صفحات من ثورة الفينيق

صفحات من ثورة الفينيق

منذ 7 سنوات

صفحات من ثورة الفينيق

الحصار، وكسر الحصار.. هي جدلية ضاربة بجذورها في التراب والصلصال والحمأ المسنون وثنائية تثير في تمخضاتها عدة قضايا وجودية، فهي لا تموت مهما توالت المحن ومهما بلغ الخضوع مبلغه أو طغى الجنون.\nنظام الفوضى وفوضى النظام، كنت أشبه بالذي به جنة أو مسّ حين حاولت منذ سنوات خلت أن أبني هرطقاتي على هذا الأساس وهذا التجلي.. إذ كيف يكون للفوضى نظام؟ وكيف يكون النظام فوضوياً؟ فهمت لاحقاً أنه ما كان عليَّ أن أستغرب ولا أن أغضب أو حتى أتذمر؛ لأني كنت قد تعلمت -متأخراً ربما- أن استخلاص السنن وتجريد القواعد يستدعي العمل على إيجاد توازن أكبر في تفاعل العقل بالفؤاد والحس بالمنطق والتفكر.\nهكذا إذن تبدو الصورة، لا شيء في مكانه ما دامت الأشياء حملت الأمكنة تحت السياط -الرياح.. وتلاشى الأمس واليوم والغد- في حلم، في رقصة الضد مع الضد.\nأكثر من سبع سنوات مرت، والحلم لا يزال يكبر، وهذا ما كتبت.\nأشتاق إلى اعتلاء خشبة المسرح وقراءة نصوصي على جمهور عريض يضم أشخاصاً من ألوان وأطياف متعددة.\nتبدأ قراءتي عادة هادئة ثم تأخذ نبرتي في الهيجان والقوة، ولعل ذلك بدافع الشعور بالرهبة قبل السيطرة عليها وتفريغها لاحقاً.\nأتذكر سنة 2009 حين دعاني القيم العام لمكتبه، حسبت أنه سيحيلني على "مجلس التأديب"؛ لأني قبل ساعة خضت عراكاً مع قيم آخر... جلست على كرسي قبالته وقال: "أخبروني أنك شاعر ولديك إلقاء ممتاز" أجبته "ممكن" وواصل حديثه قائلاً: "ستعاقب لما قلته للقيم منذ قليل، لكن إذا قمت بإعداد أبيات تلقيها في الحفلة التي ستقام بمناسبة الانتخابات سأعفو عنك"، ابتسمت في هدوء وأجبته بالموافقة وأكد أنه يجب عليَّ أن أريه النص المطلوب قبل الحفل فوافقت مضمراً شيئاً آخر... عدت إلى الفصل سألتني أستاذتي: "لماذا قاموا باستدعائك؟" وأجبتها بالدارجة: "يحبوني نهز القفة"، قلتها بمرارة، أطرقت برأسي ثم عدت إلى مقعدي.\nاليوم والبارحة، الحاضر يتقاطع مع الماضي في حلم ومبدأ، الرسالة التي تنضح حرية وكرامة وعدلاً هي النفس الذي نتنفس وهي السبيل من وإلى العقدة الكبرى "فكر عن الحياة والكون والإنسان، وعن علاقتها جميعها بما قبل الحياة الدنيا وما بعدها".\nكنت قبل ذلك بأيام قد أنهيت نصاً شعرياً طويلاً عن فكر الثورة وعن حالة الوعي المجتمعي الكارثية، قررت أن أعتلي خشبة المسرح وهكذا توجهت في الغد على الساعة الثالثة تقريباً إلى "دار الثقافة"، متجاهلاً المرور على القيم العام ليفحص ما كتبت.\nفي خطوات ثابتة وتحت وقع نبضات متسارعة صعدت إلى المسرح، أخذت في القراءة بهدوء، كان الجمهور في حالة من عدم الانتباه إلى أن قرأت "مرحباً بك في عصر الآهات في وطن اللعنات هات صحنك اليوم سنقتات من جثث الأموات الأجساد الممدودة هنا وهناك"، علا صوتي في محاولة لجذب انتباه الحاضرين، كنت أتمادى حقاً هناك وكان صوتي آخذاً في الارتفاع أكثر فأكثر، انفجرت حماسة أمام غلمان النمط، وختمت نصي "مت ولا تنم، هاهنا مكمن الألم، هاهنا هاهنا ميلاد الفينيق المشتعل".\nانتهى النص، أغمضت عيني، انحنيت انحناءة خفيفة، ثم خيم صمت مطبق، وفجأة عصفت بالقاعة الفسيحة زوبعة من التصفيق.\nسررت لمرأى الوجوه المصفرة، وما إن نزلت من المسرح حتى عدت إلى منزلي ولم أنظر ورائي، مؤكداً أني قد فتحت صدري للرصاص والرصيف والحصار - أغنية... "سأرحل لأبقى".\nالتدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الخبر من المصدر