بيكاسو يعبر الحواجز إلى فلسطين

بيكاسو يعبر الحواجز إلى فلسطين

منذ 7 سنوات

بيكاسو يعبر الحواجز إلى فلسطين

"بيكاسو في فلسطين".. بفرحة ظاهرة يتناقل الفنان الفلسطيني خالد حوراني وزملاؤه هذه الجملة منذ وصول لوحة الفنان الإسباني العالمي بابلو بيكاسو "بورتريه امرأة " إلى مدينة رام الله، في رحلة مدتها ثلاثة أسابيع ستحمل خلالها دلالات سياسية وإنسانية.\nوتستعير الأكاديمية الدولية للفنون في فلسطين هذه اللوحة وهي من الفن "التكعيبي التفكيكي ورسمت عام 1943" من متحف فان آبه في أيندهوفن بهولندا. في تجربة هي الأولى في تاريخ لوحات من هذا المستوى، حيث يرى مدير متحف فان آبه تشارلز إيشه أن "تاريخ اللوحة سيكتسب معنى جديدا بعد زيارتها لفلسطين".\nووصلت اللوحة ظهر السبت بعد رحلة استمرت يومين من متحف أيندهوفن بهولندا إلى رام الله التي نقلت إليها عبر حاجز قلنديا العسكري الإسرائيلي وتحت إجراءات أمنية فلسطينية مشددة.\nويروي المدير الفني لأكاديمية الفنون خالد حوراني حلم استعارة اللوحة، ابتداءً من فكرة راودته بعد زيارته للمتحف الهولندي وإثر مراسلة أولى لإحضارها إلى فلسطين، إلى أن علقت أخيرا في معرض مجهز حسب المواصفات العالمية برام الله.\nويقول "طيلة يومين استغرقتهما رحلة اللوحة من أيندهوفن إلى أمستردام وإلى فلسطين، كنت أتذكر أول رد على طلب استعارتها من المتحف، وكان حافلا بعدم التصديق والكثير من الأسئلة: "هل فلسطين دولة؟ هل فيها أمن؟ ماذا عن الحرب؟...".\nونظرا لحجم المخاطرة العالية، فقد رفضت شركة التأمين قبول نقل اللوحة التي يقدر ثمنها بنحو ستة ملايين يورو، وكان أن تبنت شركة أخرى تأمين هذه المخاطرة التي لم يسبق للوحة من هذا المستوى أن خاضتها.\nورغم ذلك، يقول حوراني، إن "الحدث ليس لوحة بيكاسو، ولكن رحلتها التي فضحت قصة حصار فلسطين وفقدان الأمن وعدم تمكننا من التحكم في حياتنا بسبب سلسلة طويلة من الإجراءات و المعابر والحواجز".\nورغم اشتهار بيكاسو بلوحات ذات معاني سياسية أهمها "الجورنيكا" (1937) التي جسدت مأساة القرية الإسبانية التي تحمل اسمها والتي تعرضت لقصف من الطيران النازي أدى إلى مقتل عدد كبير من سكانها، فإن أكاديمية الفنون ارتأت اختيار لوحة بلا مدلول سياسي مباشر.\nوتحمل اللوحة المستعارة اسم "بورتريه امرأة"، "كي تعبر أيضا عن فكرة حضور المرأة الفلسطينية في التاريخ والفن الفلسطيني وفي رمزية الأرض والقضية" كما قال حوراني.\nوترتبط رحلة اللوحة، وهي إحدى أبرز الأعمال التي تمثل الفترة التي رسم فيها بيكاسو متأثرًا بالحرب الأهلية في إسبانيا، بالقضايا المعاصرة والآليات التي تسيطر على الحقوق الثقافية والكفاح في أزمنة وأمكنة مختلفة.\nوحسب حوراني، فإن فكرة عرضها في سياق مختلف عن السائد سيزيد من قيمتها خاصة أنه سيحل مكانها أثناء غيابها ملصق بحجمها يحمل عنوان "بيكاسو في فلسطين" وعندما تعود ستحمل هذه الرسالة أيضا.