في آواخر عام 2013، كانت مصر أول دولة عربية وربما عالمية تدرج جماعة الإخوان ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، بل وتحظر أنشطتها داخليًا وتحدد عقوبات قاسية على كل من ينتمى لها، وتلا ذلك ملاحقات قضائية للكثير من رؤوس وقيادات الجماعة، وصدور أحكام عدة ضدهم ما بين المؤبد والإعدام.\nوبالرغم من كل ذلك، عاشت الجماعة ولازالت على أمل المُصالحة، وجددت كل فترة مبادراتها للعودة مرة أخرى في النسيج الوطني، الذي لفظها بعد ثورة 30 يونيو، وذاق مرارة الإرهاب على إيديها، إلا أن الواقع الحالي يشهد بوجود مؤشرات عدة دفعت هذا الأمل للتجدد بين الفينة والأخرى لاسيما خلال الفترة الأخيرة.\nقضية شائكة، ظلت متداولة في المحاكم المختلفة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، حتى وضع لها القضاء المصري، أمس الثلاثاء، حدًا ربما يكون مؤقتًا، هي قضية التخابرمع حماس، المتهم فيها الرئيس المعزول و21 قيادي آخر، التي سبق وقضت محكمة النقض فيها بالإعدام والمؤبد عليهم.\nإلا أنها قررت إلغاء تلك الأحكام، وإعادة المحاكمة مرة أخرى، وأنقذت رقبة كلًا من المعزول وخيرت الشاطر، ومحمد البلتاجي، وأحمد عبد العاطي، من حبل المشنقة الذي كان ملفوفًا عليهم، بسبب اتهامهم بارتكاب جرائم التخابر مع التنظيم الدولي، وحركة حماس، والحرس الثوري الإيراني، وحزب الله.\nوالتقطت الجماعة وتوابعها أنفاسها عقب ذلك القرار، ورحبت حماس به معتبرة أنه تأكيد على أصالة القضية الفلسطينية لدى مصر، ووقوفها على مسافات متساوية من مختلف الأطراف الفلسطينية لتحقيق السلام القريب.\nالقرار أعطى أملًا زائفًا للجماعة في المصالحة، لاسيما أنه الثاني على المعزول "مرسي"، فخلال الأسبوع الماضي، قضت محكمة النقض بإلغاء حكم الإعدام الصادر بحق الأخير في قضية سجن وادي النطرون، التي اتهم فيها باقتحام السجون والاعتداء على المنشآت الأمنية والشرطية وقتل ضباط شرطة.\nوتضم القضية 129 متهمًا، من بينهم 93 متهمًا هاربًا من عناصر حماس وحزب الله والجماعات التكفيرية وجماعة الإخوان، وكانت المحكمة قد أصدرت في وقت سابق حكمًا بالإعدام على "مرسي" ومن معه من متهمين.\nعقب تلك الإلغاءات التي صدرت عن محكمة النقض تباعًا، فجرت صحيفة "الشروق" الجزائرية مفاجأة كبرى، نقلًا عن ما أسمته مصادر قيادية بجماعة الإخوان مقيمة في السعودية، زعمت فيها أن هناك مساع منذ فترة لحلحلة الوضع القائم الأن بين الحكومة في مصر والجماعة.\nوأوضحت المصادر بأن الإخوان طرحوا ما أسموه بـ"اتفاق تسوية" وليس اتفاق تصالح، يقتضي تجميدهم للعمل السياسي لمدة 5 أعوام، بحيث لا يشاركون خلالها في أي عمل سياسي حتى الإدلاء بأصواتهم في الاستحقاقات الإنتخابية، ولا يقومون بأي عمل مناهض للسلطة الحالية.\nكما ينص الاتفاق وفقًا للصحيفة على أن يتم الإفراج عن القيادات الصغرى وعودة المطاردين إلى منازلهم وأعمالهم السابقة، وسيكون برعاية وضمانات سعودية وعبر أحد رجال الفريق الرئاسي السابق لـ"مرسي"، بحسب تعبيرها.\nوكشفت الصحيفة أن الإتفاق يحمل مزايا للطرفين، أهمها تحسين الوضع الاقتصادي للدولة بعد توجيه جزء كبير من ميزانيتها للقضاء على الإخوان، وإعادة هيكلة الجماعة والقيام بإصلاحات جذرية لن تتم إلا بحالة التجميد لفترة كافية.\nوكانت وقائع الإفراج العديدة التي شهدها العام الحالي على بعض قيادات التيار الإسلامي أحد المؤشرات التي دفعتها للتعلق بـ"قشة العودة والمصالحة"، فقد تم إخلاء سبيل الكثير منهم مع اختلاف انتماءاتهم و التهم الموجهة إليهم، كان أبرزهم "حسن الغرباوي" القيادي البارز بالجماعة الإسلامية، وأمير منطقة عين شمس، والمفاجأة الكبرى كانت مع "محمد الظواهري" الذي أفرج عنه خلال 24 نوفمبر الماضي، وأيضًا محمد أبو سمرة، القيادي بتحالف دعم الشرعية، كذلك تم الإفراج عن "مجدي قرقر"، أمين حزب العمل الإسلامي.