول، فيتنام وماليزيا وسنغافورة وبروناي والفلبين وأندونيسيا، في الصيد .\nوفي التنقيب عن البترول والتي لم يتردد بعضها، الفلبين بشكل خاص، في رفع شكوى ضد الصين أمام محكمة العدل الدولية.\nأما في أوروبا فهي تواجه ما أسماه الناتو الخطر الروسي في ظل أجواء يزداد التوتر فيها بين الطرفين، العلاقات بين الناتو وروسيا في أسوأ حالة منذ نهاية الحرب الباردة. \nفقد بعث الناتو أخيراً بقوات إلى بولندا ودول البلطيق على الرغم من أن الاتفاق بينهما الذي أبرم في وقت سابق ينص على عدم تمركز قوات الناتو في البلدان التي كانت تنتمي إلى معاهدة وارسو، وهو اتفاق لم يعد الناتو يلتزم به منذ أقدمت روسيا على ضم شبه جزيرة القرم إليها. \nالتوتر بين الطرفين في ازدياد وقد أنضج كل طرف صياغة عقيدته الأمنية، معتبراً الطرف الآخر خطراً عليه على الرغم من أنه ليس هناك إجماع لدى دول الناتو على العقيدة المتبناة، فرنسا لا تعتبر روسيا تهديداً لأمنها حسب تصريح الرئيس الفرنسي في التاسع من يوليو المنصرم إثر إعلان واشنطن ولندن نشر قوات في إستونيا وبولندا. \nالولايات المتحدة تنظر بجدية إلى الخطرين الروسي والصيني على مصالحها ونفوذها الدولي، فهي لم تخفي في مناسبات سابقة قلقها من استمرار زيادة ميزانيات التسلح في الصين التي أصبحت الدولة الثانية بعدها في حجم إنفاقها العسكري وهي القوة الإقليمية الأكبر في جنوب شرق آسيا. \nمن المستبعد أن تسمح المؤسسة الأميركية الحاكمة بالمزيد من الانكفاء نحو الداخل، فذلك ينذر بتصفية النظام الليبرالي العالمي الذي أقامت الولايات المتحدة تحالفاتها مع أوروبا وآسيا على أسسه، وينهي دورها كقوة عظمى وحيدة في العالم، وهو ما يلقى ترحيباً كبيراً لدى روسيا والصين. \nفالولايات المتحدة مع تراجع قدراتها في الإيفاء بالتزاماتها ستجد نفسها أمام مهمة الضغط على بعض حلفائها في الناتو وفي جنوب شرق آسيا على زيادة نسبة ميزانياتهم التسليحية من جانب والاعتماد على حلفاء أقوياء في هذه المناطق وفق صيغ غير تلك التي أبرمتها مع حلفاء سابقين لم تعد الولايات المتحدة تراهن كثيراً على مدى توافق طروحاتها مع المصالح الأميركية من جانب آخر. \nفليس جميع دول "ناتو" تفي بالتزاماتها وهي تخصيص 2% من الناتج الإجمالي المحلي للتسليح، فوفق تقرير معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلم لعام 2016 فإن معدل ما يصرف على التسلح عالمياً يبلغ ٪2.3 من الناتج الإجمالي العالمي، أما على مستوى الدول فتصرف الولايات المتحدة ٪3.3 من إجمالي ناتجها المحلي وبريطانيا ٪2 وفرنسا ٪2.1 وألمانيا ٪1.2 وإيطاليا ٪1.3. \nالرئيس الجديد سلط الضوء بشكل خاص على كل من كوريا الجنوبية المهددة من جارتها الشمالية وعلى ألمانيا الدولة الأكثر ثراءً في أوروبا والأقل صرفاً عسكرياً مقارنة مع بريطانيا وفرنسا. \nويبقى على قادة الولايات المتحدة أن يتقبلوا تحمل الأعباء المالية أكثر من غيرهم، فذلك ضريبة البقاء كقوة عظمى بكل ما يتيح لها ذلك من امتيازات لا يمكن أن تحصل عليها حين تغادر هذا الموقع.\n* نقلاً عن " البيان "\nمقالات مختارة تُنشر بالتزامن مع عدد الصحف العربية والأجنبية.\nجميع الحقوق محفوظة لشركة المجال للإعلام © 2016

الخبر من المصدر