\nاللوحة لدى وصولها إلى أكاديمية الفنون\nفي رام الله (الجزيرة نت)\nواستغرقت شركة التأمين عدة أشهر في عملية فحص ملاءمة قاعة العرض والظروف التي ستصل بها اللوحة إلى رام الله، من حواجز إسرائيلية ومطبّات الشوارع ومستوى الرطوبة ودرجة الحرارة، وكذلك نوع الصراع والخطر الأمني ومستوى الجريمة المنظمة.\nويتطرق حوراني إلى العقبات في الترتيب مع سلطات الاحتلال لنقل اللوحة من المطار الإسرائيلي إلى حاجز قلنديا بين رام الله والقدس.\nويقول: "كنا بحاجة لحل عبقري في كل مرة من أجل إيصالها دون ختم إسرائيلي وكي تحمل الرحلة اسم "من أيندنهوفن إلى فلسطين وليس إلى إسرائيل" خاصة أن اتفاق أوسلو لم يتطرق لأي عملية تنسيق من هذا النوع أبدا.\nوبفعل غياب آليات تنسيق هذه العملية، يقول حوراني "لجأنا إلى بنود في القانون الدولي تتيح لنا ذلك، واستخدمنا هذا كله ضد الاحتلال الذي يعيق حياتنا الطبيعية".\nويضيف أن الهدف الرئيسي لمشروع "بيكاسو في فلسطين" هو تسليط الضوء على فلسطين والحواجز والظروف المستحيلة التي يعيشها الناس هنا.\nثم يقول: "من الطبيعي جدا أن يأتي بيكاسو بلوحاته إلى فلسطين لأننا بشر كباقي شعوب الأرض، بينما الشيء الوحيد غير الطبيعي هنا هو الاحتلال والجدار والحواجز".\nوقال إن الفن ربما لا يقدم حلولا ولكنه يشخص المشاكل ويسلط الضوء عليها، ويدعو العالم إلى أن يصبح جزءا من حلها، مشددا على أن دور الفنانين الفلسطينيين ليس مكملا للسياسة بل هو دور أساسي جدا في فعل المقاومة.\nومن المقرر أن توثق تجربة حضور لوحة بيكاسو إلى فلسطين ابتداء من عملية التحضير والبحث الطويلة لتأمين ونقل وعرض اللوحة ونتائج هذا العمل والتعقيبات عليه وعودتها إلى هولندا، من خلال إنتاج سينمائي يشرف عليه المخرج الفلسطيني الشهير رشيد مشهراوي.\nوتضيف أنه "لم يحدث سابقا أن استعرضنا أسئلة الممكن والمستحيل في قضايا استعارة اللوحات لمناطق تعتبر خطرة، عدا عن أنها مقموعة بحكم واقعها".\nويحاط مكان عرض اللوحة، وهو بيت فلسطيني قديم تتخذه أكاديمية الفنون مقرا، بحراسة أمنية مشددة على مدار الساعة ويلاقيك رجال أمن فلسطينيون مدربون بصورة خاصة، على بوابة المتحف ويرافقك أحدهم حتى داخل قاعة العرض.\nكما يرافق عرض اللوحة سلسلة محاضرات في رام الله والقدس وغزة عن العقبات التي تواجه الفن في ظل هيمنة السياسة على نواحي الحياة وعن معنى حضور اللوحة، ضمن سلسلة فعاليات تحت عنوان "أحاديث بيكاسو".\nويؤكد حوراني أن عرض اللوحة لن يكون للنخب الثقافية والفنية فقط، وإنما للجمهور الفلسطيني عموما. حيث شارك في إنجاز هذا العمل معظم المراكز والمؤسسات الثقافية الفلسطينية.\nكما يسعى الفنان خالد حوراني إلى طرح سؤال عن إنشاء المتحف الفلسطيني بعد مغادرة لوحة بيكاسو التي حلت في مكان يضاهي دور العرض العالمية من حيث مواصفات الحرارة والإضاءة والرطوبة.

الخبر من المصدر