أحمد سعيد ..رحلة طبيب "محمد محمود" من السجن للعفو الرئاسي

أحمد سعيد ..رحلة طبيب "محمد محمود" من السجن للعفو الرئاسي

منذ 7 سنوات

أحمد سعيد ..رحلة طبيب "محمد محمود" من السجن للعفو الرئاسي

ترك العمل بالسعودية للمشاركة في ثورة يناير \n"الحرية للجدعان" لافتة قادته إلى السجن عامين وأخرجه العفو الرئاسي\nسافر لألمانيا لاستكمال دراسته وكُرم بجامعة فرانكفورت\nالسجن معزول عن الحياة والضغط الإعلامي جنبه سوء المعاملة \n"العقرب" تربة خصبة للتفكير المتطرف\nبعض الشباب يتعاطف مع داعش ويعلق عليهم الأمل\nوقف أمام منزله بوجهه الساطع بأشعة الشمس يلقي ابتسامة شقت خديه يتنفس معها نسيم الحرية، بعد اثنى عشر شهرا قضاها في غياهب االسجون، لا لشيء سوى أنه رفع لافتة سطر عليها حلمه "الحرية للجدعان"، ليصبح بعدها واحدا ممن نادى يوما بخروجهم من المعتقلات.\nفي مثل هذه الأيام من العام الماضي، أتى الطبيب "أحمد سعيد"، الشاب الثلاثيني، إلى مصر ليقضي إجازة لمدة أيام بين أهله قبل أن يعود ثانية إلى ألمانيا، التي سافر إليها منذ عامين لاستكمال دراسته، لكنه لم يكن يعلم أن تلك الوقفة الصامتة التي شارك فيها ستقوده خلف القضبان قيد الحبس عامين.\nلبث الطبيب في السجن عام، حتى ورد اسمه في قائمة العفو الرئاسي، فخرج إلى الحياة من جديد، بعدما كان يظن أنه سيمكث في السجن ما تبقى من عمره، فظلمة الزنزانة أطفأت كل بصيص من الأمل بداخله، وما رآه من قصص لمساجين دخلوا معه وسبقوه ولحقوا به جعلته يدرك أنه لا للخروج من سبيل.\nيوم 18 نوفمبر 2015  كتب سعيد على صفحته على الفيسبوك، "ذكرى محمد محمود..كل اللي حصل أننا زودنا على مطالب الثورة مطلب جديد الحرية للمعتقليين"، وفي اليوم التالي ذهب إلى كوبري أكتوبر ليشارك في وقفة صامتة لإحياء الذكرى، حمل بين يديه لافتة مكتوب عليها "الحرية للجدعان"، شرد فيها بخياله مسترجعا أحداث ذلك اليوم . \nقبل خمس سنوات ترك الطبيب عمله بوزارة الصحة في السعودية، وعاد إلى مصر ليشارك في ثورة 25 يناير، ولما دارت أحداث عنف بالبلاد، غلبت عليه مهنته فانضم لفريق أطباء المستشفى الميداني وكرس نفسه لإسعاف المصابين، وهكذا كان دوره في أحداث محمد محمود الأولى 19 نوفبمر 2011.\n"شباب زي الورد عمال يقع قدامي بيضرب بالنار ملهمش أي ذنب غير أنهم طالبين يقصروا فترة حكم المجلس العسكري ورافضين الاعتداء على مصابين الثورة"، مشهد يتذكره "سعيد" يقصه على "مصر العربية" بعد خروجه من السجن، ليصف معه أحداث محمد محمود باللعنة التي لا يمكن نسيانها .\nاستعاد الطبيب حاضره وفاق مما جال في خاطره وانصرف من الوقفة الصامتة، وبينما كان يسير  مع أصدقائه في منطقة عابدين بوسط البلد، أوقفهم شرطيين طالبا منهما التوجه معهم إلى قسم الشرطة للتأكد من سلامة صحيفتهم الجنائية، وهناك واجه اتهامات بتكدير السلم العام، على إثرها حُكم عليه بالسجن عامين .\nبعد رحلة من التنقل بين أقسام الشرطة والسجون استقر المطاف بـ الطبيب في سجن العقرب شديد الحراسة 2، فيه يُعزل المساجين عن كل شيء له صلة بالعالم الخارجي، تُمنع الجرائد والمجلات والكتب والتلفاز والراديو، غير أن "الطبيب"  لقى معاملة حسنة من إدارة السجن خلاف ما كان عليه رفقائه.\nفي بداية دخوله السجن حدثت مشكلة بينه وبين إدارة المباحث و المخبرين هناك، كادوا يتهجمون عليه، فاحتج بطريقته وأعلن دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام، فزادوا في عقابه ومنعوا عنه الزيارة تأديبيا له، قابلها ضجة إعلامية فكت القيود من عليه، ومن حينها يُعامل معاملة طيبة.\nالضغوط للإفراج عن الطبيب، لم تكن فقط من المصريين، ولكن وصلت استغاثات من رئيس الجمعية الطبية العالمية، البريطاني السير بروفيسور "مايكل مارموت"، تندد بحبس الجراح المصري أحمد سعيد، وهو ما عجز عن التعبير عنه سوى بكلمات مقتضبة "مش عارف أقول إيه غير أن الغرب هما اللي بيطالبوا بالإفراج عني وأنا لما رجعت بلدي اتحبست ".