\nوفي مارس الماضي، خرجت محكمة جنايات القاهرة، بقرار مفاجىء، بإخلاء سبيل المتهمين في قضية ما يعرف بـ"تحالف دعم الشرعية"، المنتمي لجماعة الإخوان، ومن بينهم حسام خلف، وفوزي السعيد، وعبدالحميد جاد، ونصر عبد السلام، وحسام عيد، ومحمد الطاهر.\nالأمر اختلف في تفسيره كثيرون، فالصحف العالمية عولت على أنها محاولة من الدولة لتخفيف حدة الانتقادات التي توجه لها خارجيًا وأنها ترمي الكرة في ملعب الجماعة، إلا أن الأكثر أكدوا على أن فكرة المصالحة مع من تورط في الدماء باتت مستحيلة، كان منهم الرئيس عبدالفتاح السيسي نفسه.\nتلك الإجراءات المتتالية، اسالت لعاب الجماعة، ودفعتهم للتصعيد في فكرة مبادرات المصالحة، التي جاءت آخرها على يد "إبراهيم منير"، نائب المرشد العام للجماعة، الذي دعا الأسبوع الماضي، حكماء الشعب المصري و حكماء الدنيا لرسم صورة واضحة للمصالحة بين أطراف الأزمة المصرية.\nوزعم أن مبادرته جاءت من أجل تحقيق السلم والأمن لكل الأمة المصرية دون مداهنة أو خداع أو كذب على الناس، مشددًا على أنهم جادون في هذا الأمر وعندها تكون ردود الفعل، وأن هناك شرفاء كثيرون قد يؤدون دورًا مهما خلال الفترة المقبلة.\nعلى نفس النغمة، عزف "عماد عبد الغفور" مساعد الرئيس المعزول إبان حكمه، والذي دعا في أول ظهور له بالأمس، للمصالحة الوطنية، وطالب بتقديم تنازلات ودعوة القوى الإقليمية لرعاية المصالحة، ولابد من الوفاق الوطني، لأن الانطلاق إلى أي نهضة يحتاجه بشدة- وفقًا له.\nوعن تلك المؤشرات يقول هشام النجار، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أن الحكم على فكرة وجود المصالحة لا يتم من خلال أحكام القضاء، لأن الحيثيات التي تخرج ملاحقة لأي قرار قضائي توضح مبرراته المنطقية، ولا يمكن التعويل عليها، لأن الستار لم ينزل إلى الآن في قضايا عدة لازالت منظورة.\nويشير في تصريحات خاصة، إلى أن فكرة المصالحة بشكل عام مع الجماعة لن تحدث، لكن قرارات إخلاء السبيل لذلك العام، خصت بعض الأحزاب المتحالفة معها، وليس القيادات التاريخية التي يعد الإفراج عنهم مستحيل وكارثي، لأنهم يشبهون رؤوس الأفاعي التي لا آمان لها، وهو ما تعلمه الدولة جيدًا.\nوفرق سامح عيد، الباحث في الشؤون الإسلامية، بين المصالحة ومحاولات التهدئة وتسوية الوضع بشكل عام، لأن الأولى تعني عودة الجماعة للعمل السياسي والدخول في مجلس الشعب وانتخابات المحليات وإقامة مؤتمراتهم ومكاتب الإرشاد، وهو أمر لن تقبل به الدولة ولا النظام الحالي بأي شكل بعد تورط الجماعة في العنف.\nويضيف: "لكن مساعي التهدئة مختلفة إلى حد كبير، لاسيما أن المنطقة تعتبر على فوه بركان، وربما تحتاج بعض دول الخليج الجماعة في صد النفوذ الإيراني الشيعي، ورغبة مصر في عدم التصعيد ضد حماس من أجل القضية الفلسطينية فقط"، مشيرًا إلى أن تلك المساعي تتمثل في تهدئة الملاحقات الأمنية، والإفراج عن بعض مؤيدي ومتعاطفي الجماعة ممن لم يتورطوا في العنف.\nويوضح في تصريحات خاصة، أن إعادة المحاكمات خير دليلًا على أن القضاء المصري غير مُسيس، بل أنه يأخذ أقصى عقوبة في أول درجة، ويترك المساحة للجميع للاستئناف والنقض وإعادة المحاكمة، وهو نفس الأمر الذي حدث مع رجال الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وليس "المعزول" فقط.