أشرف بيدس يكتب «نجوم الفن الجميل- 6»: حسن فايق.. أبو ضحكة جنان

أشرف بيدس يكتب «نجوم الفن الجميل- 6»: حسن فايق.. أبو ضحكة جنان

منذ 7 سنوات

أشرف بيدس يكتب «نجوم الفن الجميل- 6»: حسن فايق.. أبو ضحكة جنان

 كان مؤلفا ومؤديا للمنولوجات ابان ثورة 1919 والتى حرض بعضها على النضال والتصدى للاستعمار\nأول من قدم عملا فنياً يدعو للتعايش السلمى بين المسلمين والمسيحيين أثناء ثورة 1919 وكان يحمل اسم (احمد وحنا)\nتحمل على عاتقه مهمة إسعاد الناس وتحريضهم على الضحك دون إسفاف.. واكتسب شهرة كبيرة رغم صغر أدواره\nمن أول طلة انت أمام شخص طيب.. نقى السريرة، لا تحمل نظراته أى نوع من الخبث أو الضغينة، ولا يضمر فى قلبه شراً لأحد، تملأ البسمة وجهه وتفيض بالحب لمن حوله، لا يمكن ان تسيء الظن به.. فملامحه بها قدر كبير من الطمأنينة.. قد يبدو عصبى المزاج سريع الانفعال، لكن سرعان ما يهدأ، وتكشف ردود أفعاله عن إنسان مسالم لا يعرف الكره أو الحقد، يوزع ابتساماته على الجميع دون استثناء، وكأن مهمته فى الحياة هى إسعاد الناس، فى حالة اندهاش مستمرة لما يحدث حوله، وعندما تتفاقم الأمور لا يجد غير ضحكته الشهيرة ليزيل بها أى لبس او لغط، شديد الاحترام والتواضع وإنكار الذات، انه "حسن فايق" واحد من ظرفاء السينما المخلصين.\nهناك نجوم كثيرون ظلوا حبيسين لادوار بعينها لم يطرأ عليها أى تغيير أو تطوير، ورغم امتداد عمرهم الفنى، كانت نظرة المخرجين لهم نمطية ومحدودة، ربما لأنهم برعوا فى تجسيد هذه الأدوار فكان جزاؤهم هو تكرارها المستمر فى أعمال كثيرة، ومثل هذا الانحسار قيوداً على موهبتهم الفنية، من هؤلاء حسن فايق الذى كان فى استطاعته ان يلعب أدواراً عديدة ولكن لم تتح له الفرصة للقيام بها، فتكوينه الجسمانى وقدراته الفنية تساعده على أداء العديد منها، و النفاذ داخل أى شخصية، لكنه استسلم لرغبات المنتجين والجمهور، ولم يشهد تاريخه أى خطوات نحو البطولة إلا من أعمال قليلة (بنات شربات- حسن ومرقص وكوهين الذى أخرجه فؤاد الجزايرلى عام 1954 – فلفل- ليلة الدخلة- العقل والمال أمام إسماعيل يس) ربما كانت هناك استثناءات نسائية فى ذاك الزمن، إنما بالنسبة للرجال لم يكن الأمر هينا، إلا إذا أنتج الممثل لنفسه أو كان يمتلك مواصفات يضع معاييرها شباك التذاكر. امتاز حسن فايق بتقديم نوعية واحدة من الأدوار تدور فى أغلبها حول الشخص المهزوز الذى لا يثبت على رأى، كثير التردد، ويستطيع أى شخص التأثير على قراراته، لا يتخذ موقفاً ولا تعرف فى أى اتجاه يسير، والحق أنه نجح فى تجسيد هذه الأدوار لأنه برع فى تضفيرها بأداء وعبارات خاصة به.\nزحف كل من زاملوه نحو القمة واحتلت أسماؤهم الأفيشات وسجلوا بطولات كثيرة، ورغم أنه كان مؤلفا ومؤديا للمنولوجات التى قدم الكثير منها ابان ثورة 1919 والتى حرض بعضها على النضال والتصدى للاستعمار، ولكن ذلك لم يسعفه لاحتلال مكانة يستحقها، فقد شهدت بداياته ظهور جيل عظيم من المبدعين أمثال يوسف وهبى ونجيب الريحانى اللذين كانا يستعينان به فى أدوار صغيرة رغم معرفتهما الكاملة بموهبته وقدراته، لكن ذلك لم يمنعه من اكتساب شهرة كبيرة جاءت من تراكم الأدوار التى أسندت إليه والتى اجتهد فيها ونجح فى لفت الأنظار إليه.\nكان واحدا من جيل تحمل على عاتقه مهمة إسعاد الناس وتحريضهم على الضحك دون إسفاف، فقد كان يتم الاعتماد عليه فى كثير من الأعمال ليقوم بتلطيف الأجواء من خلال طلته المميزة التى تجد صدى رائعا عند الجماهير، فملأ مشاهد كثيرة بالبهجة، ولم يكن يشغل باله من قريب او بعيد مساحة الدور أو قيمة الأجر أو ترتيب اسمه على الأفيش، ولو فعل ذلك لاختلفت كثير من الأمور لكنه كان يعمل بروح الهواية التى ظلت ملازمة له.. دون النظر لأمور يراها البعض أساسية، لكنها لم تكن ذات قيمة بالنسبة له، لأن المقابل الذى كان يرضيه يجده بالفعل فى عيون محبيه، ربما كان متشددا بعض الشيء بالمسرح ودليل ذلك تنقله المستمر من الفرق المسرحية التى كان يعمل بها. ورغم ان السينما مثلت نقطة انطلاقة وكانت علامة فارقة فى مشواره الفنى كما يقول "ان السينما هى التى صنعت نجوميتى، لأنه لم يبق لى او لجيلى سوى أفلامنا التى ستظل تشاهدها الناس" لكنه أيضا يدين بعشقه للمسرح "المسرح اقرب إلى قلبى لأنه يمنحنى الشجاعة لمواجهة الجماهير التى تعطينى اجرى من التصفيق والإعجاب فى التو واللحظة".