واشنطن تاريخها حافل بدعم الانقلابات

واشنطن تاريخها حافل بدعم الانقلابات

منذ 7 سنوات

واشنطن تاريخها حافل بدعم الانقلابات

لعل أبرز ما رافق انتخابات الرئاسة الأميركية لهذا العام 2016 وأكثرها إثارة للقلق كان التدخل السافر للكرملين في الحملات الانتخابية؛ فالأسبوع الماضي وجهت الولايات المتحدة اتهاماً رسمياً إلى الحكومة الروسية بسرقة وتسريب رسائل إلكترونية من اللجنة الوطنية الديمقراطية (القيّمة على حملة هيلاري كلينتون) ومن حسابات شخصية لقاماتٍ بارزة لامعة ضمن أروقة واشنطن.\nالتسريبات، التي يعود الفضل في تسريبها جزئياً إلى ويكيليكس، أثارت ضجة من الأصوات التي تعالت معلنةً تحمسَ موسكو لفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الرجل الذي أقلق بلهجته وكلامه أعتى حلفاء أميركا التقليديين في أوروبا بل وحتى أنه أثار الشكوك بمستقبل حلف الناتو، عدو روسيا اللدود.\nرفض مسؤولون روس كبار مزاعم إدارة أوباما؛ ففي مقابلة على قناة CNN يوم الأربعاء 12 أكتوبر الجاري سخر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من مزاعم التدخل الروسي قائلاً أنها "سخيفة" غير أنه قال كذلك أنه "إطراء" من واشنطن أن توجه إصبع الاتهام لموسكو.\nوطبعاً يكثر التلاسن ويبلغ الكيد ذروته بين مسؤولي الكرملين ونظرائهم الأميركان عند احتدام التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط ومناطق أخرى.\nوبالتأكيد هنالك مشهد أكبر للوعيد المزمجر الذي نشهده اليوم، فكما قال زميلي آندرو روث -والكلام لكاتب المقال آيشان ثارور صحفي هندي ومحرر للشؤون الخارجية في صحيفة واشنطن بوست الأميركية- : مهما قيل عما فعلته حكومتهم في انتخاب 2016، تظل الحقيقة هي أن قادة وزعماء روسيا يستمتعون دوماً بالطعن في العملية الديمقراطية الأميركية، كما إنهم في الأعوام الأخيرة قد استُفزوا وأبدوا سخطاً من ما يبدو تدخلاً أميركياً في سياسات البلدان المجاورة لروسيا وخصوصاً أوكرانيا.\nلعل زمناً طويلاً قد مضى على أيام كانت تصرفات أميركا مفرطة في السوء (من وجهة نظر الكاتب)، إلا أن لديها تاريخاً موثقاً من التدخل في ديمقراطيات البلدان الأخرى بل وحتى عرقلتها.\nفقد احتلت أميركا دولاً وتدخلت عسكرياً في بلدان كثيرة في منطقة الكاريبي وأميركا اللاتينية، فضلاً عن تأجيجها انقلابات على قادة شعوبيين منتخبين ديمقراطياً في بلدانهم.\nلعل أشهر تلك القصص ما كان من أمرِ رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق الذي أطيح به عام 1953 ليحل محل حكومتِه نظام ملكي استبدادي حليف لواشنطن.\nكذلك كانت الإطاحة بالزعيم الكونغولي باتريس لومومبا واغتياله عام 1961، ناهيك عن الإطاحة العنيفة بالرئيس التشيلي سلفادور أليندي الذي حُلت حكومته عام 1973 بانقلاب عسكري قاده الجنرال الدموي أوغوستو بينوشيه.\nلعقود خلت، كانت هذه الأفعال تعد ضريبة الحرب الباردة، أي نوعاً من الصراع العالمي ضد الاتحاد السوفييتي ووكلائه اليساريين المزعومين. كان من صناع هذه الأحداث ومهندسيها دبلوماسيون محنكون ماكرون مثل جون فوستر دالس وهنري كيسنغر اللذين تبنيا سياسات عدوانية لكن خبيئة في السر لوقف مد التهديد الشيوعي المزعوم.\nأحياناً كانت تلك الأجندة تتقاطع بشكل واضح مع مصالح التجارة الأميركية، ففي 1954 أطاحت واشنطن برئيس غواتيمالا اليساري جيكوبو آربنز الذي تجرأ على تحدي الهيمنة الواسعة لشركة United Fruit Co الأميركية المتاجرة بالفاكهة، بسنِّهِ قوانين زراعية توفي المزارعين الغواتيماليين حقهم.\nفما كان من جهاز الاستخبارات المركزية CIA إلا أن جاؤوا بديكتاتوريات يمينية وقدموا لها الدعم على مر نصف قرن ذاقت فيه البلاد صنوف العذاب والفقر المدقع تحت نير الظلم والاستبداد.\nوقتها كان تشي غيفارا شاباً في زيارة لغواتيمالا عام 1954، فهاله حينها كثيراً كيف أطيح بآربينز، وكتب لاحقاً لوالدته رسالة قال فيها أن ما رآه من أحداث قد دفعه ليترك "سبيل العقل والمنطق" ويغرس فيه جذور المعتقد بالحاجة إلى ثورة راديكالية بدلاً من الإصلاح السياسي التدريجي.\nحقائب وأكياس جاهزة من المال!\nإلى جانب تحريضها على الانقلابات وتحالفها مع الإدارات العسكرية الانقلابية، سعت واشنطن كذلك بشكل أكثر سرية إلى التأثير في موازين الانتخابات حول العالم، وكذلك فعلت موسكو.