تساؤلات ساذجة عن انتخاب «الرئيس المذهب»: دونالد ترامب كعنوان للديمقراطية الأمريكية

تساؤلات ساذجة عن انتخاب «الرئيس المذهب»: دونالد ترامب كعنوان للديمقراطية الأمريكية

منذ 7 سنوات

تساؤلات ساذجة عن انتخاب «الرئيس المذهب»: دونالد ترامب كعنوان للديمقراطية الأمريكية

لا شك أن الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة الأمريكية هى الحدث العالمى الأكثر طرافة وإثارة والحافل دائما بالمفاجآت التى غالبا ما تكون صاعقة.\nوليست الانتخابات الأخيرة التى حملت «الشخصية الكريهة» إلى سدة الرئاسة فى أقوى وأغنى دولة فى العالم استثناء فى نتائجها التى جاءت من خارج التوقع، ولكنها شكلت صدمة عنيفة للرأى العام، داخل الولايات المتحدة الأمريكية أساسا، ثمّ للعالم جميعا... وإن كان الجميع قد اضطروا للتسليم بهذه النتيجة احترما منهم للديمقراطية.. بنسختها الأمريكية التى لا شبيه لها فى أى مكان فى العالم، والتى تعتمد قواعد وُضعت قبل قرنين ونصف، وحين كانت «الدولة الأغنى فى الكون» تختبئ فى قلب عزلتها، منطوية على ثرواتها الخرافية فى أراضيها الممتدة باتساع قارة عظمى، موفرة الملجأ والفرصة للعقول والكفاءات وأبطال المغامرات ممن ضاقت بهم بلادهم واستقبلتهم «الأرض البكر» متيحة لهم فرص العمل والقفز إلى الثروة بمختلف الوسائل، لا فرق بين أن تكون مشروعة أو مخالفة ولكنها محمية بقوة السلاح.. أو المال.\nمن قبل، حملت الانتخابات الرئاسة «مرشحين كريهين»، وبلا تاريخ فى الإنجاز والإبداع، ولكن طبيعة النظام بقوى السيطرة الكونية فيه مكنتهم من توظيف «المهابة» الناتجة عن القدرات المذهلة للدولة الأغنى والأقوى فى العالم، فى تحقيق أهدافهم الإمبريالية من دون مقاومة تقريبا... لا سيما فى الفترة التى رافقت تهاوى القوة الكونية الثانية، الاتحاد السوفييتى، ثمّ تعاظم النفوذ الأمريكى وتمدده إلى مختلف أرجاء الكون، عندما غدت الولايات المتحدة الأمريكية بلا منافس لا فى ثرواتها الخرافية، ولا فى قدراتها العسكرية، ولا خاصة فى استقطابها الكفاءات جميعا الخارجة من بلادها الفقيرة أو المحكومة بأنظمة ديكتاتورية تبحث عن فرصة لبيع إبداعها وتفوقها العالمى وقدراتها على بناء عالم أكثر تقدما، وإن بقى أقل عدالة..\nوإذا كانت مفاجأة فوز نصف الزنجى ــ نصف المسلم باراك أوباما بالرئاسة قبل ثمانى سنوات قد شكلت نوعا من التزكية المعنوية للنظام الأمريكى الذى حوَّل الاستعمار التقليدى بالعسكر إلى نوع من الهيمنة الإمبريالية على القرار الكونى بالقوة المطلقة وبغياب المنافس ليس فقط بالقدرات العسكرية، بل أساسا بالتفوق العلمى والسبق الهائل فى مجالات الإنتاج، واستقطاب الكفاءات متعددة الجنسيات من سائر مناطق الدنيا، ومناخ الحرية الذى يستفيد منه «الأقــوى» تحــت شعار «دعه يعمل.. دعه يمر».\nفيمكن القول الآن، إن النظام الأمريكى عاد إلى سيرته الأولى بعد الاستثناء الذى مثله انتخاب باراك أوباما رئيسا ثمّ التمديد له لولاية ثانية، مؤكدا عبر دونالد ترامب أنه عصى على الإصلاح، كما يفهمه العالم خارج هذه الإمبراطورية الكونية!\nالأسئلة كثيرة ومقــلقة، فى الداخــل الأمريكى، كمــا خارج هذا «العالم المذهب» الذى تحكمه قوانين خاصة ناتجة عن طبيعة تكوينه وأنهار الدم التى أسيلت ظلما وعدوانا فى إبادة أهل البلاد الأصليين، والتى بفضلها صار القادة المؤسسون من أمثال جورج واشنطن ومن وصل بعده إلى سدة الرئاسة «أبطالا وطنيين» ورموزا للإبداع الأمريكى والفرادة فــى بناء الدول بجماجم أهلها الأصليين.\nما علينا، ذلك فى التاريخ المكتوم الذى طمسه الانبهار بالتفوق غير المسبوق لهذه الدولة الكونية التى فتحت أرضها ومؤسساتها للكفاءات الوافدة من مختلف جهات الأرض، وأفادت من ثرواتها الطبيعية الهائلة فى أراضيها الشاسعة التى تتجاوز مساحتها قارتين أو أكثر، حتى حققت التفوق الباهر فى مختلف مجالات الإنتاج والإبداع، مستفيدة من إدخال العقول الوافدة فى دورة إنتاجها الهائل.