\nمن مواليد الإسكندرية، اسمه بالكامل حسن فايق فهمى الخولى (7- يناير-1898/14-يناير-1980)، عاش 82 عاما قضى منها أكثر من خمسين عاما فى الفن، تزوج مرتين، الأولى هى أم أولاده، والثانية تزوجها وهو يبلغ من العمر ستين عاما، وهى التى لازمته فى محنة المرض، نزح والده الى القاهرة صاحبا زوجته وأبناءه الثلاثة بعد تعثر الحال حيث كان يعمل بالجمرك، واستقر بهم المقام فى حى حلوان، وبدأ الأب فى ممارسة بعض الأعمال التجارية التى سرعان ما لقت رواجا واتساعا، قرر بعدها اصطحاب ابنه الأكبر (حسن) ليعاونه مكتفيا بما اجتازه من التعليم بعد ان حصل على الابتدائية، يقتحم الابن العمل التجارى مبكرا، وفى يوم من الأيام يشاهد بالمصادفة سلامة حجازى فيميل قلبه للفن، ويخفى ولعه به خشية غضب الأسرة, وبعد وفاة الأب يقرر الاشتغال بالفن وهو عمره فى ذلك الوقت 16 عاما، وبدأ بإلقاء المنولوجات التى كان يقوم بتأليفها منتقدا الظواهر الاجتماعية السيئة، ووجد صعوبة بالغة فى بداية مشواره حتى تقبلته الجماهير بعد طول عناء.\nبدأ حسن فايق مشواره مع جيل العمالقة، ففى عام 1914 كون مع يوسف وهبى وحسين رياض فرقة جمعية الاتحاد التمثيلية، وقام بتأليف عدد من المسرحيات التى قامت بأدائها الفرقة، ثم اشترك مع عزيز عيد ونجيب الريحانى فى تكوين فرقة للهواة، ثم انتقل بعد ذلك لفرقة سلامة حجازى اول من حرضه على الاشتغال بالفن، ومنها لفرقة جورج أبيض، واستقر به المقام لتكوين فرقة تحمل اسمه بمعاونة عباس فارس واستفان روستي, وهو أول من قدم عملا فنياً يدعو للتعايش السلمى بين المسلمين والمسيحيين أثناء ثورة 1919 وكان يحمل اسم (احمد وحنا)، كما كان يقدم المنولوجات التى تحث المصريين على مقاومة الاحتلال الانجليزى، عاد مرة أخرى لفرقة نجيب الريحانى وقدم أعمالا لاقت نجاحا كبيرا، وبعد رحيل الريحانى انضم الى فرقة إسماعيل ياسين ومنها إلى فرقة التليفزيون التى لم يمكث بها كثيرا.\nاقتحم حسن فايق مجال السينما بعد ان اسند له يوسف وهبى دوراً فى فيلم (أولاد الذوات) اول فيلم مصرى ناطق عام 1932، وبعد ذلك بثلاث سنوات يرشحه استفان روستى لفيلم «عنتر أفندي»، حتى يأتى فيلم «بسلامته عاوز يتجوز» أمام نجيب الريحانى وتتوالى الأعمال السينمائية وتبلغ اكثر من 160 فيلما من أشهرها (سلامة فى خير - انتصار الشباب- تحيا الستات - كدب فى كدب- أحب البلدي- لعبة الست- قلبى دليلي- فيروز هانم - شارع الحب- إسماعيل ياسين بوليس سري- سكر هانم- ليلة الدخلة - قمر 14- نشالة هانم- الزوجة 13) وجاء الفيلمان الاخيران فى مسيرته السينمائية وقد شهدا نجاحا هائلا وهما (خطيب ماما ومعبودة الجماهير) ليحتفظ بصورته فى قلوب جماهيره ومعجبيه.\nلا شيء يبقى على حاله.. وتأتى المشاهد الأخيرة لتكتب كلمات النهاية، وما أقسى نهايات الكوميديانات، يصاب بشلل نصفى يقعده عن العمل، وتبدأ معاناته مع الآلام وتتحول ضحكته الصافية إلى دموع تملأ عينيه ليس حزنا على العافية، وانما على الجحود الذى لقاه والنسيان الذى حظى به، تنحسر الاضواء والشهرة والمال والصحة، وتدخل الوحدة والعزلة والاكتئاب والمرض فى رحلة طويلة استمرت اكثر من 15 عاما لم يجد من يواسيه ويخفف عنه، او يرد جميلا كبيرا فى أعناقنا كان علينا الوفاء بقليل منه، ليس لإمادة العمر، وإنما لرسم بسمة واحدة من آلاف البسمات التى امتعنا به، ولهث الكثيرون وراء ضحكات أخرى ربما كانت مصطنعة او مزيفة، ولا تحمل طيبة وحلاوة ضحكاته التى كانت تخرج من قلبه لتسكن بأريحية قلوبا كثيرة أحبته وتشتاق لفنه الجميل وضحكته الأجمل.

الخبر من المصدر