بين حرية الكلمة وحرية الجسد

بين حرية الكلمة وحرية الجسد

منذ 7 سنوات

بين حرية الكلمة وحرية الجسد

في عالم الأنظمة العربية التي تهتم بمراقبة كل ما يمس عظمة النظام الأوحد، خصوصاً وسائل الإعلام، يصبح كل ما سوى ذلك مباحاً، ومراقبته تضييقاً للحرية والإبداع، بحيث أصبحت حرية الكلمة الحرة لا قيمة لها إذا قورنت بحرية الجسد وحرية التعري وحرية الفضاء الفاضح.\nظاهرة الإباحية في المحتوى الإعلامي الذي تقدمه وسائل الإعلام العربية وصلت حداً لا يمكن تبريره أو السكوت عنه، فالمسألة أصبحت تتعلق بقيم المجتمع الإسلامية وتقاليده المحافظة التي يراد لها أن تكون نسخة طِبق الأصل عن المجتمعات المتحللة من القيم والأخلاق.\nومن المهم الإشارة إلى أن المحتوى الإعلامي المنحط في القنوات العربية بشكل خاص توسع بشكل كبير عقب اندلاع الانتفاضة العربية عام 2011، وكأن هناك رغبة من مالكي هذه القنوات في إفساد الشباب العربي، الذي لم تستثنِ ثورته النظام الحاكم فحسب، بل طالت كل ما له صلة به، ومن بينهم رجال المال والأعمال الذين يملكون هذه القنوات.\nاستمرار نشر الفساد الأخلاقي من خلال المحتوى الإعلامي أو الكليبات الغنائية الهابطة تحت يافطة الجرأة في سبيل إفساد المجتمع وأخلاقه وهدم العفة والفضيلة يشبه إلى حد كبير ما ورد في بروتوكولات حكماء صهيون، الذين اتخذوا من جسد المرأة ونشر الانحطاط الخلقي والانحلال الاجتماعي وسائل لتحقيق أهدافهم في السيطرة على العالم، كما يعتقدون، مع وجود تباين في أن المرابين العرب يستخدمون ذلك لخدمة النظام الحاكم عن طريق إشغال المجتمع بمحتوى ينسيه مشكلات السياسة، ويفسد قيمه في نفس الوقت.\nوبالتوازي مع هذا المحتوى الإعلامي المنحط الذي يركز على حرية الجسد وتحرير مفاتن المرأة، تصبح حرية الكلمة والكلمة الحرة أمرين يقضان مضاجع النظام العربي في حال جرى الحبر بالحديث عن الفساد وانتقاد سياسة النظام، وكشف الممارسات غير القانونية في صورة تقترب من ملامسة السواد الأعظم من هموم ومعاناة المواطن العربي.\nوهو ما لا يتفق مع أهواء ونزوات السلطة التي تحرص على صرف الناس عن إخفاقاتها المتوالية إلى إنجازاتها الوهمية التي يتكفل بتسويقها الإعلام الرسمي.\nالكلمة الحرة التي ترسم صورة الفساد تعتبر تحريضاً لقلب نظام الحكم، بينما الكلمة التي تنتقص من مبادئ الدين الإسلامي والذات الإلهية تندرج في إطار حرية التعبير من وجهة نظر النظام العربي المرتجف.\nحرية الكلمة الصادقة إذن هي عملية إرهابية يتوجب استبدالها بالكلمات المدبوجة التي تسير في سكة القائد الملهم، وحرية الجسد جزء من خدمات النظام العربي الذي يقدم للجماهير للاستمرار في الغيبوبة القسرية، وإن كان لا بد من ربط ضياع حرية الكلمة في مقابل حرية الجسد فلن نذهب بعيداً.\nفي ليلة الانقلاب العسكري بمصر في الثالث من يوليو/تموز وبينما كانت قنوات الجسد المصري تواصل بث المحتوى المنحط شرع رجال الجيش في إغلاق فضائيات أخرى محسوبة على الكلمة الحرة التي ترفض فكرة الانقلاب وحكم القبعات العسكرية التي لم ترضخ بعد للإرادة الشعبية.\nحرية الكلمة الحرة قضى عليها تحالف الحوثي - صالح في اليمن بشكل كلي، وقبل أن تشرع في تصفح موقع إخباري عبر الإنترنت تأكد من امتلاكك لبرامج كسر الحجب، وهذه البرامج لا تحتاجها عند تصفحك لمواقع أخبار الفن المنحط، إنه الانحطاط الذي يتقنه رجال الدولة العميقة والأفكار العقيمة.\nالانحطاط الذي كُرمت بموجبه راقصة مصرية من قِبل الجيش المصري في مارس/آذار 2014 ونالت لقب الأم المثالية في البلاد، وفي الحقيقة لم يكن تكريماً بقدر ما كان دعوة صريحة للمجتمع المصري للتوجه إلى غرف الانحطاط والسهرات الراقصة، بدلاً عن ميدان التحرير أو رابعة العدوية، وهنا يكمن السر في التزايد المتسارع لوسائل الإعلام التي تنضوي في إطار حرية الجسد على حساب وسائل إعلامية تنضوي في إطار حرية الكلمة والكلمة الحرة.\nلا يقتصر ذلك في "أم الدنيا" فقط، وإنما على رقعة الجغرافيا العربية مع وجود تفاوت في الوسائل المستخدمة التي تؤدي في النهاية إلى طريق واحد، الحفاظ على الكرسي أولاً.\nالتدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الخبر من المصدر