\nوهناك في ألمانيا خلال عمله بجامعة فرانكفورت، التي التحق بها قبل عامين من حبسه، حصل على تكريم لنبوغه ومهاراته في عمليات جراحة الأوعية الدموية رغم صعوبتها، فهو مجال دقيق ونادر وبالغ الأهمية .\nالأيام في السجن قاسية تمر كالسنين، حُرموا من كل متاع يستعيون به على قضاء أوقاتهم، فراح يستعيد مهمته في أحداث الثورة، يتنقل بين المساجين يداوي المريض فيهم ويدلي بنصائحه الطبية لمن في حاجة إليها، يراها واجبا وفريضة أينما كان .\nهناك في "العقرب2" يقبع فيه كثير  من ذوي التيار الإسلامي، ممن ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين أو يتعاطفون معهم وغيرهم ممن يحملون الفكر الجهادي،  فضل "سعيد" أن يكون في عزلة بعض الشيء عنهم حتى لا يختلط بأفكارهم.\nهؤلاء أصحاب التيار الإسلامي يخفون أمام إدارة السجن ما تكن به عقولهم وقلوبهم من أفكار وأيديولجيات، فهو يخضع لإشراف جهاز  الأمن الوطني "أمن الدولة سابقا"، فأصحاب هذا السجن هم من أثبتت التحريات أنهم ينبذون العنف، أو كما قيل لهم "ضمن البرنامج التأهيلي للخروج". \nيستطرد سعيد، أن البرنامج التأهيلي مجرد شكل صوري لتجميل الصورة، فلم يكن هناك أي تعامل جدي يدل على وجود مراجعة فكرية مع هؤلاء، خاصة أنهم بالفعل يخفون انتمائاتهم، كما أن هناك أشخاص آخرين ليس لهم في السياسة نهائيا .\nمن بين المساجين رأى سعيد، شباب صغير  يتحول أمام عينيه، كان في البداية بلا فكر ولا أي أيديولجية ولما وقع عليه الظلم وذاق من العذاب، بات ناقما على النظام والبلاد، يحمل بداخله رغبة انتقامية تكبر حتى سنوات عمره، ينظر إلى نفسه يجدها لم ترتكب إثما لتُدمر حياته هكذا .\nسكن قلوب هؤلاء الشباب الكره لكل شيء في البلد، ضاقت عليهم الزنازين وجدران السجن، فقدوا الأمل في الحياة نفسها ليس فقط في خروجهم إلى النور من جديد، فقط يتشبثون بأمنية واحدة يتناجون بها، ويعلقون عليها آخر ذرة أمل "أن تخلصهم داعش من الظلم"، بحسب سعيد.\nشعور من تعرض للظم هنا بالانتقام ذهب به للتعاطف مع التفكير الداعشي، يتمنى له الانتصار وحكم البلاد، وهكذا باتت السجون تربة خصبة للتفكير المتطرف، حسبما يؤكد الطبيب من واقع معايشته للسجناء في "العقرب 2".\nوبينما هم على هذا الحال تواردت أنباء عن عفو رئاسي، ورغم ما تسرب له أنهم واحدا ممن ستشملهم القائمة إلا أنه كان فاقدا الأمل في الخروج حتى إذا قضى عاميه، إلى أن جاءه النبأ اليقين بالعفو عنه.\nولكن سرعان ما ذهبت عنه فرحته بعودته لأهله مرة أخرى، حين علم بقلة عددهم، وخروج عدد كبير تبقى على انتهاء مدتهم القليل، في حين هناك من يستحق بالعفو أكثر أصحاب الـ 15 والـ 20 عام.\nوفي نفس يوم حبسه بعد عام، يمكث الطبيب بين أهله، ولاتزال تحاصره ذكريات أحداث محمد محمود، غير قادر على التخلص منها، ربما لأنه لم يتغير في الأمور شيئا سوى أنها ازدادت سوءا، أو لحين يرى نتائج إيجابية لها، حسبما يروي لنا.\nورغم ما دفعه سعيد من ثمن،  إلا أنه لم يندم يوما على الطريق الذي اختاره من بداية ترك عمله بالسعودية للمشاركة في الثورة وإسعاف المصابين والمطالبة بحرية المحبوسين حتى توارى خلف القضبان، فقط ما يأسف عليه دام سال هدر وشباب سُجن ظلما وكفر بالأحلام والأمل .\nيستبعد الطبيب حدوث أي حراك ثوري جديد الفترة القادمة، رغم تردي الأوضاع على كافة المستويات، فما كان أمامهم من طريق وحيد للتغيير هو الطريق السلمي أُغلق في وجههم، فحتى من لايزال متشبثا بالأمل إذا فكر في التعبير عن رأيه سيلقى مصير الإرهابيين.\nبعد خروجه من السجن يعكف حاليا سعيد على سرعة الانتهاء من أوراقه ليطير سريعا إلى ألمانيا، خوفه من تعرضه للسجن مرة أخرى وعدم إحساسه بالأمان هنا، يجعله يستعد على عجل للرحيل والابتعاد عن البلد  .

الخبر من المصدر