موظف على المقاس!

موظف على المقاس!

منذ 7 سنوات

موظف على المقاس!

تقول إحدى النكات الإدارية إنه بينما كان المدير يقول نكتة لمن حوله من الموظفين، ضحك الجميع إلا واحداً بدا غير معجب بالنكتة -أو بالمدير نفسه- فسأله المدير: لماذا لم تضحك؟ فردَّ عليه: أنا قدمت استقالتي بالأمس يا سيدي!\nربما تبدو النكتة سمجة بعض الشيء، ولكنها تحمل كثيراً من الواقع الحاصل في دنيا الشركات والمؤسسات؛ إذ يستخدم بعض المديرين كل أساليب القوة الناعمة والخشنة للسيطرة على الموظفين وإجبارهم على الانصياع لأوامرهم وطلباتهم.\nوفي المقابل، يستميت بعض الموظفين للحصول على رضا المديرين وخطب ودهم للبقاء في واجهة العمل، أو أحياناً للحفاظ على العمل فقط.\nكان أحد المديرين يقول لي إن العلاقة بين المدير والموظف هي علاقة احترام متبادل، ومصالح متداخلة، وهو قول صحيح نظرياً، ولكن التطبيق يكذّب كثيراً منه، خاصة الجزء الأول منه.\nفبعد دخولك أكثر في عالم الشركات والمؤسسات، وتعرفك على أنواع القوى الخفية وغير الخفية المستخدمة، سترى بأمّ عينيك كيفية استغلال حاجة الموظفين للعمل ورغبتهم بالحصول على المال لإعالة أسرهم ومَن يكفلون.\nإحدى الدراسات التي أوردتها مجلة "هارفارد بزنس" خرجت بنتيجة مفادها أن المديرين أصحاب النفوذ والسيطرة في المنظمة لديهم قدرة أكبر على الكذب وخداع الموظفين للحصول على ما يريدون، وتوجيه الموظفين للنتيجة التي يرغبون بها، وهي دراسة مثيرة؛ إذ إنها تسلط الضوء على مدى ارتباط الثقة بالنفس، وما يسمى في علم القانون بـ"سبق الإصرار والترصد"، أي التخطيط المسبق والترتيب للخداع، وذلك لضمان الوصول إلى أفضل النتائج.\nوتوجد دراسات سيكولوجية أخرى تتحدث عن مراعاة الموظفين لهذا النوع من المديرين والتجاوب معهم؛ نظراً لارتباط مصالحهم وأرزاقهم معه؛ إذ إن العرض في سوق العمل أكبر بكثير من الطلب، والحفاظ على الوظيفة من شيم الموظف المجتهد المداري لنعم الله عليه، حسب تعبيرهم.\nربما يجادل أحدهم بأن الشركات الكبرى والعالمية لا تخلو من سلطة المدير والموظف الأعلى، وصاحب النفوذ والعلاقات الأكثر تشعباً وتحكماً، وهذا صحيح نسبياً، ولكن، في هذه الشركات، تجد قوانين تضمن حقوق الموظف وتحفظها، وتجد لوائح تضبط العمل وتُسيّره بنظام يسري على الجميع، ويجعلهم جميعاً متساوين في الحقوق والواجبات في ظله، فلا يضطرك القانون لاستمالة المدير من أجل ترقية أو علاوة أو زيادة في الراتب، وإنما هذا حق محفوظ لك إلى أن يحين موعده حسب اللوائح والسياسات.\nوفي المقابل لا يستطيع المدير أن يشتري ذمَّتك بترقية لم يحِن موعدها، أو إضافة بدلات أخرى إلى معاشك، بدل كلامك الجميل والمنمق، ومديحك له على "الطالعة والنازلة".\nمن عاش في ظل منظمة تضبط سيرها لوائح وقوانين يحتكم الجميع لها، لا يمكن له العيش في ظل مدير يظن أن كل ما هو داخل أسوار المنظمة هو ملك له، ويحق له التصرف فيه كأي مزرعة يملكها، ويملك ما فيها.\nوفي المقابل، ترى آخرين اعتادوا واستمرأوا العيش في ظل ذلك المدير، ولم تعد لديهم القدرة على تصور أنفسهم خارج هذا السور بحكم العادة، وبحكم الترويض المستمر الذي تم لهم خلال الفترة الماضية.\nربما لا تكون منظماتنا التي نعمل بها مثالية بالشكل الذي نرغب به، ولا متميزة بالقدر الذي نريد، ولكنَّ هناك حدوداً دنيا -غير الرواتب والمكافآت- لا بد من توافرها للاستمرار في العمل والتقدم فيه، وعلى رأسها احترام الموظف، والمساواة الإنسانية بين جميع العاملين، من أسفل الهرم حتى أعلاه؛ إذ إن اختلاف الرتبة الوظيفية لا يعني أبداً اختلاف الرتبة الإنسانية.

الخبر من المصدر