\nأما فيما يعنى الانتخابات الرئاسية الأخيرة التى أفضت إلى فوز «المتوحش، المغرور، الرجل البلا قيم، فاحش الثراء بوسائل غير مشروعة»، ناقص الثقافة إلى حد الجهل بالبديهيات، «كاوبوى» الدولار، المتجــاوز على القانون، المزواج، الذى عرف له ثلاث زوجات عدا العشيقات، الذين خجل كثير من الأمريكيين من الاعتراف بأنهم قد انتخبوه، والذى جاء «من داخل النظام» ومن خارج الرضا الشعبى بدليل تظاهرات رفضه المستمرة حتى اليوم، المغرور، الذى استقبلته أوروبا بإعلان احتقارها له.\nأما فيما يعنى هذه الانتخابات الرئاسية التى لم يستقبلها بالترحاب إلا بوتين روسيا، فإن أهل النظام العربى ــ الذين يشابهون ترامب فى مساوئه وعوراته القاتلة ــ قد هللوا لنجاحه المفاجئ، وكادوا يطيرون إليه مرحبين، وهنأوا أنفسهم بأن «شبيها لهم» فى عوراتهم ومباذلهم قد اعتلى سدة حكم العالم، وأن لا خطر عليهم، ولا مطالبة لهم بالتغيير أو بالإصلاح، طالما أن الخير فى صناديقهم وفير، وقد وصل رجل الصفقات إلى سدة الحكم فى أخطر موقع فى العالم... وعليهم الأمان إذن فلا يقلقون!\nلقد تسابق أركان النظام العربى إلى تهنئة هذا «الوعل» الذى يسهل عليهم «التفاهم» معه باللغة التى لا يعرفها إلا أمثاله وأمثالهم ممن جنوا الثــروات بلا تعب، وبمزيج مــن المصــادفات التاريخــية والجغرافية (حتــى لا ننســى النفط والغاز).\nلا يهم أن يكون ترامب قد ألقى خطبه الأولى، بعد تتويجه رئيسا، أمام اللوبى الصهيونى، وأنه قد أطلق وعودا مفتوحة وغير مسبوقة فى تأييد العدو الإسرائيلى فى مشاريع التوسع الاستيطانى على حساب شعب فلسطين وحقه فى أرضه، وعن عزمه الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة أبدية للكيان الصهيونى...\nولا يهم أن يكون أحد أسوأ الرؤساء تهذيبا وأقلهم معرفة بالعالم، وأن يكون محكوما بعقلية المضارب العقارى..\nربما لهذا كله يحق للمراقب أن يتساءل: هل هو «الشعب» نفسه الذى انتخب باراك أوباما، رجل القانون، المثقف المميز، فائق التهذيب، وكيف قدر لهذا الجل أن يخترق سور الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى المرحلة بين المهووس جورج بوش الابن وبين المرابى صياد النساء دونالد ترامب.. وهل هو نفسه الذى انتخب من قبل جون كنيدى ثمّ انتخب بعده الكاوبوى رونالد ريجان؟\nفى أى حال، فليست هذه أول مفاجأة يصدمنا بها المجتمع الأمريكى متعدد الأصول فى هويات «مواطنيه» ــ وترامب أمريكى منذ جيلين فقط ــ والديناميكى فى حركة تقدمه التى اجتمع فى إطلاقها ثمّ فى اندفاعتها المتوالية نخب متعددة الجنسية والأصول، فى مجتمع لا يهتم للضعفاء، ولا يخفى عنصريته، وإن كان قد نجح فى استيعاب المهاجرين الذين هم أساس وجود هذه الدولة العظمى، واستقطب أبرز العقول فى العالم وأخطرها، بإغراءات متعددة، أخطرها الجنسية المذهبة..\nعلى أن هذه كلها ملاحظات من الخارج، وما بقى، كأمر واقع، أن دونالد ترامب قد غدا رئيس أغنى وأقوى دولة فى العالم بخطاب عنصرى يدل على جهل فاضح فى السياسة، وإن كان متميزا فى جنى الثروة، بغير تدقيق فى أسبابها ووسائلها وما رافقها من فضائح. إنه كاوبوى مصفح بالذهب، ثمّ إنه مغرور، متوحش، يتجاوز القوانين بغير تحسب أو ندم.. فضلا عن أنه سيدخل معه إلى البيت الأبيض أكبر أسرة فى تاريخه، إذا ما قرر «جمع الشمل»، وجاء بزوجاته الثلاث، ودون احتساب العشيقات، والأولاد الذين لم يعترف بهم.. ولذا خجل كثيرون ممن انتخبوه من الاعتراف بهذه الخطيئة.\nأنها أمريكا! وترامب واحدة من أخطائها أو خطاياها التى لا تمنع من تحكمها بمقدرات العالم، شرقا وغربا.\nينشر بالتزامن مع جريدة السفير اللبنانية

الخبر من المصدر