\nوطبقاً لإحصاءات الخبير في العلوم السياسية دوف ليفين فقد "تدخلت الدولتان العُظميان في 117 انتخاباً حول العالم بين عامي 1946 و2000، أي بمعدل تدخل 1 في كل 9 انتخابات تنافسية".\nفي أواخر أربعينيات القرن الماضي حينما كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مؤسسة حديثة الأسنان، خاضت أولى تجاربها في غرب أوروبا حينما عملت على إقصاء أعتى الأحزاب اليسارية والاتحادات العمالية في القارة العجوز.\nففي عام 1948 قدمت الولايات المتحدة دعمها لحكومة الديمقراطيين المسيحيين المركزية في إيطاليا وعملت على ضمان انتصارهم في الانتخابات أمام التحالف اليساري المدعوم من أقوى الأحزاب الشيوعية في أوروبا.\nقدم عملاء الـCIA ملايين الدولارات لحلفائهم الإيطاليين وساعدوهم على تنسيق حملة دعائية سرية غير مسبوقة ضمت تزوير وثائق لتشويه سمعة القادة الشيوعيين عبر فبركة الفضائح الجنسية لهم وشن حملة جماعية لدى الإيطاليين الأميركان لكتابة الرسائل لمواطنيهم وبث الذعر والهستيريا من احتلال روسي قد يهدد الكنيسة الكاثوليكية.\nيقول ف.مارك وايات، موظف الـCIA الذي تولى المهمة وشارك لاحقاً على مدى 25 عاماً في تقديم الدعم المباشر للديمقراطيين المسيحيين في إيطاليا "كانت بحوزتنا حقائب وأكياس من المال كنا نوصلها لباقة مختارة من السياسيين لتحمل نفقاتهم السياسية ونفقات حملاتهم وللملصقات والكتيبات."\nسرعان ما انتشر هذا النموذج في كل مكان. ففي عام 1953 يقال أن عميل الـCIA إدوارد ج. لانسديل الذي ذاع صيت جهوده للإطاحة بحكومة فيتنام الشمالية قد كان هو من أدار الحملة الدعائية الناجحة للرئيس الفلبيني رامون ماغسايسي؛ كذلك حظي الحزب الديمقراطي الليبرالي الوسطي اليميني الياباني بدعم سري بالأموال الأميركية طيلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.\nوفي لبنان أيضاً عملت الحكومة الأميركية وشركات النفط الأميركية على دعم الأحزاب المسيحية في لبنان بحقائب محشوة بالمال كي تربح انتخابات حاسمة عام 1957.\nفي تشيلي حالت الولايات المتحدة دون فوز الرئيس أليندي بانتخابات 1964.\nوقد كشف تحقيق أجراه مجلس الشيوخ الأميركي في أواسط السبعينيات من القرن الماضي تفاصيل دور الـCIA في قلب نتائج انتخابات الدول الأجنبية وجاء فيه "أنفق حوالي 4 ملايين دولار على 15 مشروعاً سياسياً سرياً تنوعت بين تنظيم سكان العشوائيات وحتى ضخ الأموال في الأحزاب السياسية"؛ وعندما فشلت واشنطن في مقارعة أليندي في صناديق الاقتراع عام 1970 قررت واشنطن إبعاده وإقصائه من أساسه.\nويُنسب إلى كيسنغر أنه قال "لست أرى سبباً يدعونا للوقوف مكتوفي الأيدي فيما نتفرج على بلدان أخرى تعتنق الشيوعية نظراً لانعدام مسؤولية شعبها."\nثم بعدما وضعت الحرب الباردة أوزارها خرجت الولايات المتحدة بخططها ومشاريعها السياسية السرية إلى فضاء العلن مع منظمات مثل منظمة "الوقف الوطني للديمقراطية" التي هي منظمة غير ضارة تهدف إلى تعزيز المجتمع المدني والمؤسسات الديمقراطية حول العالم عبر المنح وغيرها من وسائل الدعم.\nمع ذلك يرى مراقبو الولايات المتحدة الإصبع الأميركي مندساً في كثير من انتخابات الآونة الأخيرة في بلدان من هندوراس إلى فنزويلا وإلى أوكرانيا.\nفي ذات الوقت لا تقتصر مخاوف التدخل الأجنبي في الانتخابات الأميركية على مخاوف من روسيا وحسب. ففي نهاية التسعينيات من القرن الماضي ساد شبح الأموال الصينية غير الشرعية على تمويل الحملة الديمقراطية، لكن بعض المراقبين حذروا آخرين ألا يترفعوا كثيراً ويتكبروا على تلك الأموال.\nيقول بيتر كورنبلاه مدير محفوظات الأمن الوطنية المرتبطة بجامعة جورج واشنطن في مقابلة معه أجرتها النيويورك تايمز عام 1997 "إن كان الصينيون بالفعل قد حاولوا التأثير في انتخاباتنا هنا، فهذا يعني أن الولايات المتحدة الآن تتجرع الكأس نفسه الذي أسقته لغيرها.\nالصين ذهبت مذهباً أبعد قليلاً من مجرد تقليد الهيمنة الأميركية وأسلوبها الذي اتبعته طويلاً من رشاوى وعمليات سرية لحرف المسار السياسي لبلاد لا تعد ولا تحصى حول العالم".\nاشترك على صفحة المصريون الجديدة على الفيس بوك لتتابع الأخبار لحظة بلحظة

الخبر من المصدر